مع انعقاد القمة الخليجية في العلا بالسعودية بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي استقبله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحرارة في المطار تدشيناً للمصالحة بين البلدين، يثار تساؤل جوهري حول مصير المطالب الثلاثة عشر التي قدمت لقطر عند فرض الحصار عليها من قبل الدول العربية الأربع.
وكانت الدول الأربع السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد فرضت حصاراً على قطر في 5 يونيو/حزيران 2017، وبعدها أعلنت عن مطالبها الثلاثة عشر لفك هذا الحصار، التي اعتبرتها قطر مساساً بسيادتها.
فما هي هذه المطالب الثلاثة عشر، وما مصيرها بعد المصالحة السعودية القطرية، وهل المصالحة تشمل الدول الثلاث الأخرى الإمارات والبحرين ومصر.
ما هي المطالب الثلاثة عشر التي وضعتها دول الحصار (يونيو/حزيران 2017)
1 – خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق الملحقيات، والاقتصار على التعاون التجاري بين البلدين بما لا يخالف العقوبات الدولية المفروضة على إيران (علماً بأن الإمارات تحديداً لديها علاقات سياسية مع طهران إضافة إلى تنسيق في المجال العسكري وعلاقات اقتصادية ضخمة).
2- الإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية، ووقف أي تعاون عسكري معها في الأراضي القطرية (علماً بأن هذه القاعدة قد أنشئت بعد بدء الحصار ولمحاولة منع أي اعتداء عسكري من دول الحصار).
3- إعلان قطع العلاقات مع كل ما وصفته الدول الثلاث بالتنظيمات الإرهابية والطائفية والأيديولوجية وعلى رأسها (الإخوان المسلمين – داعش – القاعدة – جماعة جبهة فتح الشام – حزب الله).
علماً بأن الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي عُين في منصب وزير الدفاع من قبل الرئيس المعزول محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان للمنصب، وقد ألقى اليمين الدستوري أمام مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان، كما أن الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية استقبل عقب توليه الحكم الشيخ يوسف القرضاوي الذي ينظر له على أنه المرجعية الدينية لجماعة الإخوان المسلمين.
4- إيقاف جميع أشكال التمويل القطري لما يوصف بالكيانات أو المنظمات الإرهابية المتطرفة وكذلك المدرجة في قائمة المنظمات الإرهابية في الدول الأربع (وهي قائمة مسيسة تضم أسماء وتنظيمات معارضة لا تعتبرها بقية دول العالم إرهابية).
5- قيام قطر بتسليم ما وصفته دول الحصار بـ"كافة العناصر الإرهابية المدرجة والعناصر المطلوبة لدى الرباعي" والتحفظ عليهم وعلى ممتلكاتهم لحين التسليم، وتقديم المعلومات المطلوبة عن هذه العناصر.
6 – إغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية.
7- وقف ما تصفه دول الحصار بالتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول ومصالحها الخارجية، ومنع تجنيس أي مواطن يحمل جنسية هذه الدول، وإعادة من تم تجنيسهم، وقطع العلاقات مع العناصر المعارضة لهذه الدول.
8- التعويض عن الضحايا والخسائر كافة للرباعي بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، حسب وصف دول الحصار.
9- التزام قطر بالانسجام مع محيطها الخليجي والعربي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وتفعيل اتفاق الرياض لعام 2013 واتفاق الرياض التكميلي 2014 (علماً بأن أغلب الدول العربية ودول الخليج الأخرى لم تؤيد مواقف دول الحصار، وبعضها يشارك في الحكم بها قوى محسوبة على الإخوان ولديها علاقات مع إيران وتركيا).
10 – تسليم المعلومات عن المعارضين الذين دعمتهم قطر وأنواع هذا الدعم.
11- إغلاق وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر وغير مباشر.
12- الموافقة على هذه الطلبات خلال 10 أيام وإلا تعتبر لاغية.
13- أي اتفاق سوف يتضمن أهدافاً وآلية واضحة، وأن يتم إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى، ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية، ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات.
ولكن بعد إعلان هذه المطالب الثلاثة عشر التي بدت شديدة الفجاجة، في انتهاكها لسيادة قطر، ومع تحرك الدوحة للتغلب على الحصار وتعزيز تحالفها مع تركيا، ظهرت في يوليو/تموز 2017، أي بعد شهر من المقاطعة، ما يعرف بالمبادئ الستة التي جاءت أخف حدة وتتسم بالعمومية من المطالب الثلاثة عشر.
المبادئ الستة (يوليو/تموز 2017)
1- الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة.
2- إيقاف أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف.
3- الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014 في إطار مجلس التعاون الخليجي.
4- الالتزام بمخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في الرياض في مايو/أيار 2017 .
5- الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو دعم الكيانات الخارجة عن القانون.
6- الإقرار بمسؤولية دول المجتمع الدولي في مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب بوصفها تمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
تهدئة إماراتية على مضض
حتى قبل الحديث عن محاولات الإدارة الأمريكية في أيامها الأخيرة تحقيق مصالحة خليجية أو بالأحرى مصالحة سعودية قطرية، كانت المطالب الثلاثة عشر بمثابة أمر تم تخطيه، وهو ما عبر عنه صدور ما يعرف بالمبادئ الستة.
ولكن اللافت أنه حتى الإمارات الطرف الأكثر تعنتاً في المصالحة، بدا أنها تحاول تجاوز هذه المطالب الثلاثة عشر.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2020، أثارت تغريدة للمحلل السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله جدلاً واسعاً، دفعته إلى حذفها في النهاية.
وقال عبدالله في تغريدته: "لن يتحرك قطار المصالحة الخليجية مليمتراً واحداً بدون علم وبدون موافقة وبدون مباركة الإمارات المسبقة".
وبنبرة هادئة مغايرة عن تغريداته السابقة، قال المحلل السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله إن الشروط الـ13 التي قدمتها دول المقاطعة والتي استبدلتها بستة مبادئ كانت "مؤقتة ولحظية وانتهت فعاليتها وصلاحيتها".
وقال عبدالله في حديث لموقع "الحرة" الأمريكي إنه لا توجد شروط أو مطالب معينة في الوقت الحالي "فقط مجموعة من المبادئ تلتزم بها قطر".
وأضاف "المطلوب الآن الحد من الأضرار التي ترتبت على المقاطعة وتجاوزها، لأن هذا النزاع أخرج أسوأ ما فينا".
وتابع "الجميع تضرر من المقاطعة، وبالتالي قطر ودول الرباعي مستعدة للتوصل إلى تفاهمات"، مشيراً إلى أن "ما تقبل به السعودية ستقبل به الإمارات ومصر والبحرين".
هل تم تنفيذ المطالب الثلاثة عشر؟
يرجح المحلل السياسي المصري عمرو الشوبكي أن تركز القاهرة على شرط التوقف عن دعم جماعة الإخوان المسلمين، واصفاً إياها بـ"القضية المحورية" في المصالحة، الأمر الذي سيلزم أعضاء الجماعة الذين تستضيفهم قطر منذ المظاهرات الضخمة التي أطاحت بحكم الإخوان في مصر، في يوليو/تموز 2013، بالتوقف عن الاستهداف الإعلامي للقاهرة.
ولا يعتقد نبيل نويرة، المحلل المختص في السياسة والعوامل الجيوسياسية بمنطقة الخليج، أن تكون المطالب الـ13 أو المبادئ الستة المطروحة منذ بداية الأزمة "محور التركيز في المفاوضات" التي أفضت للمصالحة ومشاركة أمير قطر في القمة الخليجية.
كما استبعد في تصريح لموقع "الحرة" الأمريكي أن تنفذ قطر أي مطلب من الشروط الـ13، التي سبق وقال عنها وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، إنها "غير قابلة للتفاوض".
لكن نويرة أضاف أنه ربما يكون هناك بعض التفاهمات بشأن الجانب الإعلامي، "وقد نرى تخفيفاً لنقد قناة الجزيرة الموجه للسعودية بشكل خاص".
ووصف المحلل المطالب الموضوعة في بداية الأزمة بـ"غير الواقعية"، قائلاً إنها "كانت طموحة للغاية لوضع أكبر ضغط على قطر في حينها".
"لكن مع تمكن قطر من مقاومة هذه الضغوط، أصبحت تلك المطالب بالصورة الموضوعة غير واقعية، فلن تُغلق الجزيرة أو القاعدة العسكرية التركية في قطر أو غيرهما"، حسبما يقول نويرة.
وفيما يتعلق بالمبادئ الستة قال نويرة: "هي مبادئ عامة جداً، بل وتزعم قطر أن لا شأن لها بها. فالدوحة تدعي، كما هو حال الدول الأخرى، بمكافحة الإرهاب وتمويله. كما أنها لا تقوم بأعمال التحريض ونشر الكراهية بحسب وجهة نظرها".
التنازل الذي قدمته قطر هو التخلي عن مطالبات بالتعويض بقيمة 5 مليارات دولار
ونقلت صحيفة Washington Post الأمريكية عن مسؤول في إدارة ترامب مطلع على كواليس مفاوضات اتفاق المصالحة الخليجية قوله إن رباعي دول الحصار قد وافقوا على التخلي عن قائمة الـ13 شرطاً، التي قدموها لقطر في بداية الأزمة عام 2017، والتي كان من بين ما تضمنته إغلاق قناة "الجزيرة" وتقليص تعاون قطر مع إيران.
وفي المقابل، وافقت قطر على تجميد الدعاوى القضائية التي رفعتها الدوحة ضد دول الحصار، سواء الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، وحتى في مؤسسات أخرى.
وفي يوليو/تموز 2020، قالت الخطوط الجوية القطرية، على موقعها الإلكتروني، إنها رفعت أربعة طلبات أمام التحكيم الاستثماري الدولي تطلب فيها تعويضاً قدره 5 مليارات دولار من الدول الأربع، بسبب إجراءات المقاطعة التي تفرضها هذه الدول على الدوحة منذ 2017.
وأصبحت الدول الأربع التي تحاصر قطر جواً في مأزق قانوني بعد الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الذي يسمح للدوحة بالاستمرار في التقدم بشكواها في منظمة الطيران المدني الدولية بسبب الحصار المفروض على الخطوط الجوية القطرية.
كانت قطر قد رفعت شكوى إلى منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)، قالت فيها إن الدول الأربع انتهكت حقوقها في حرية المرور بموجب اتفاقية الطيران المدني لعام 1944.
لكن الدول الأربع رفعت القضية إلى محكمة العدل الدولية في محاولة لإثبات عدم اختصاص منظمة الطيران المدني الدولي، وأن محكمة العدل الدولية هي وحدها التي يجب أن تكون لديها السلطة لتسوية النزاع؛ لأنها تتجاوز مسائل الطيران.
غير أن محكمة العدل الدولية رفضت الاستئناف، ورأت أن الأمر يقع في نطاق اختصاص (الإيكاو)، الأمر الذي يعني أن منظمة الطيران المدني الدولي ستنظر القضية.
وعقب حكم محكمة العدل الدولية في يوليو/تموز 2020، تقدمت الخطوط الجوية القطرية، بأربعة طلبات للتحكيم الدولي في منازعات الاستثمار ضد كل من الإمارات والبحرين والسعودية ومصر، بسبب فرضها حصاراً على طيرانها مطالبة بتعويض قدره 5 مليارات دولار، وطلبت تعيين محكمين دوليين للنظر في القضية طبقاً لقواعد منظمة الطيران المدني الدولي، التي تتضمن أن يعين كل من طرفي النزاع محكماً من قبله.
مصالحة أم تهدئة؟
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤول رفيع في إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الاتفاق الذي ستشهده محافظة العلا السعودية لا يعني أن قطر والرباعي العربي سيكونان أفضل أصدقاء، لكنه يسمح بأن يعملا معاً.
وما زال من المبكر الحكم على هذه المصالحة، وما هي شروطها، وأطرافها.
ولكن المؤشرات الأولية توحي بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بالأساس بين الدوحة والرياض ليس مُرضياً للقاهرة وأبوظبي، فكلتاهما كانت تضع قطع قطر علاقاتها مع جماعات الإسلام السياسي وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين شرطاً أساسياً رفضته قطر، لأنه يمثل تعدياً على سيادتها، مما يفتح الباب أمام تغييرات قد تحدث في العلاقات بين مصر والإمارات من جانب والسعودية من جانب آخر، بحسب بعض المحللين.
وقد يكون ما حدث هو مصالحة سعودية قطرية مع تهدئة بين الدوحة والدول الثلاث مصر والإمارات والبحرين.