تحذيرات من مكتب التحقيقات الفيدرالي من احتمال حدوث احتجاجات مسلحة تزامناً مع تنصيب الرئيس جو بايدن. دونالد ترامب يوافق على إعلان حالة الطوارئ في واشنطن. هل كان اقتحام الكونغرس الأمريكي نهاية الفوضى أم بدايتها؟
هل عنف أنصار ترامب تحت السيطرة؟
عندما تمت السيطرة على أحداث اقتحام الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني خلال ساعات واستئناف جلسة التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة، بدا أن ما شهدته واشنطن العاصمة كان رقصة أخيرة من أنصار ترامب سرعان ما انتهت رغم الفوضى والدماء التي سالت.
لكن الأحداث التي كشفت عنها الأيام التالية ولا تزال تشير إلى أن ما حدث في ذلك اليوم ربما لا يكون سوى بداية سلسلة من الاحتجاجات والعنف لا أحد يمكنه التنبؤ بما قد تؤدي إليه في بلد يشهد انقساماً لم يمر به منذ أكثر من قرن ونصف.
وفي هذا السياق، رصد تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية ما وصفه الخبراء بحالة من الارتباك تسود المشهد بشكل عام وأوساط الجماعات اليمينية المتطرفة من أنصار ترامب بشكل خاص، وقالت هايدي بيريتش مؤسسة مشاركة في المشروع الدولي ضد الكراهية والتطرف، للصحيفة إن ما يحدث الآن يشبه إلى حد ما حدث في تشارلوتسفيل، في إشارة إلى مسيرات نظمها أنصار ترامب الساعون لتوحيد اليمين في أغسطس/آب 2017 وشهدت أحداثاً دموية قتل وأصيب فيها العشرات.
وترى بيريتش أن الدعوات المنتشرة الآن على المنصات والقنوات اليمينية بغرض تنظيم مسيرات احتجاجية في الأيام التي تسبق تنصيب بايدن وصولاً إلى يوم 20 يناير/كانون الثاني، مؤشر خطير على ما قد تؤول إليه الأمور في الأيام المقبلة.
"بدأ التطرف اليميني يعبر عن نفسه بطرق مختلفة"، بحسب بيريتش، مضيفة أنه بعيداً عن الجماعات المعروفة والمنظمة التي هي أقرب للميليشيات المسلحة ومنها Proud Boys، هناك أيضاً قلق من وجود أفراد متطرفين من أنصار ترامب يشعرون بالمرارة. "لا أريد أن أبدو متشائمة ولكنني أشعر بالقلق فعلاً من احتمال وقوع حادث دموي ضخم خلال تنصيب بايدن".
وتبرر بيريتش قلقها من زاوية أنه بشكل عام وبغض النظر عما قد يفعله أو يقوله ترامب "لا توجد وسيلة لتشجيع وتقوية كل هؤلاء الناس من أنصار نظرية المؤامرة الرافضين للعملية الديمقراطية دون خلق ظروف مهيِّئة لحدوث العنف".
طوارئ لحماية تنصيب بايدن
موافقة ترامب على إعلان الطوارئ في واشنطن العاصمة من مساء أمس الإثنين 11 يناير/كانون الجاري وحتى يوم 24 يناير/كانون الثاني، أي لما بعد يوم تنصيب بايدن بأربعة أيام، تشير إلى مدى خطورة التهديد الأمني الذي تمثله جماعات اليمين المتطرف الداعمة لترامب.
وإذ يرى بعض المراقبين أن الأمور قد لا تكون بالخطورة التي تبدو عليها وأن ما حدث من اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير هو الدافع الرئيسي لتلك الإجراءات الاحترازية، إلا أن تحذيرات مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI من تخطيط جماعات لتنظيم احتجاجات مسلحة محتملة في واشنطن وفي عواصم الولايات الخمسين في الفترة التي تسبق تنصيب بايدن تشير إلى مدى جدية التهديدات وخطورتها الفعلية.
وفي هذا السياق تأتي تصريحات الجنرال دانيال هوكانسون، قائد الحرس الوطني الأمريكي، التي قال فيها للصحفيين إنه من المتوقع نشر قوات قوامها نحو عشرة آلاف في واشنطن بحلول يوم السبت 16 يناير/كانون الثاني لتعزيز الأمن وتأمين النقل والإمداد والاتصالات، استعداداً لتنصيب بايدن.
ونشرت شبكة CNN تقريراً بعنوان "الجماعات اليمينية تجتذب المزيد من أنصار ترامب وتخطط للمزيد من العنف مع اقتراب موعد تنصيب بايدن"، رصد الدعوات لاحتجاجات من جانب أنصار الرئيس المهزوم لرفض تنصيب جو بايدن، وكيف أن الجماعات اليمينية المتطرفة تخطط للمزيد من العنف استغلالاً لتلك الاحتجاجات.
وفي ظل التضييق على الجماعات اليمينية المتطرفة من جانب منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر الذي أغلق حسابات أكثر من 70 ألفاً لتلك الجماعات بعد أن أغلق حساب ترامب نفسه، بدعوى التحريض على العنف، وكذلك التضييق على موقع بارلور اليميني من جانب شركات التكنولوجيا الكبرى، أصبحت هناك حالة من التمرد المضاد من جانب أنصار تلك الجماعات تنذر بالخطر الحقيقي من التخطيط لمزيد من حوادث العنف تأكيداً على قوة تلك الجماعات، بحسب الخبراء.
تأثير محاولات عزل ترامب
وفي ظل محاولات الديمقراطيين إجبار ترامب على الاستقالة أو عزله، يحذر البعض من أن ذلك يصب مزيداً من البنزين على وقود الانقسام الحاصل حالياً ويقوي من شوكة الجماعات اليمينية المتطرفة والتي هي أشبه بميليشيات مسلحة ومنظمة تستعد لمعركة بقاء، من وجهة نظر أصحابها.
وكان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أبرز حلفاء ترامب، قد عبر عن هذا الرأي من خلال صفحته الرسمية على تويتر، بقوله إن مضي رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بعملية عزل ترامب ستتسبب بأضرار جسيمة، مطالباً الرئيس المنتخب جو بايدن بحماية البلاد من عواقب هذه الخطوة.
فعلى الرغم من أن كثيراً من المشرعين الجمهوريين قد عبروا عن استعدادهم للتصويت لصالح البدء في إجراءات محاكمة ترامب في الكونغرس، ولم يستبعد نائبه مايك بنس نفسه اللجوء لتفعيل المادة 25 من الدستور التي تخول للنائب وغالبية أعضاء الحكومة عزل الرئيس إذا ثبت عدم أهليته لممارسة مهام منصبه، إلا أن اتخاذ خطوة فعلية لإبعاد ترامب عن البيت الأبيض قبل نهاية رئاسته خلال أيام لا تزال أمراً لا يحظى بالإجماع لا في الكونغرس ولا على مستوى الرأي العام الأمريكي.
هذا المشهد المرتبك يشير إلى أن احتمالات وقوع أحداث عنف ربما تكون أكثر فوضوية ودموية مما شهدته البلاد يوم 6 يناير/كانون الثاني عندما اقتحم أنصار ترامب مبنى الكونغرس، تظل قائمة ليس فقط حتى يوم تنصيب بايدن ولكن فيما بعدها أيضاً، خصوصاً أن ترامب لا يزال يردد نظرياته حول سرقة الانتخابات وتزويرها، بل وقال مؤخراً إن من اقتحموا الكونغرس ليسوا أنصاره بل "أنتيفا" حركة الاحتجاجات اليسارية.