تبدّلت تحالفات ولي العهد.. ما الأسباب الحقيقية التي دفعت محمد بن سلمان لإنهاء النزاع مع قطر؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/01/09 الساعة 15:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/09 الساعة 17:11 بتوقيت غرينتش
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأمير قطر تميم بن حمد، في قمة العلا في السعودية/ الأناضول

خلال يومٍ هزّت فيه المملكة العربية السعودية أسواق النفط بخفض إنتاجها، في خطوةٍ وصفتها بـ"بادرة حُسن نية"، احتل الحاكم الفعلي للمملكة دائرة الضوء باستعداده لحل مختلف الأزمات. إذ كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من المسؤولين عن الخلاف مع قطر لأكثر من ثلاث سنوات. ولكنهم الآن على بُعد أقل من أسبوعين فقط من تولّي زعيم أمريكي جديد المنصب، وقد وعد الرئيس المنتخب جو بايدن بمعاملة المملكة العربية السعودية على أنها "منبوذة". وإلى جانب تهديدات إيران وضعف الاقتصاد، تحوّلت حسابات ولي العهد، حيث بدت المصالحة أفضل من الصراع.

لذا في يوم الثلاثاء الخامس من يناير/كانون الثاني 2021، بالتزامن مع انتشار الكاميرات في مدينة العُلا، عانق الأمير محمد بن سلمان أمير قطر تميم بن حمد ليُنهي الانقسام ويُظهر نفسه في صورة صانع السلام. وبعد ساعات قليلة، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستخفض إنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل يومياً من أجل دعم الأسعار لصالح الدول المنتجة الأخرى، وهو القرار الذي قال وزير الطاقة إنه جاء بتوجيهٍ من ولي العهد مباشرة، ما أدى إلى ارتفاع أسهم شركات الطاقة الأمريكية.

"محمد بن سلمان يريد ضرب عصفورين بحجر واحد"

وبهذه الخطوات، شدّد الأمير محمد على حضوره العلني بنبرةٍ تصالحية، في الوقت الحالي على الأقل. فمنذ صعود الأمير (35 عاماً) إلى السلطة عام 2015، دخلت أكبر الدول المصدرة للنفط الخام في العالم سلسلةً من المشاريع عالية الخطورة بشكلٍ غير معهود: حربٌ في اليمن، وقطع العلاقات جزئياً مع كندا، وشن حرب أسعار نفط مريرة مع روسيا، والوقوف على شفا حرب تجارية مع تركيا.

ووصف دبلوماسي خليجي، طلب عدم ذكر اسمه لوكالة Bloomberg الأمريكية، في نقاشات السياسات الداخلية السعودية، الأمير محمد بن سلمان بأنه "يُحاول ضرب عصفوري نفوذ بحجرٍ واحد. حيث يسعى لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من إدارة دونالد ترامب الصديقة للسعودية. وقد حدث ذلك بالاعتماد على رغبة المستشار الخاص جاريد كوشنر -الذي حضر القمة- لتصوير نفسه في مظهر صانع السلام. إلى جانب وضع نفسه في مكانة الزعيم الذي لن يستطيع بايدن تجاهله أو معاداته، خاصةً مع ظهوره بمظهرٍ بنّاء".

بينما قالت كارين يونغ، الباحثة المقيمة في معهد American Enterprise Institute بواشنطن العاصمة: "إنها محاولةٌ منه لتبنّي دور قيادي، ومحاولة تحقيق أفضلية دبلوماسية مع إدارة بايدن المقبلة، وتنبع من إدراك أن السنوات الأربع الماضية ربما سمحت بمغامرات أكثر من اللازم على صعيد السياسة الخارجية".

صراعات مُكلّفة للمملكة العربية السعودية

لا تقتصر دوافع النغمة الجديدة على بايدن بالطبع، إذ تغيّر أساليب الأمير محمد بن سلمان إجمالاً. إذ تُواجه خطته لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط إخفاقات كبيرة، كما تعرّضت سمعة المملكة لتراجعٍ كبير بعد سلسلةٍ من الفضائح. إذ زادت جائحة فيروس كورونا من إلحاح التحديات القائمة محلياً.

وفي قمة يوم الثلاثاء، غاب الملك سلمان وكان ابنه الأمير محمد هو النجم. وعكس تجهيزات القمة طموح الأمير بتسليط الضوء على خطته لتحول العلا إلى وجهة سياحة عالمية. وبعد الاجتماعات، اصطحب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في جولة داخل سيارة ليكزس بيضاء قادها الأمير محمد بنفسه.

ولم يكُن أحدٌ ليتخيّل هذا المشهد قبل بضع سنوات، حين اعتاد أقرب مستشاري الأمير على انتقاد قطر. إذ اتّهمت السعودية وحلفاؤها الدولة الخليجية الثرية "بالتدخل في شؤونهم الداخلية، ودعم الإرهاب، واستغلال قنواتها الإعلامية المؤثرة كأسلحة دعاية ضد الجيران"، حسب تعبيرهم، وهي التهم التي أنكرتها وواجهتها الدوحة.

النفوذ الإقليمي والعالمي للسعودية

يقول هشام الغنام، العالم السياسي وزميل الأبحاث البارز في Gulf Research Center، إن الديناميات الإقليمية كانت أساسية في الدفع إلى إصلاح العلاقات. وقال بايدن إنه سيتطلّع إلى إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب، وهو التناول الذي تترقّبه السعودية بخوف، وزوّدها بحافزٍ إضافي لإصلاح العلاقات مع الجيران العرب.

وكان خفض الإنتاج بمثابة دليلٍ آخر على النفوذ الإقليمي والعالمي للمملكة. وقال وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الأخ الأكبر غير الشقيق لولي العهد، إنّ ذلك يُظهر دور السعودية في قيادة عالم النفط ومساعدة الدول الأخرى التي تُعاني من انخفاض أسعار النفط -مثل العراق.

لكن حتى تلك الخطوة سلطت الضوء على التغيير في السياسة النفطية للمملكة خلال عهد الملك سلمان والأمير محمد. وبعد عقود من الافتخار بوضع النفط في مكانة أهم من السياسات، صار الديوان الملكي أكثر تدخلاً، وصارت مؤامرات الطاقة أكثر تسييساً.

ومن أجل ذلك، وصف الأمير عبدالعزيز خفض الإنتاج بأنّه خطوة "سيادية سياسية" وليس خطوة "تقنية". وهي خطوةٌ مُكلّفة أيضاً. فوفقاً للأسعار الحالية، ستتكبّد المملكة ثلاثة مليارات دولار شهرياً من عائدات النفط المفقودة، وفقاً لحسابات وكالة Bloomberg الأمريكية، رغم أن الرقم الحقيقي قد يكون أصغر بنهاية المطاف.

تحميل المزيد