تبدو الدوائر الإعلامية والسياسية الإسرائيلية قلقة من احتمال شراء قطر لطائرات إف-35 الشبحية الأمريكية.
حتى الوقت الحالي، إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تُسيِّر مقاتلات "إف-35″، وأُعلِن رسمياً في الشهر الماضي دخول ثاني سرب للقوات الجوية الإسرائيلية من مقاتلات "إف-35″، مرحلة التشغيل، وهذه الطائرات المسماة "أدير" هي نسخة من "إف-35" مُصمَّمة خصيصاً وفق مواصفات إسرائيل.
وقدَّمت قطر طلباً رسمياً لشراء طائرة F-35 في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
كان المسؤولون الأمريكيون منفتحين على بيع طائرة F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة، بعد أن قامت الإمارات والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول، لكنهم لم يعلقوا بشأن طلب قطر شراء الطائرة.
ولم تُحسَم بعدُ صفقة بيع مقاتلات "إف-35 لايتنينغ الثانية" للإمارات، ولكن فرص توقيعها زادت مع موافقة إسرائيل على الصفقة بعد التطبيع الإماراتي مع الدولة العبرية وقيادة أبوظبي لموجة تطبيع واسعة في العالم العربي، شملت البحرين والسودان والمغرب، ويظل الأمر متوقفاً بشكل كبير على قرار إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن.
لكن حتى إذا تمت صفقة بيع طائرات إف-35 للإمارات، فمن غير المرجح أن توافق إسرائيل على دعم صفقة شراء قطر لطائرات إف-35، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وقالت إسرائيل، التي تتشاور معها واشنطن بشأن مبيعات الأسلحة في الشرق االأوسط، إنها ستُعارض أي صفقة محتملة تتضمن شراء قطر لطائرات إف-35.
وسبق أن قال وزير المخابرات الإسرائيلي إن إسرائيل ستعارض أي بيع أمريكي لطائرات إف -35 لقطر، مشيراً إلى ضرورة الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة.
دوافع صفقة شراء قطر لطائرات إف-35
هناك الكثير من الأسباب التي تجعل قطر ترغب في شراء طائرة "إف-35".
وطلبت قطر، جارة الإمارات، رسمياً، الحصول على الطائرات المتطورة لتكملة أسطولها الحالي الذي يضم طائرات من طراز "ألفا جيتس"، و"ميراج 2000″، و"داسو رافال"، إضافة إلى الطائرات المنتظرة من طرازات "إف-15 إي سترايك إيغلز"، و"يوروفايتر تايفون".
وستسمح إضافة "إف-35" لقطر بالتخلص التدريجي من بعض الطائرات القديمة.
وبعد المصالحة الخليجية فإن العلاقات بين البلدين تتحسن ببطء بعدما انقطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما في يونيو/حزيران 2017، في أعقاب الأزمة الدبلوماسية القطرية، التي شهدت قطع السعودية والبحرين ومصر أيضاً العلاقات مع قطر بسبب ادعاءات بدعم قطر للإرهاب، وعلاقتها بتركيا وإيران، (علماً أن الإمارات أكبر شريك خليجي لطهران)، وهي مزاعم نفتها الدوحة.
وأطلقت قطر وهي الدولة الأصغر سكاناً في المنطقة برنامج تسليح اكتسب زخماً مع تزايد المشاكل في المنطقة.
ولا ترغب قطر بالتأكيد في أن تتأخر في مجال السلاح الجوي، في حال حصلت الإمارات فعلياً على طائرات "إف-35".
ورغم أن علاقتها هي أقل توتراً مع إيران مقارنة بالسعودية ومعظم دول الخليج، فإن الدوحة تريد أن تكون في وضع أفضل عسكرياً في هذه المنطقة المضطربة حال ساءت الأمور.
إسرائيل هي المعترض الأكثر فاعلية
الاعتراض الأكثر تأثيراً على صفقة شراء قطر لطائرات إف-35 يأتي من إسرائيل.
أعربت إسرائيل في البداية عن مخاوفها بشأن حصول الإمارات على طائرات F-35، ثم أسقطت حكومة نتنياهو هذه الاعتراضات بعد أن عاد وزير الدفاع بيني غانتس من واشنطن بضمانات أمنية أمريكية جديدة لإسرائيل.
كانت هناك تكهنات في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن إدارة ترامب يمكن أن تعتبر طائرة F-35 حافزاً لقطر لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
ولكن استبعدت قطر مثل هذه الخطوة الدبلوماسية دون حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
إذ أوضحت قطر أنها لن تقبل تطبيع العلاقات معها حتى التوصل إلى حل الدولتين. ولا تزال قطر ملتزمة أيضاً بمبادرة السلام العربية، وهو الاقتراح الذي تدعمه السعودية منذ عام 2000، الذي يتضمن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في جميع أنحاء العالم الإسلامي مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
وهناك نقاط شائكة أخرى بالنسبة لإسرائيل بشأن شراء قطر لطائرات إف-35.
فبالإضافة إلى دعم قطر لحركة حماس، تخشى إسرائيل من الشراكة الوثيقة التي تطورت بين قطر وتركيا، والدعم الذي قدمته أنقرة للدولة الخليجية خلال أزمة عام 2017 مع جيرانها في المنطقة.
ويدعم كلا البلدين جماعة الإخوان المسلمين، بينما زادت تركيا من دعمها للإسلاميين بمن فيهم أولئك الموجودون في ليبيا، ومثل هذه المواقف لا تصب في مصلحة إسرائيل.
وبالإضافة إلى الوجود العسكري الأمريكي، تستضيف قطر أيضاً قاعدة عسكرية تركية كبيرة. ومن غير المحتمل أن ترغب الولايات المتحدة في وجود تركيا -التي أخرجت من برنامج "إف-35" لحيازتها منظومة الدفاع الصاروخية الروسية "إس-400 تريومف"- في أي مكان بالقرب من طائرات "إف-35".
"إف-15″ وليس "إف-35"
في حين أنه من الصعب التكهن هل يمكن أن تتلقى القوات الجوية الأميرية القطرية طائرات "إف-35أم لا".
إلا أنها ستحصل في كل الأحوال على طائرات جديدة قوية في شكل "إف-15 القطرية المتطورة" -أو "إف-15 كيو إيه"- وهي أحدث ترقية للمنظومة، وخضعت لاختبارات طويلة، وتضم تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين.
ومن المقرر حصول القوات الجوية الأميرية القطرية على 36 من مقاتلات "إف-15 كيو إيه" الجديدة، بحلول العام القادم في إطار صفقة بقيمة 6.2 مليار دولار.
ولكن نظراً للقدرات المميزة الشبحية للطائرات إف- 35 فإن قطر تحاول الحصول عليها أيضاً.
ولكن وزيراً إسرائيلياً يتوقع إتمام الصفقة
اللافت هنا أن وزيراً في الحكومة الإسرائيلية قال إن بيع الولايات المتحدة لطائرات حربية متطورة من طراز إف -35 لقطر قد يكون ممكناً، على الرغم من معارضة إسرائيل لمثل هذا الاتفاق نظراً لصلات الدولة الخليجية بحركة حماس الفلسطينية.
وقال وزير الطاقة يوفال شتاينتس، عضو مجلس الوزراء الأمني المصغر لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لقناة Ynet TV: "ليس لدي شك في أنهم إذا أرادوا [قطر] ذلك وهم على استعداد للدفع، فإنهم سيحصلون عليه عاجلاً أم آجلاً".
وأضاف: "هذا افتراض يجب أن نأخذه في الاعتبار"، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية "تبحث في النهاية عن المصالح الأمريكية"، خاصة في مواجهة الطائرات الشبح المنافسة التي تعرضها روسيا والصين.
واللافت أكثر أنه قال في بيان متابعة إنه في حالة تنفيذ صفقة شراء قطر لطائرات إف-35، فإن إسرائيل ستطالب "بتعويض مناسب" (في إشارة إلى احتمال تقديم واشنطن مساعدات لإسرائيل كتعويض عن مثل هذه الصفقة).
وهذا قد يشير إلى أن الإسرائيليين يضعون في اعتبارهم بشكل جدي احتمال موافقة الولايات المتحدة في نهاية الأمر على مثل هذه الصفقة.
قطر قد تصبح حليفاً رئيسياً من خارج الناتو
تربط الولايات المتحدة وقطر علاقات وثيقة، في سبتمبر/أيلول 2020، التقى وزير الخارجية مايك بومبيو بنظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في واشنطن، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تمضي قدماً في تسمية قطر كحليف رئيسي من خارج الناتو.
ساعدت الولايات المتحدة في تسليح الحلفاء الإقليميين، بما في ذلك قطر، التي تستضيف أكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، على أمل مواجهة النفوذ الإيراني.
كان من المرجح أيضاً أن تعارض السعودية الشريك الأقوى والأقرب بين دول الخليج العربية، الولايات المتحدة لتزويد قطر بطائرات إف -35، ولكن المصالحة الخليجية التي تمت بشكل أساسي بين السعودية وقطر قد تغير الموقف السعودي.
في مقابلة مع صحيفة جيروزاليم بوست في سبتمبر/أيلول، قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، إن ضمان الميزة العسكرية لإسرائيل في المنطقة هو "مسألة قانونية وليست سياسة"، مشيراً إلى أن الأمر يعود إلى قانون تم سنه عام 2008، رغم أن السياسة الأمريكية في هذا الشأن أقدم من ذلك بكثير.
وأضاف "لقد تعاملت إسرائيل مع مسألة التفوق العسكري النوعي وراء الكواليس بشكل احترافي وناجح لأكثر من عقد، وستواصل العمل بهذه الطريقة".
ومع ذلك، أشار وزير الطاقة يوفال شتاينتس إلى أنه كانت هناك مبيعات أمريكية سابقة لطائرات متطورة إلى دول عربية رغم اعتراضات إسرائيلية.
تحركات داخل أروقة السياسة الأمريكية لتنفيذ الصفقة
وكشف موقع "فورين لوبي ريبورت" وهو موقع إخباري يتتبع عمليات التأثير الأجنبي في واشنطن. أن "شركة محاماة ومجموعة ضغط تدعى Nelson Mullins Riley & Scarborough تواصلت مع أربعة من الديمقراطيين الرئيسيين في مجلس النواب في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2020، بشأن البيع المقترح لقطر لطائرات إف-35″.
ووفقاً لما كشفت عنه عمليات الضغط، فإن "النائب السابق جيم موران (ديمقراطي من فرجينيا) يقود ضغط نيلسون مولينز بشأن صفقة البيع لقطر".
على الرغم من اعتراضات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي دعم صفقة مماثلة مع الإمارات، "إنهم أي قطر يرغبون في شراء طائرات F-35، وسنرى ما سيحدث".