أُسدل الستار على الأزمة، وتَوج مشهد العناق الحار بين ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد قصة المصالحة الخليجية، فكيف لعبت الظروف الإقليمية والدولية دور البطولة في الوصول إلى قمة العلا؟
متى بدأ حديث المصالحة؟
المحادثات التي أدت إلى اتفاق كسر الحصار المفروض على قطر من جانب الرباعي السعودية والإمارات والبحرين ومصر كانت قد بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي، وفقاً لشخص على دراية بالمفاوضات تحدث لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
في ذلك الوقت كانت القيادة السعودية قد سئمت الخلاف مع قطر، بعد أن ثبت أنه غير مجدٍ ومكلف في الوقت نفسه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب قد غيّر رأيه بشأن جدوى الحصار المفروض على قطر، والذي كان موافقاً عليه في البداية.
ومع تطور الأمور، وعندما أصبح من الواضح أن جو بايدن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كثفت السعودية ضغوطها بقوة من أجل إتمام اتفاق في نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب المصدر، وشارك مفاوضون من إدارة ترامب في محاولات إقناع الإماراتيين الأكثر تردداً والبحرينيين والمصريين.
النقطة الثانية التي ذكرتها الصحيفة في تقريرها تتعلق بأن المملكة وحلفاءها كانوا يواجهون قدراً كبيراً من الارتياب حيال ما قد تحمله لهم رئاسة بايدن، في ظل انتقاداته العلنية للرياض بسبب الحرب في اليمن وبسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما جعل الأمر أشد إلحاحاً لتوحيد الصفوف والتحدث بصوت واحد في قضايا مثل المفاوضات النووية المحتملة لإدارة بايدن مع إيران، بحسب ما قاله وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش لشبكة CNN، مساء الثلاثاء 5 يناير/كانون الثاني 2021.
ويقول محللون آخرون إن السعوديين بإبرامهم هذا الاتفاق قبل تولي بايدن منصبه منحوا ترامب نوعاً من الانتصار الدبلوماسي في أيامه الأخيرة في السلطة.
جذور الأزمة
كانت الدول الأربع قد فرضت حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على قطر، في يونيو/حزيران 2017، بعد مزاعم واتهامات لحكامها بدعم الإرهاب والإسلاميين في المنطقة، إضافة إلى التقارب مع إيران. لكن قطر نفت أي اتهامات بتمويل الإرهاب، وأشارت إلى أنه من غير المعقول قطع العلاقات مع طهران، وهي شريك تجاري رئيسي عبر الخليج العربي، حيث يشترك البلدان في حقل غاز طبيعي بحري بالغ الأهمية.
ووضعت الدول الأربع 13 شرطاً، قالوا إنه على الدوحة أن تنفذها إن أرادت رفع الحصار، أبرزها إغلاق قناة الجزيرة، وقطع العلاقات مع إيران، ووقف التمويل المباشر وغير المباشر لجماعة الإخوان المسلمين، وتفكيك القاعدة العسكرية التركية على أراضيها.
ثم جاء بيان قمة العلا في السعودية، الثلاثاء 5 يناير/كانون الثاني 2021، الذي أنهى الأزمة وأعلن عن إتمام المصالحة الخليجية، خالياً من أي تطرق للشروط، وتوجّه في المقابل لتعهدات عامة لكل دولة باحترام سيادة الدول الأخرى وسياساتها الخارجية، وامتناع كل دولة عن التدخل في الشؤون الداخلية لغيرها من دول الاتفاق.
وقال الشخص المطلع على الاتفاق للصحيفة الأمريكية، إن قطر لم تقدم سوى القليل من طرفها، إذ وافقت على إسقاط الدعاوى القضائية الدولية التي رفعتها ضد الدول الأخرى بعد الحصار.
كيف قدمت السعودية اتفاق المصالحة؟
من جانبه، قدم ولي العهد السعودي الاتفاقيةَ على أنها وسيلة للتقدم كجبهة موحدة ضد إيران، كما أكد في بيانه بشأن الاتفاق: "على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي والإسلامي، وتعزيز أواصر الود والتآخي بين الدول والشعوب"، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
ومع ذلك، فقد أقر محللون سياسيون مقربون من حكام الإمارات بأن المقاطعة التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة قد فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة الأشمل، وعلى رأسها إبعاد قطر عن إيران وتركيا، وإجبارها على كبح جماح شبكة الجزيرة، التي لا تزال تغطيتها الانتقادية للحكومات العربية شوكةً مؤلمة لكثير من جيران قطر.
ومن جهة أخرى، يجادل عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي البارز والمقرب من دوائر الحكم في الإمارات، بأن حكام الخليج لم يتوقعوا إجبار قطر على تغيير نهجها بالكامل في إدارة الأمور، وقال إنهم تمكنوا على الأقل من بيان استيائهم من القطريين وأسبابه.
غير أن واقع الأمر أن دول المقاطعة لم تقترب حتى من إدخال قطر في حالة من الشلل، إذ رغم معاناتها من تداعيات الحصار، تمكنت قطر من الاستناد إلى ثروتها الهائلة من الغاز الطبيعي لجعل اقتصادها أكثر اكتفاءً ذاتياً، وبناء علاقات تجارية جديدة. وفي النهاية سئم كلا الجانبين عبء وتكلفة المقاطعة، وربما كان كلاهما مستعداً منذ بعض الوقت للتراجع عن النزاع، بحسب ما يقول عبدالخالق عبدالله.
كيف ترى الإمارات اتفاق المصالحة؟
عبد الله أشار، بحسب نيويورك تايمز، إلى أن المقاطعة "لم تؤثر حقاً على قطر بطريقة أو بأخرى، وبهذا المعنى فقط تشعر بأنها قد فازت"، إلا أنه أضاف أن قطر، مع ذلك، تقول لنفسها: "حسناً، علينا أيضاً أن نحدَّ من خسائرنا، لأننا في الواقع لا نريد أن نظل في وضع الدولة المارقة أو المنبوذة على نحو دائم".
وكان عبدالله نفسه قد نشر تغريدة قبل شهر قال فيها: "لن يتحرك قطار المصالحة الخليجية ملليمتراً واحداً بدون علم وبدون موافقة وبدون مباركة الإمارات المسبقة"، وأثارت تغريدته تلك عاصفة من الانتقادات من جانب إعلاميين ومؤثرين ومواطنين سعوديين عبر تويتر، فقام لاحقاً بحذفها وغرّد قائلاً "لأنها أثارت الكثير من الجدل واللغط فقط تم حذفها".
وبالعودة إلى الموقف الأمريكي، فإن ترامب كان قد أشاد في البداية بالحصار باعتباره ضربةً موجهة للإرهاب، لكن الانقسام الإقليمي أدى إلى تصدع اعتماد دول المقاطعة على بعضها، وترك الولايات المتحدة عالقةً بين حلفاء تعتمد عليهم في استيراد النفط وارتكاز قواعدها العسكرية، وفي الوقت نفسه وقفت المقاطعة في طريق محاولات ترامب لعزل إيران على نحو أشد.
إذ عندما أصبحت قطر محاصرة جوياً، فإنها لجأت إلى دفع ما يقدر بنحو 100 مليون دولار سنوياً لتوجيه طائراتها عبر المجال الجوي الإيراني، وهي أموال سعت الولايات المتحدة سعياً حثيثاً إلى توقيفها لحرمان طهران من مصدر خلفي للنقد، في وقت كانت إدارة ترامب تفرض فيه عقوبات اقتصادية صارمة على إيران.
وبالتالي عندما بات موقف إدارة ترامب أقرب إلى معارضة الحصار، فإن الإدارة لم يكن لديها الكثير من الحظ في محاولاتها لحل الأزمة، لكن خلال الأشهر الأخيرة للإدارة، ألزم المسؤولون أنفسهم بإيجاد حلٍّ، على أمل إحداث انقلاب دبلوماسي آخر وممارسة المزيد من الضغط على إيران.
وهكذا، التقى جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، بقادة قطر والسعودية خلال الأشهر الأخيرة، وعمل حتى الصباح الباكر من يوم الإثنين 4 يناير/كانون الثاني 2021، لدفع الجانبين إلى تجاوز أي عقبات تبرز في اللحظات الأخيرة أمام الصفقة، بحسب مسؤول كبير في الإدارة تحدث لنيويورك تايمز.
والواضح هنا أن المصالحة تمت بالفعل بين قطر والسعودية، وانعكس ذلك في مشهد الاستقبال الحار من ولي العهد لأمير قطر، ولكن رغم توقيع الإمارات والبحرين ومصر (التي مثلها وزير الخارجية سامح شكري) على بيان إتمام المصالحة، لا يزال الإعلام الرسمي في القاهرة وأبوظبي وحتى المسؤولون يتحدثون بنوع من التحفظ بشأن المصالحة. وأشار قرقاش، وزير الخارجية الإماراتي، إلى ذلك بقوله إن "إعادة بناء الثقة" عمليةً تستغرق وقتاً.
ويرى بعض المراقبين أن ما تم في قمة العلا ربما يؤدي إلى تقارب أكبر بين الدوحة والرياض على المدى القصير، وهو ما قد ينتج عنه لعب قطر دور الوساطة بين السعودية وتركيا، لتقريب وجهات النظر بين البلدين، وهو ما قد يمثل تغيّراً ملموساً في المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط.
ولا شكَّ أن مشهد العناق الحار بين الشيخ تميم أمير قطر وولي العهد السعودي لدى وصول الأول إلى مقر القمة ربما يمثل أهم لقطات القمة الخليجية، وفي المقابل فإن غياب ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن الحضور، ربما يكون مؤشراً على عدم الرضا في العاصمتين، على عكس المشهد في الرياض والدوحة.