بعد ثلاث سنوات ونصف من الحصار الرباعي على قطر، يبدو أن المصالحة الخليجية قد أصبحت أمراً شبه واقع من خلال قمة العلا في المملكة العربية السعودية اليوم الثلاثاء 5 يناير/كانون الثاني، فكيف قد تؤثر تلك اللحظة التاريخية على الشرق الأوسط ككل وليس فقط منطقة الخليج؟
قمة المصالحة الخليجية لحظة تاريخية
بعد الإعلان عن اتفاق السعودية وقطر على إعادة فتح الحدود والأجواء بينهما، عشية القمة الخليجية رقم 41 التي تنعقد في محافظة العلا السعودية، ووصول أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بالفعل إلى مقر القمة واستقباله من جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يبدو أن الإعلان الرسمي عن إتمام المصالحة الخليجية يسير في طريقه المتوقع.
وجاء الإعلان من جانب وزير خارجية الكويت أحمد ناصر الصباح تتويجاً لجهود الوساطة التي استمرت على مدى أكثر من 3 سنوات، وتمهيد الطريق لمصالحة خليجية شاملة، بإعلانها اتفاق السعودية وقطر على إعادة فتح الحدود والأجواء بينهما، عشية القمة.
وأعلن الصباح أنه تم الاتفاق على إعادة فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين السعودية وقطر، اعتباراً من "مساء الإثنين"، مشدداً على أنه تم الاتفاق أيضاً على معالجة كافة المواضيع ذات الصلة، في إشارة إلى تداعيات الأزمة الخليجية، دون التطرق لمزيد من التفاصيل.
ورجحت أوساط سياسية عربية ودولية أن تشهد القمة توقيعاً بالأحرف الأولى على وثيقة مبادئ لإرساء أسس جديدة لمصالحة قطرية مع دول المقاطعة، وهو ما يجعل من تلك القمة الخليجية لحظة تاريخية هامة من المتوقع أن يكون لها تأثير مباشر على الشرق الأوسط ككل وليس منطقة الخليج فقط.
وألقى تقرير لمجلة فوربس الأمريكية الضوء على التداعيات السلبية التي نتجت عن فرض الحصار على قطر من جانب الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والبحرين ومعها مصر قبل نحو ثلاث سنوات ونصف، ورصد التغييرات الكبيرة المتوقع أن تشهدها موازين القوة في الشرق الأوسط نتيجة للمصالحة الخليجية.
إذ أدى فرض الحصار على قطر إلى حدوث تغيير درامي في الشرق الأوسط، صب بشكل واضح في مصلحة إيران بالأساس سواء اقتصادياً أو سياسياً، رغم أن الهدف الذي أعلنته دول الحصار كان العكس تماماً، وبالتالي فإن الحصار لم يؤدّ لتحقيق النتيجة التي أرادتها الدول الأربع، ومع الوقت تعايشت قطر من جانب ودول الحصار من جانب آخر مع تبعات الحصار.
لكن عكس تلك التطورات التي نجمت عن الحصار لن يحدث بالصورة المفاجئة والسريعة ذاتها التي حدث بها الحصار، بمعنى أن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين الدول الخمس ستكون تدريجية وقد تتفاوت من دولة لأخرى، وعلى نفس النمط ستكون التغييرات المتوقع حدوثها على المنطقة بشكل عام. وبالتالي من غير المتوقع أن تتحقق التغييرات المنتظرة في الشرق الأوسط على الفور.
توقيت المصالحة الخليجية
يرى محللون غربيون أن هناك عوامل أثرت في نجاح الوساطة الكويتية والأمريكية، أولها وجود إدارة أمريكية جديدة تستعد لدخول البيت الأبيض خلال أسبوعين. وأرادت إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أن تكثف من جهود الوساطة الآن، رغم أن الكويت لعبت دور الوساطة الأساسي، والجهود الأمريكية قادها جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره.
والعامل الثاني هو إيران وارتفاع وتيرة التوتر بينها وبين الولايات المتحدة في أعقاب اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو ما زاد من مخاوف إقدام طهران على توجيه ضربات عسكرية تزعزع استقرار منطقة الخليج، خصوصاً أن رفض التصرفات الإيرانية المزعزعة للخليج هو أمر مشترك بين جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي ضوء قرب تولي إدارة بايدن المسؤولية في البيت الأبيض والحديث عن العودة للاتفاق النووي الإيراني، يصبح مجلس التعاون الخليجي الموحد والمتصالح بكامل أعضائه في موقف أكثر قوة كي يضمن عدم تكرار تجربة الاتفاق النووي الموقع 2015 مع طهران دون إدراج برنامج إيران الصاروخي وتدخلها في شؤون الدول العربية من خلال ميليشياتها في تلك الدول.
كيف ستؤثر المصالحة على الشرق الأوسط؟
لا يزال الوقت مبكراً حتى تتضح تأثيرات المصالحة الخليجية على العلاقات بين دول الشرق الأوسط بشكل عام، و ويرى بعض المحللين أن المصالحة على الأرجح ستؤدي إلى تغيير تدريجي في التحالفات الحالية التي يراها البعض في إطار محور قطري-تركي في مواجهة محور سعودي-إماراتي-مصري، لكن يظل الطريق طويلاً وغير مؤكد حتى الوصول إلى محور خليجي-عربي متحد يجمع دول الخليج ومعها مصر في مواجهة إيران أو حتى تركيا، بحسب تقرير فوربس.
ونقلت صحيفة Washington Post الأمريكية عن مسؤول في إدارة ترامب مطلع على كواليس مفاوضات اتفاق المصالحة الخليجية قوله إن رباعي دول الحصار قد وافقوا على التخلي عن قائمة الـ13 شرطاً، التي قدموها لقطر في بداية الأزمة عام 2017، والتي كان من بين ما تضمنته إغلاق قناة "الجزيرة" وتقليص تعاون قطر مع إيران. وفي المقابل، وافقت قطر على تجميد الدعاوى القضائية التي رفعتها الدوحة ضد دول الحصار، سواء الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، وحتى في مؤسسات أخرى.
ويرى بعض المراقبين أن المصالحة الخليجية ربما تؤدي إلى تقارب أكبر بين الدوحة والرياض على المدى القصير وهو ما قد ينتج عنه لعب قطر دور الوساطة بين السعودية وتركيا لتقريب وجهات النظر بين البلدين، وهو ما قد يمثل تغييراً ملموساً في المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط.
ولا شكَّ أن مشهد العناق الحار بين الشيخ تميم أمير قطر وولي العهد السعودي لدى وصول الأول إلى مقر القمة ربما يمثل أهم لقطات القمة الخليجية، وفي المقابل فإن غياب ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن الحضور يمثل علامة استفهام أيضاً.
ويبدو أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بالأساس بين الدوحة والرياض ليس مُرضياً للقاهرة وأبوظبي، فكلتاهما كانت تضع قطع قطر علاقاتها مع جماعات الإسلام السياسي وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين شرطاً أساسياً رفضته قطر، لأنه يمثل تعدياً على سيادتها، مما يفتح الباب أمام تغييرات قد تحدث في العلاقات بين مصر والإمارات من جانب والسعودية من جانب آخر، بحسب بعض المحللين.
التغيير الآخر المتوقع أن ينتج عن المصالحة، وقد لا يستغرق وقتاً طويلاً، يتمثل في دور الولايات المتحدة في المنطقة وهو الدور الذي شهد تراجعاً كبيراً طوال السنوات الأربع الماضية التي تواجد فيها ترامب في البيت الأبيض ومهد المجال لتوسيع روسيا نفوذها في المنطقة سواء في سوريا أو ليبيا.
ومن المتوقع أن تتخذ إدارة بايدن نهجاً مختلفاً وتعود للاشتراك أكثر في قضايا المنطقة وأبرزها بالطبع التهديد الذي تمثله إيران لدول الخليج وللمنطقة بشكل عام، ووجود موقف خليجي موحد يعتبر أمراً حيوياً في هذه النقطة بالتحديد، وهنا يأتي دور المصالحة الخليجية التي من المنتظر إعلان تفاصيلها الكاملة مع البيان الختامي لقمة العلا بالسعودية.