في مطلع الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2020، وصل وفدٌ من المغرب إلى تل أبيب بهدف تمهيد الطريق أمام إعادة فتح مكاتب الاتصال بين الطرفين، والتي أُغلِقَت قبل 20 عاماً. وكان هذا جزءاً من التفاهمات التي جرى التوصل إليها الأسبوع الماضي في الرباط خلال زيارةٍ سريعة لوفدٍ أمريكي-إسرائيلي مشترك.
ومن المتوقع الآن أن يصل وفدٌ مغربي رفيع المستوى في غضون أسبوعين -بعكس الوفد الذي وصل الأسبوع الجاري ووُصِف بـ"الفني"- للاحتفال بافتتاح مكتب الاتصال. ولكن متى ستُفتح سفارةٌ مغربية رسمية، ومتى ستُقام علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين؟ لا أحد يعلم حتى الآن. فهل يؤخر المغرب إقامة علاقات "كاملة" مع إسرائيل، ولماذا يفعل ذلك؟
ما الذي يدفع المغرب للتريث في إقامة علاقات "كاملة" مع إسرائيل؟
في بيانٍ أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية فوراً بعد إعلان الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل -الذي تضمّن اعترافاً أمريكياً مثيراً للجدل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية- وُصِفت الخطوة بأنّها "امتدادٌ لاتفاقيات إبراهيم".
وفي تل أبيب، قبل يومٍ من طيران الوفد المشترك إلى الرباط، ردّد صهر دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي جاريد كوشنر الرسالة التالية: "غداً سنحرز بكل فخر تقدماً جديداً في اتفاقيات إبراهيم مع أول رحلةٍ جوية تجارية مباشرة على متن خطوط إل عال من إسرائيل إلى المغرب".
ولكن المغرب ليس سعيداً، كما تقول صحيفة Haaretz العبرية. ففي رسالةٍ نُقِلَت إلى تل أبيب، أكد مسؤولون بارزون من المغرب أن مصطلح "التطبيع" ليس مقبولاً بالنسبة لهم، لأنه حتى بعد إغلاق مكاتب الاتصال عام 2000، احتفظ البلدان بمجموعة واسعة من العلاقات. ما يعني أن المغرب لا يبدأ علاقاته مع إسرائيل من الصفر.
لكن إصرار المملكة على عدم الانضمام إلى الاحتفالات وتجنّب إصدار أيّ بيانٍ يلزمهم بأي شيء مستقبلاً لا يرجع فقط إلى الرغبة في تحقيق "الاستقامة البلاغية".
إذ يرى روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنّ المغاربة يريدون ببساطة الانتظار ليروا ما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستتبنّى قرار إدارة ترامب وتعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
هل يعلّق المغرب الانفتاح الكامل على إسرائيل إذا رفض بايدن الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية؟
وأردف الخبير في شؤون المنطقة المتنازع عليها: "أشك، رغم عدم قولها صراحة، أن المغاربة سيُعلّقون أي خطوات إضافية في اتجاه العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل حتى يتضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستُؤكّد الاعتراف بالصحراء الغربية".
وقد وقّع الوفد الإسرائيلي برئاسة مستشار الأمن القومي مائير بن شبات، الذي زار المغرب الأسبوع الماضي، على أربع اتفاقيات منفصلة. وشملت الاتفاقيات تشغيل الرحلات المباشرة بين البلدين، والإعفاء من التأشيرات للدبلوماسيين. كما جرى التوقيع على إعلانٍ مشترك من الدول الثلاث، يشمل إعلان "افتتاح حقبة جديدة من العلاقات بين المملكة المغربية وإسرائيل".
وأشار ساتلوف إلى "الفجوة الكبيرة" بين ما وعد به ترامب حين أعلن عن "الانفراجة التاريخية" في العلاقات الإسرائيلية-المغربية، وبين ما تم تحقيقه على أرض الواقع.
على عكس الدول المطبعة الأخرى.. لا احتفاء مغربي بإقامة العلاقات مع إسرائيل
إذ قالت عينات ليفي، المتخصصة في العلاقات الإسرائيلية-المغربية بمركز أبحاث Mitvim، إن وسائل الإعلام المغربية لم تُركّز على الاتفاق مع إسرائيل عند تغطية الصفقة الثلاثية، وهذه ليست مصادفة: "سلطت عناوين الأخبار الضوء على الاعتراف الأمريكي بالصحراء الغربية. وفي عمق النص فقط ورد ذكر العلاقات مع إسرائيل".
فرغم تمتع إسرائيل والمغرب بعلاقات دبلوماسية في الفترة من عام 1994 إلى عام 2000، ورغم زيارة عشرات الآلاف من السياح الإسرائيليين للمغرب كل عام منذ ذلك الحين؛ لا يزال هناك شيءٌ "يصعب تقبُّله" لغالبية المغاربة في فكرة تجديد العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين.
ويُمكن تفسير نهج المغرب المتردد في تجديد العلاقات مع إسرائيل -مقارنةً بحماس الدول العربية الأخرى التي وقّعت اتفاقيات إبراهيم- بالعلاقة الخاصة التي تحظى بها البلاد مع الفلسطينيين. فمن أوائل الخطوات التي اتّخذها الملك محمد الخامس بعد إعلان ترامب الدراماتيكي هي الاتصال بالرئيس الفلسطيني محمود عباس -قبل أسبوعين من اتصاله بنتنياهو- في محاولةٍ لتهدئته.
ووعد محمد الخامس، رئيس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي، عباس خلال المكالمة بأنّ الإجراءات المتفق عليها مع ترامب وما سيجري تنفيذه مع إسرائيل لن يُؤثّر على التزام المغرب تجاه القضية الوطنية الفلسطينية بأيّ حالٍ من الأحوال، ولن يُؤثّر على عزم المغرب مواصلة العمل من أجل تحقيق سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط.
بينما قالت سارة فوير، الزميلة الباحثة في Institute for National Security Studies بجامعة تل أبيب، إنّ الملك "لم يكُن راغباً في وصف الأمر بأنّه تطبيعٌ كامل للعلاقات لأسبابٍ واضحة: فقد أمضى عقوداً في تقديم الدعم الخطابي العلني للفلسطينيين ولحل الدولتين عموماً، وكان مواظباً على ذلك، وأعتقد أنّه لم يستطع ببساطة اتّخاذ تلك الخطوة كما فعلت الإمارات وغيرها بالنظر إلى التزامه المستمر تجاه الفلسطينيين".
خيارات إدارة بايدن حول الصحراء الغربية
وتمتلك الإدارة الأمريكية الجديدة عدداً من الخيارات الآن في ما يتعلّق بالصحراء الغربية وفقاً لساتلوف. إذ يمكنها إلغاء قرار ترامب، أو تعليقه، أو تنفيذ بعض أجزائه فقط. لكن في حال قرّر بايدن تبنّي تغيير السياسة المفروضة عليه، فهذا لا يعني بالضرورة التخلّي عن هدف تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
إذ قال ساتلوف: "ليس هناك تعارضٌ بالضرورة بين الاعتراف بالسيادة المغربية وبين دعم الوساطة في حل نهائي وحاسم للصراع. وفي الواقع، هذا هو موقف الولايات المتحدة من تل أبيب الآن. ومن المفارقات أنّ بإمكاننا تطبيق سياسة الولايات المتحدة في مسألة القدس على سياسة الولايات المتحدة في مسألة الصحراء الغربية"، حسب تعبيره.