لأول مرة في تاريخ عُمان الحديث أصبح للسلطنة ولي للعهد في تغيير طرأ على نظام انتقال الحكم في سلطنة عمان الواقعة في جنوب الجزيرة العربية.
ونشر موقع التواصل الحكومي العماني، التابع لوزارة الإعلام بالسلطنة، تفاصيل النظام الأساسي للدولة، والذي حدد آلية اختيار ولي العهد بعد تغيير نظام انتقال الحكم في سلطنة عمان.
ونص النظام الأساسي الجديد على انتقال ولاية الحكم من السلطان إلى أكبر أبنائه سناً، ثم أكبر أبناء هذا الابن، وهكذا طبقة بعد طبقة.
وإذا توفي ولي العهد قبل أن ينتقل الحكم إليه، فتنتقل ولاية العهد إلى أكبر أبناء المتوفى، حتى لو كان له إخوة.
نظام انتقال الحكم في سلطنة عمان الذي وضعه السلطان قابوس
وجاء الإعلان عن هذا المرسوم في الذكرى الأولى لتولي السلطان هيثم بن طارق، مقاليد الحكم.
وتختلف هذه الطريقة عن الوضع السابق الذي أفضى إلى تولي السلطان هيثم للسلطة بعد وفاة السلطان الراحل قابوس بن سعيد.
إذ إنه قبل وفاة سلطان عُمان السابق قابوس بن سعيد عن عمر ناهز 79 عاماً، لم يسمِّ قابوس وريثاً للعرش، على خلاف نظرائه من حكام منطقة الخليج العربي، إذ لم يكُن له أبناء أو أشقاء، بعكس السلطان الحالي الذي لديه 4 أبناء و8 أشقاء.
وبعد وفاة قابوس، قال التليفزيون العام في السلطنة إن العائلة المالكة قررت فتح رسالة تركها السلطان الراحل وحدد فيها اسم خليفته.
وبحسب نظام انتقال الحكم في سلطنة عمان القديم يقوم مجلس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم.
وإذا لم يتم الاتفاق، تُفتح رسالة تركها السلطان قابوس وحدّد فيها اسم خليفته، ثم يجري تثبيته في منصب السلطان. ويُشترط فيمن يُختَار لولاية الحكم في عمان أن "يكون مسلماً رشيداً عاقلاً وابناً شرعياً لأبوين عمانيين مسلمين".
وأدت هذه الإجراءات إلى اختيار السلطان الجديد هيثم بن طارق (66 عاماً)، في يناير 2020 للمنصب.
والنظام الأساسي في الدولة الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم 96/101، والمرسوم السلطاني رقم 2011/99 واللذين يحدّدان مَن يحكم عُمان من أسرة آل سعيد التي تحكم عُمان منذ 275 عاماً.
وتنص المادة 5 من النظام الأساسي على أن نظـام الحكم سـلطاني وراثي في الذكـور من ذريـة السيد تركـي بن سعيد بن سلطـان؛ ويشترط فيمَن يختار لـولاية الحكم من بـينهم أن يكون مسلماً رشيداً عـاقلاً وابناً شرعياً لأبوين عُمانيـين مسلمين، فيما تشير المادة 6 إلى أن يقوم مجلـس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد مَن تـنتـقل إليه ولاية الحكم.
فإذا لم يتـفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطـان للبلاد قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسَي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت مَن أشار إليه السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة.
ولكن الآن تغيرت هذه الآلية تماماً بعد النظام الأساسي الجديد.
مجلس وصاية
وفقاً للنظام الأساسي الجديد، الذي غير نظام انتقال الحكم في سلطنة عمان، إذا انتقلت ولاية الحكم لمن هو دون سن الحادية والعشرين، فيمارس صلاحيات السلطان مجلس وصاية يعينه السلطان، أو مجلس العائلة المالكة.
ووفقاً للترتيب الحالي فإن نجل سلطان عمان الأكبر، ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد هو الذي سيتولى الحكم بعده.
والمرسوم واحد من اثنين أصدرهما سلطان عمان، الأول يقضي بإصدار النظام الأساسي للدولة يتضمن تغيير نظام انتقال الحكم في سلطنة عمان، والثاني بإصدار قانون مجلس عُمان.
وقالت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إن إصدار هذين المرسومين يأتي "تلبية لمتطلبات السلطنة في المرحلة القادمة، وانسجاماً مع رؤية عمان 2040".
وجاء في المرسوم المتعلق بإصدار نظام أساسي جديد للدولة "وضع آلية محددة ومستقرة لانتقال ولاية الحكم في السلطنة".
كما نص على "وضع آلية تعيين ولي العهد، وبيان مهامه واختصاصاته، والتأكيد على مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء كأساس للحكم في الدولة".
تأكيد المساواة والحريات
وقضى المرسوم نفسه أيضا بـ"التأكيد على دور الدولة في كفالة المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين، أهمها المساواة بين المرأة والرجل، ورعاية الطفل والمعاقين والنشء والشباب، وإلزامية التعليم حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي، وتشجيع إنشاء الجامعات".
وفيما يتعلق بمرسوم قانون مجلس عمان، فهو يتعلق باختصاصات المجلس وشروط العضوية، وجميع حقوق وواجبات الأعضاء، إضافة إلى تنظيم كل ما يتعلق بشؤون المجلس.
من هو ولي العهد الجديد
وأصبح ذي يزن بن هيثم بن طارق النجل الأكبر للسلطان أول ولي عهد في تاريخ سلطنة عمان الحديث، حسب نظام انتقال الحكم في سلطنة عمان الذي تم إقراره.
ويشغل ذي يزن (31 عاماً) حالياً منصب وزير الثقافة والرياضة والشباب، منذ تعيينه في أول حكومة شكلها والده لدى تسلمه مقاليد الحكم في سلطنة عُمان العام الماضي.
وذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد مواليد 21 أغسطس/آب 1990، له ثلاثة أشقاء وشقيقتان.
عمل سكرتيراً ثانياً في السفارة العمانية لدى بريطانيا. ويعرف عنه اهتمامه بالشباب، حيث كان راعياً لحفل يوم الشباب العماني في أكتوبر/تشرين الأول 2019، كما كان راعياً لكأس السلطان لكرة القدم في الشهر نفسه.
وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد في بريطانيا.
ويؤدي ولي العهد أمام السلطان قبل ممارسة اختصاصاته أو المهام التي تسند إليه اليمين المنصوص عليها في المادة (10) من هذا النظام.
الأسرة التي حرَّرت البلاد من الفرس وأسست إمبراطورية عابرة للقارات
تمتلك عمان تاريخاً عريقاً، وكان لديها إمبراطورية عريقة هزمت البرتغاليين وطاردتهم في شرق إفريقيا، في عهد اليعاربة، ولكن هذه الدولة أصيبت بالاضطرابات التي أدت إلى احتلال الفرس لأجزاء واسعة من عمان.
وكان لدى عمان في كثير من عصورها نظام الإمامة المأخوذ من المذهب الأباضي الذي يقوم على اختيار السكان للإمام، ولكن فعلياً كانت الإمامة وراثية، وضعفت الإمامة في نهاية عهد اليعاربة ليظهر حكم سلاطين آل سعيد الذين أوصلوا البلاد لأوج قوتها ليصبح لديها إمبراطورية كبيرة في شرق إفريقيا.
وبصفة عامة يشير تاريخ عمان إلى عدم وجود طريقة محددة إلى انتقال السلطة، رغم أنها كانت فعلياً وراثية في الأغلب، إلا أن طريقة انتقال السلطة سببت بعض المشاكل في تاريخ البلاد منها تقسيم الإمبراطورية العمانية عام 1856 لشطر عماني وآخر إفريقي، مما سهل استفراد الإمبراطورية البريطانية التي توسطت في هذا الاتفاق بين نجلي السلطان سعيد بن سلطان لتحتل بعد ذلك مستعمرات عمان في شرق إفريقيا.
وحكمت أسرة آل بوسعيد عمان من عام 1749 حتى الوقت الحاضر، وزنجبار في شرق إفريقيا من (1749-1964).
وخلال القرن الثامن عشر طردت سلالة آل بوسعيد الاحتلال الفارسي وفرضت السيطرة العمانية على جزء كبير من الخليج العربي (الفارسي).
بدأ حكم الأسرة عندما تمكن أحمد بن سعيد، الذي كان حاكماً لصُحار، عُمان، في أربعينيات القرن الثامن من هزيمة الاحتلال الفارسي بحلول عام 1749، وأصبح إماماً لعمان وزنجبار، وممباسا في شرق إفريقيا.
وحظي أحمد بن سعيد بتأييد شعبي واسع باعتباره الشخص الذي حرر البلاد من المحتلين الفرس، وسرعان ما عزز قوته ورأى الإمكانات الاقتصادية لموقع عمان على طرق التجارة، واكتسب ولاء زعماء القبائل من خلال إشراكهم في مشاريع تجارية.
شجع أحمد بن سعيد على تطوير الزراعة والتجارة البحرية، ولأول مرة في تاريخ عمان احتفظ أحمد بن سعيد بجيش وبحرية دائمين.
في أواخر سبعينيات القرن الثامن عشر، حاول السيطرة على مضيق هرمز بين خليج عمان والخليج العربي، أعاد أحمد بن سعيد ترسيخ مكانة عمان الرائدة في الخليج والمحيط الهندي.
وقام خلفاؤه- المعروفون باسم السادة أو السلاطين فيما بعد- بتوسيع ممتلكاتهم في أواخر القرن الثامن عشر لتشمل البحرين في الخليج العربي وبندر عباس وهرمز وقشم في إيران.
نجا آل بوسعيد من الكثير من الاضطرابات السياسية، وحافظوا على سيطرتهم على السلطة رغم المشكلات التي مرت بها المنطقة وفقدان مستعمرات السلطنة في إفريقيا، وحافظوا على علاقة وثيقة مع بريطانيا.
لكن التحديث تأخر في البلاد إلى عام 1970 حين تولى السلطان قابوس بن سعيد السلطة، عندها بدأت عمان بسرعة في تطوير اقتصاد متقدم مع الاستفادة من احتياطات البلاد النفطية التي ليست كبيرة مقارنة بجيرانها الخليجيين.
في عهد السلطان قابوس اشتهرت البلاد بحيادها السياسي الذي جعلها الدولة العربية الوحيدة التي لا تقطع علاقتها مع مصر بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، وتحتفظ بعلاقات مع إيران بعد الثورة الإيرانية في أوج الخلافات بين طهران وشركاء عُمان العرب والخليجيين وحتى في أوج مشاكلها مع الحليف الأمريكي.
ولعبت عمان دوراً في معالجة العديد من الأزمات، منها التوصل للاتفاق النووي الإيراني، كما اتسمت البلاد بمعالجة مشكلاتها الداخلية بهدوء مقارنة بجيرانها العرب الآخرين، وهو ما حدث في معالجتها للتمرد في غرب البلاد واستيعاب قيادات الحركات اليسارية والقومية المناهضة للسلطة داخل الحكم خلال السبعينيات، كذلك معالجة السلطة الهادئة للتظاهرات التي نشبت في البلاد ضمن الربيع العربي.
وواصلت البلاد حيادها خلال الأزمة الخليجية والحرب في اليمن، وحافظ السلطان هيثم على نفس النهج بعد توليه السلطة خلفاً للسلطان قابوس، فيما بدا أنه يحاول تغيير نهج الحكم الداخلي ليصبح أكثر مؤسسية.