الصين وعدت بإعطاء إفريقيا الأولوية في لقاح كورونا، ولكن لماذا ركَّزت على دول الشرق الأوسط؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/01/10 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/10 الساعة 21:37 بتوقيت غرينتش
إفريقيا تشهد تزايداً للنفوذ الصيني،ولكن هل تزود بكين القارة باللقاحات في الوقت المناسب/رويترز

"تبدو مسيرة اللقاحات الصينية في إفريقيا مثيرة للقلق"، إذ يتطلع القادة في القارة السمراء إلى اللقاحات الصينية باعتبارها وسيلة الإنقاذ الأساسية من الجائحة، ولكن بينما بدأ اللقاح الصيني يصل بلدان الشرق الأوسط فإن إفريقيا تصلها وعود دون توقيتات محددة.

يختتم وزير الخارجية الصيني وانغ يي جولته في إفريقيا مطلع هذا الأسبوع دون أن يلتزم بموعد نشر اللقاحات الصينية في القارة السمراء حتى ولو بلقاحٍ واحدٍ ملموس

إذ يختتم وزير الخارجية الصيني وانغ يي جولته في إفريقيا مطلع هذا الأسبوع دون أن يلتزم بموعد نشر اللقاحات الصينية في القارة السمراء حتى ولو بلقاحٍ واحدٍ ملموس، في وقت تتطلع فيه القارة إلى أن تساعد بكين في تحصين سكَّانها من فيروس كورونا المُستجَد، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية. 

دبلوماسية الكمامات واللقاحات تجد أرضاً خصبة في القارة السمراء

في العام الماضي، تفشَّى فيروس كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم، وبدأت الدول الغنية في طلب مخزونات اللقاحات مُسبَّقاً لمواطنيها، فيما تعهَّد الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن اللقاحات الإفريقية "أولوية" بالنسبة لبكين. وجاء هذا الالتزام من جانبه في أعقاب تبرُّعاتٍ كبيرة من الأقنعة الواقية ومستلزمات اختبارات الفحص والمعدَّات الطبية للقارة من جانب بكين وأفرادٍ مثل رجل الأعمال الملياردير الصيني جاك ما. 

والآن، مع تنامي المشاعر السلبية تجاه الصين في الديمقراطيات الغربية بسبب الحروب التجارية وقضايا حقوق الإنسان، يمكن القول إن الحلفاء الأفارقة- الذين يتمتَّعون بحقوق التصويت الحاسمة في الهيئات الدولية الكبرى- أصبحوا يمثِّلون كتلةً أكثر حيوية للصين كي تظل بجانبها، الأمر الذي أصبح يُطلَق عليه دبلوماسية اللقاح. 

إن "دبلوماسية اللقاحات الصينية في إفريقيا" هذه هي استمرار لجهود بكين في تأطير نفسها على أنها الحل- وليس السبب- للوباء، وبدأت من خلال حملة لتوفير أدوات الوقاية من فيروس كورونا أطلق عليها "دبلوماسية الكمامات".

مساعدات صينية إلى إيطاليا في بداية الجائحة/رويترز

ومع ذلك لا تسير دبلوماسية الكمامات واللقاحات الصينية في إفريقيا على ما يرام دوماً.

ففي أغسطس/آب 2020، ظهرت فضيحة فساد بشأن تبرعات جاك ما الطبية في كينيا وتنزانيا. اتهمت لجنة الأخلاقيات ومكافحة الفساد في كينيا هيئة الإمدادات الطبية الكينية ببيع شحنة من المعدات الطبية المخصصة للشعب الكيني إلى عشرات الشركات التنزانية في مارس/آذار. أثارت الفضيحة الشكوك حول قدرة الصين على التعامل مع المؤسسات الفاسدة والتأكد من وصول الإمدادات الطبية- بما في ذلك اللقاحات- وإدارتها إلى أهدافها المقصودة.

تؤكد وسائل الإعلام الصينية أن شبكات التوزيع في إفريقيا راسخة بسبب العلاقات التجارية القائمة. شركة علي بابا، عملاق التجارة الإلكترونية لجاك ما، لها أساس راسخ في القارة؛ أبرمت الشركة مؤخراً صفقة مع الخطوط الجوية الإثيوبية لشحن اللقاحات إلى إفريقيا. 

تسلط وسائل الإعلام الصينية الضوء أيضاً على أن لقاح SinoPharm يمكن نقله في وحدات تبريد خارج الشبكة ميسورة التكلفة- وهي ميزة حقيقية على لقاحات mRNA، والتي يجب تخزينها بين -20 و-70 درجة مئوية. في إفريقيا، تجعل الحرارة المدارية وندرة المجمدات شديدة البرودة – يمكن أن تصل تكلفة الآلات إلى أكثر من 15000 دولار، أي أكثر من خمسة عشر ضعف تكلفة الوحدات خارج الشبكة- مما يجعل من الصعب بشكل خاص توصيل لقاحات mRNA إلى المجتمعات الريفية والجزر النائية.

كما تؤدي الحرارة في إفريقيا ومواسم الأمطار وسوء البنية التحتية للطرق حواجز لوجستية أمام التوزيع، وتعطي ميزة للقاحات الصينية.

الغرب سلم إفريقيا للصين

ونظراً لأن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين قاموا بشراء لقاحات مسبقاً من شركة Pfizer وModerna للاستخدام المحلي، فإن الحكومات الإفريقية ومركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا تضطر إلى إيجاد إمدادات لقاحات بديلة، وتبدو اللقاحات الصينية في إفريقيا هي البديل في ظل صعوبة حصول القارة السمراء على اللقاحات الغربية. 

ولدى الصين الموارد اللازمة للوفاء بتعهُّد رئيسها. وجرت الموافقة على لقاح سينوفارم للاستخدام المحلي، وهناك أربعة لقاحات صينية أخرى مُرشَّحة للمرحلة الثالثة من التجارب السريرية- وهي الخطوة الأخيرة للاختبار من أجل الحصول على الموافقة التنظيمية. وعلى عكس بعض اللقاحات الأخرى، لا يتطلَّب هذا اللقاح التخزين في درجات حرارة منخفضة للغاية، مِمَّا يجعل الشحن أسهل في البلدان النامية. 

وبالفعل تمَّ تطعيم ملايين المواطنين الصينيين، وقُدِّمَت اللقاحات لموظَّفي الشركات المملوكة للدولة في إفريقيا في مراحل تجريبية في وقتٍ مُبكِّرٍ من يونيو/حزيران الماضي، مِمَّا مكَّن المواطنين الصينيين من العمل بأمان في القارة. 

الغريب بالنسبة إلى اللقاحات الصينية في إفريقيا أنه لم تُجرَ أيُّ من تجارب المرحلة الثاثة للصين في إفريقيا جنوب الصحراء، مِمَّا كان من شأنه أن يمنح بعض البلدان إمكانية الوصول المُسبَّق للقاح، رغم إجراء مثل هذه الاختبارات في الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية. 

اللقاحات الصينية في إفريقيا.. وعود بلا مواعيد محددة

متى نرى اللقاحات الصينية في إفريقيا؟.. يبدو هذا السؤال بلا جواب حتى الآن.

فبينما يجري إنشاء ما يشبه الجسر الجوي لنقل اللقاح من شنغن، في جنوب الصين، إلى أديس أبابا في إثيوبيا، ويجري إعداد قدرات التصنيع لإعداد اللقاح في القاهرة، فإن رحلة وانغ لم توضح متى يتوقَّع الأفارقة تلقي اللقاح الصيني، أو ما هي الشروط المرتبطة بذلك. 

قال جيود مور، الزميل البارز في مركز التنمية العالمية ووزير الأشغال العامة الليبيري سابقاً: "الوعود المُتعلِّقة بنشر اللقاحات الصينية في إفريقيا زائفة حقاً. لم يكن هناك جدولٌ زمني، بل وعود فقط". وأضاف: "اليوم، لست على علمٍ بأيِّ دولةٍ إفريقية تتلقَّى اللقاح". 

ولم ترد وزارة الخارجية الصينية على طلبات شبكة CNN الأمريكية للتعليق على خطط بكين لطرح اللقاحاتٍ الصينية في إفريقيا، لكن وسائل الإعلام الحكومية رفضت المزاعم بأن اللقاحات الصينية في إفريقيا ستُستخدَم كـ"ورقة مساومة لتوسيع النفوذ السياسي". 

اللقاحات الصينية في إفريقيا
ليس هناك مواعيد محددة لوصول اللقاحات الصينية إلى الدول الإفريقية/رويترز

واصلت جولة وانغ لنيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوتسوانا وتنزانيا وسيشل تقليداً دام ثلاثة عقود، إذ كان يقوم كبير الدبلوماسيين الصينيين بأول رحلةٍ دولية له كلَّ عام إلى إفريقيا. 

يشير هذا التقليد إلى الأهمية الدبلوماسية لإفريقيا بالنسبة للصين، مع التوقُّف في مناطق مثل جزر سيشل، وهي أرخبيل ذو كثافةٍ سكَّانية محدودة، مِمَّا يثبت أن ما مِن دولةٍ تعتبرها بكين ذات أهمية ضئيلة، ويعمل على إحراج الدول الغربية التي تعمل القارة عادةً في حين تنظر إليها على أنها داخل مدار نفوذها الطبيعي. 

تأسَّسَ بروتوكول إفريقيا أولاً عام 1991، على أساس الأخوة المتبادلة بين الدول المستضعفة، لكن الصين تغيَّرت بشكلٍ كبير منذ ذلك الحين. في العام 2020، أعلنت الصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أنها أنهت الفقر المُدقِع، ونجحت في احتواء الفيروس الذي أصاب أكبر قوة عظمى في العالم، الولايات المتحدة، وطوَّرَت أيضاً بعض اللقاحات الأولى لفيروس كورونا المُستجَد. 

ولم تبلغ البلدان في جميع أنحاء إفريقيا عن عدد الحالات الهائل الذي شُهِدَ في الهند أو الولايات المتحدة، وحتى يوم الخميس 7 يناير/كانون الثاني، أبلغت القارة عن أقل من 70 ألف حالة وفاة، مقارنةً بـ150 ألف حالة في الهند وأكثر من ضعف ذلك في الولايات المتحدة. 

إفريقيا تحتاج اللقاح للخروج من الكارثة الاقتصادية بعدما بدأت بكين تغلق صنبور الأموال

ولدى الدول التي زارها وانغ أعدادٌ منخفضةٌ بشكلٍ خاص من التقارير، ويُحتَمَل أن يكون انخفاض عدد الاختبارات هو السبب في ذلك. لكن هذه الدول شعرت بالآثار الاقتصادية للفيروس بعمقٍ شديد. سقطت الكثير منها في الركود وواجهت أزمة ديون متصاعدة، مِمَّا جَعَلَ دولةً مثل زامبيا أول دولة إفريقية تتخلَّف عن سداد ديونها منذ عقدٍ كامل. وكان حوالي رُبع ديون زامبيا الخارجية، البالغة 12 مليار دولار، مُستحقَّة للصين، التي رفضت تخفيف الديون. 

إن تفاقم مشكلة الديون هو اتجاهٌ مثيرٌ للقلق، ومثيرٌ للتهكُّم إلى حدٍّ ما، فبالنسبة للقادة الأفارقة اختُنِقَت في السنوات الأخيرة خطوط الائتمان القادمة من الصين، والتي بدت من قبل وكأنها تتدفَّق بحريةٍ كاملةٍ تقريباً، وسط انتقاداتٍ متزايدة للإقراض المتهوِّر. ووفقاً لمبادرة أبحاث الصين وإفريقيا، انخفضت القروض الصينية لإفريقيا من 29.4 مليار دولار عام 2016 إلى 8.9 مليار في 2018. 

عنصرية صينية ضد الأفارقة

وتأتي زيارة وانغ أيضاً على خلفية التوتُّرات العرقية الأكثر حِدَّة في إفريقيا والصين منذ عقود، بعد أن أثار التمييز المزعوم المُتعلِّق بفيروس كورونا المُستجَد ضد المواطنين الأفارقة في مدينة غوانزو الصينية غضباً واسع النطاق في جميع أنحاء القارة في إبريل/نيسان الماضي. ونُشِرَ مقطع فيديو بعد ذلك على منصة تويتر يظهر فيه انتقاد سياسي نيجيري للسفير الصيني في نيجيريا بسبب إساءة معاملة الأفارقة في الصين. 

ومع ذلك، لم تكن هناك إلا فرصةٌ ضئيلة لمواجهة وانغ في أيٍّ من هذه النقاط. في نيجيريا، عقد وانغ اجتماعاتٍ مُغلَقة لإنشاء لجنة حكومية دولية. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، أجَّلَ سداد القروض، المُستحقَّ للصين في نهاية 2020 بدون فوائد، رغم أنه لم يكن من الواضح قيمتها. وأثناء وجوده في تنزانيا، أطلقت الصين والمسؤولون المحليون كليةً للتدريب على اللقاحات. والتَزَمَ وانغ في بوتسوانا بتعميق العلاقات الثنائية. وفي جزر سيشل، ناقَشَ استيراد المزيد من الأسماك من الدولة التي دمَّرَها انهيار السياحة. 

وقال مور، الوزير الليبيري السابق، إن الدول الإفريقية بحاجةٍ إلى ممارسة المزيد من الدور في شراء اللقاحات، مع تحمُّل مسؤولية تقديم الطلبات. وإذا كانت البلدان تتوقَّع تسلُّم اللقاحات مجاناً، إما مباشرةً من الصين وإما من خلال برنامج كوفاكس التابع لمنظمة الصحة العالمية لتوفير اللقاحات لمن هم في أمسِّ الحاجة إليها، ذلك البرنامج الذي وقَّعَت عليه الصين، فلن يكون لديهم "نفوذٌ" في المساومة خلال جدول التسليم. 

وتعهَّدَ برنامج كوفاكس بالعمل لتأمين جرعاتٍ كافية لحماية 20% فقط من سكَّان إفريقيا في المرحلة الأوَّلية، مِمَّا يعني أنه سيتعيَّن على الدول الإفريقية النظر في خياراتٍ بديلة، مثل لقاح سبوتنيك الروسي. 

ويتوقَّع جون نكينجاسونغ، مدير المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أن القارة ستحتاج 1.5 مليار جرعة من اللقاح لتطعيم 60% من السكَّان- وهو المستوى المطلوب لتحقيق مناعة القطيع. ووفقاً للمراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، قد يكلِّف شراء اللقاحات وإنشاء أنظمة توصيل ما يصل إلى 10 مليارات دولار. 

تعمل دبلوماسية اللقاحات الصينية في إفريقيا على أن تكون مغامرة عالية المخاطر ومكافأة. إذا أعاد لقاح SinoPharm الإحساس بالحياة الطبيعية في جميع أنحاء إفريقيا فسوف يتم الإشادة بالصين. ومع ذلك إذا ثبت أن اللقاح غير فعال أو أحدث آثاراً صحية غير متوقعة، فقد يتم تقويض صورة الصين المصممة بعناية- صورة تستند إلى مُثُل المصداقية والعمل الخيري.

ولكن إضافة إلى كفاءة اللقاحات الصينية يظل موعد توزيعها والمقابل السياسي الذي ستأخذه الصين، عاملين أساسيين في تحديد احتمالات نجاح دبلوماسية اللقاح الصينية في إفريقيا.

وقد يكون لافتاً إلى أن اللقاح الصيني بدأ يصل إلى بلدان الخليج ومصر وتركيا وهي الدول الأغنى من إفريقيا والأقرب للغرب، وبالتالي هي تمثل أسواقاً أصعب وأكثر ربحية للقاح الصيني، بينما الأسواق الإفريقية تبدو مضمونة للصينيين في ظل فقر القارة وتجاهل الغرب لها.

تحميل المزيد