كشفت الحرب الأخيرة التي وقعت بين أذربيجان وأرمينيا، بسبب إقليم ناغورنو قره باغ، قوة الطائرات دون طيار التركية التي غيّرت مسار المعركة لصالح أذربيجان، لكنها في نفس الوقت أظهرت مدى قوة أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-300 التي كان يُنظر لها بعين السخط خلال الفترة الماضية بسبب ظهور تقنيات أكثر حداثة مثل نظام باتريوت الأمريكي أو S-400 الروسي.
بعد أكثر من أربعة عقود من طرحه، لا يزال S-300 أحد أقوى أنظمة الدفاع الصاروخي في العالم، بحسب تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
متى ظهرت هذه التقنية؟
في المراحل الأخيرة من الحرب الباردة، أصبح الجيش السوفييتي مهتماً بصورةٍ متزايدة بأنظمة S-25 Berkut وS-75 Dvina القديمة لمواجهة تقدُّم حلف شمال الأطلسي في صواريخ كروز. كُلِّفَت شركة NPO Almaz السوفييتية، الرائدة في صناعة الدفاع والتي أصبحت في ما بعد Almaz-Antey وصمَّمَت نظام S-400 بعد ثلاثة عقود تقريباً، بتطوير الجيل التالي من أنظمة الدفاع الجوي السوفييتية.
شاركت العديد من الشركات السوفييتية الأخرى في الحصول على مجموعةٍ واسعة من مُكوِّنات S-300. ولم يكن الهدف الرئيسي هو مجرد رفع الأداء القتالي في جميع المجالات، بل تقليل وقت نشر السلاح وإعادة نشره بشكلٍ كبير. وبالمثل، تندرج أنظمة S-300 ضمن مبادرة سوفييتية لتبسيط الدفاع الجوية العسكرية عبر الأرض والبحرية وقوات الدفاع الجوي.
دخل S-300P الخدمة في عام 1978، وضمَّ عدداً كبيراً من التقنيات المبتكرة وميزات الأداء وقتذاك. وصُمِّمَ S-300P بشكلٍ أساسي كحل دفاع جوي للمباني والمواقع الاستراتيجية الثابتة، وكان قادراً على تتبُّع أهداف واستهدافها في وقتٍ واحد. ومن بعد S-300P، جاءت صواريخ S-300F وS-300V التي تتمركز على السفن للقوات البرية السوفييتية. وفي الوقت نفسه، وبسرعة شديدة، أُجرِيَت على الإصدار الأساسي S-300P سلسلةٌ من الترقيات التي أبرزت إمكاناتها الهائلة. قدَّمَت S-300PS صواريخ 5V55R الأسرع من الصوت، مع مدى اشتباك يصل إلى 90 كيلومتراً. وأضاف متغيِّر S-300PMU لاحقاً مزيداً من التحسينات، ما رَفَعَ نطاق الاشتباك الأقصى إلى 150 كليومتراً، وأصبحت الصواريخ قادرةً أيضاً على استهداف ما يصل إلى 6 أهداف في وقتٍ واحد.
ما هي إمكانات هذه الصواريخ؟
يمكن للصاروخ 48N6، الذي طُرِحَ عام 1993، الاشتباك مع أهدافٍ تتحرَّك بسرعةٍ تصل إلى 10 آلاف كيلومتر في الساعة، ويتميَّز برأسٍ حربي أكبر قليلاً يصل إلى 150 كيلوغراماً.
صُمِّمَت صواريخ S-300 كمنصةٍ معيارية جزئياً، مع نماذج مختلفة قادرة على العمل جنباً إلى جنبٍ من خلال التوجيه المركزي بواسطة مركز متنقِّل قريب. ويمكن أيضاً دمج طرازات S-300 اللاحقة، مثل S-300PMU1 مع نظام الدفاع الجوي الصاروخي الروسي الرائد الحالي S-400. أما أحدث طرازات S-300 وأكثرها تقدُّماً، فهي S-300VM وS-300V4، وهي توفِّر مركبة قيادة جديدة، والمزيد من خيارات الرادار، والتوافق مع الصواريخ الأحدث والأكفأ من عائلة 9M الواسعة.
من الأقوى.. الأمريكي أم الروسي؟
في حين أن صاروخ S-300 وعشرات المتغيِّرات الخاصة به تُقارَن بشكلٍ إيجابي مع نظيراتها الأمريكية Patriot PAC-2 وPAC-3 على الورق، لا تتمتَّع بتاريخ خدمة واسع النطاق. جاء كلُّ ما نعرفه تقريباً عن أداء S-300 من بيانات اختبارات منذ وقتٍ قريب.
واحتلَّت أنظمة S-300 وأنظمة الدفاع الجوي الأخرى مكانةً بارزةً في حرب ناغورنو قره باغ الثانية عام 2020. وزعمت القوات الأذربيجانية عدة مرات خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول أنها ضربت بنجاح موقع S-300 الأرمينية، وزعمت أنها دمَّرت ما يصل إلى 6 من الأنظمة الجوية طوال الحرب. وذكرت أذربيجان أيضاً أن إحدى أنظمتها الـS-300PMU2 أسقطت بالفعل مقاتلتي Su-25 أرمينيَّتين. ومن جانبها، تدَّعي أرمينيا أن وحداتها من طراز S-300 أسقطت عدة طائرات مُسيَّرة أذربيجانية.