لا يزال الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب مصمماً على أنه فاز بالانتخابات ويعلن لأنصاره أن يوم 6 يناير/كانون الثاني المقبل هو يوم الحسم، فماذا يحمل ذلك اليوم؟ وهل يمكن فعلاً قلب فوز جو بايدن إلى هزيمة؟
ماذا سيفعل الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني؟
لا شك أن الانتخابات الأمريكية 2020 كانت ولا تزال من أبرز أحداث العام، ويبدو أنها ستظل مستمرة حتى مطلع العام الجديد أيضاً. إذ تشهد ولاية جورجيا جولة الإعادة على مقعدي مجلس الشيوخ في الولاية يوم 5 يناير/كانون الثاني، وهي انتخابات هامة للغاية لأنها ستحدد مصير الأغلبية في المجلس، فإذا فاز الجمهوريون بمقعد منهما استمرت أغلبيتهم، بينما يحتاج الديمقراطيون لاقتناص المقعدين للفوز بأغلبية مجلس الشيوخ.
أما يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 فسيشهد الجلسة المشتركة للكونغرس أو البرلمان الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، من أجل إعلان الفائز في الانتخابات الرئاسية بين دونالد ترامب وجو بايدن، طبقاً للنظام الانتخابي الأمريكي الذي لا يوجد له مثيل في أي دولة أخرى في العالم.
ويرأس تلك الجلسة نائب الرئيس، وهو حالياً مايك بنس نائب ترامب، والهدف من الجلسة هو عد أصوات المجمع الانتخابي رسمياً ومن ثم إعلان من يحصل على أغلبية أصوات المجمع فائزاً بالرئاسة. ولا أحد اليوم يجهل نتيجة الانتخابات سواء التصويت الشعبي أو في المجمع الانتخابي (أو الكلية الانتخابية بنص المصطلح الأمريكي)، حيث فاز جو بايدن بكليهما بالفعل.
لكن ترامب وجمهوره المتحمس له يرفضون الاعتراف بالنتيجة ويزعمون- دون دليل- أن الانتخابات تم تزويرها لصالح بايدن، رغم أن تلك المزاعم تم رفضها في المحاكم الأمريكية بدرجاتها المختلفة وصولاً إلى المحكمة الدستورية العليا التي يتمتع فيها الجمهوريون بأغلبية كبيرة (6 قضاة يمينيون مقابل 3 فقط ليبراليون).
كيف يخطط ترامب لذلك اليوم؟
تقوم خطة ترامب- أو بمعنى أكثر دقة حيلة الرئيس المنتهية ولايته- في ذلك اليوم على التعديل رقم 12 لبنود الدستور الأمريكي الخاصة بالانتخابات وتقرير نتيجتها في حالة وجود اعتراضات من أي نوع. ويرجع تاريخ هذا التعديل إلى عام 1804، وتم إقراره في أعقاب انتخابات 1800 التي شهدت تنصيب الرئيس الثالث للبلاد توماس جيفرسون رئيساً بعد أخذ ورد وتم حسم النتيجة من خلال الكونغرس.
ويعطي التعديل رقم 12 الحق لأحد أعضاء مجلس النواب وأحد أعضاء مجلس الشيوخ لتقديم اعتراض مكتوب على نتيجة الانتخابات في إحدى الولايات أثناء جلسة الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني وهو ما يؤدي إلى تعليق الجلسة وعقدها بشكل منفصل، أي مقر مجلس النواب ومقر مجلس الشيوخ ومناقشة الاعتراض ومن ثم التصويت على قبول الاعتراض أو رفضه.
وتقوم خطة ترامب على أن يعترض أحد النواب وأحد أعضاء مجلس الشيوخ من الداعمين لترامب على نتائج عدد من الولايات وهي نيفادا وجورجيا وأريزونا وويسكنسن وميشيغن وبنسلفانيا، ومن ثم تتم مناقشة تلك الاعتراضات، وهو أمر قد يستغرق ساعات طويلة، بغض النظر عن أن فرص نجاحه تكاد تكون شبه منعدمة، بحسب المحللين والمراقبين.
وهذه الخطة ليست مجرد توقعات أو تخمينات من جانب الخبراء أو الإعلام، فقد أعلنها بالفعل مستشار ترامب ستيفين ميلر يوم 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري عبر أحد برامج قناة Fox، وذلك بعد تصديق المجمع الانتخابي على فوز بايدن، حيث أعلن أن خطة إدارة ترامب هي "قلب نتيجة الانتخابات في الجلسة المشتركة للكونغرس بمجلسيه".
وقد أعلن النائب الجمهوري عن ألاباما مو بروكس بالفعل عن اعتزامه تقديم اعتراض مكتوب أثناء الجلسة، كما أعلن السيناتور المنتخب عن ألاباما في هذه الانتخابات تومي توبرفيل (جمهوري أيضاً وستكون جلسة 6 يناير/كانون الثاني أول جلسة له في الكونغرس) أنه سينضم إلى بروكس، مما يعني أن التحضيرات لخطة الانقلاب البرلماني قد اكتملت بالفعل.
هل تمتلك خطة ترامب أي فرصة للنجاح؟
على الأرجح سيتقدم بروكس وتوبرفيل باعتراض مكتوب على نتائج الانتخابات في الولايات الست وستنعقد جلسة منفصلة لمناقشة تلك الاعتراضات وتقديم ما يؤيد وجهة نظرهما. وأهم نقطة هنا هي وجود هيئة بديلة تمثل تلك الولايات في المجمع الانتخابي تمنح أصوات تلك الولايات لترامب، عكس الهيئة الرسمية التي انتخبها ناخبو الولايات يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن قصة وجود هيئة بديلة ليست بهذه البساطة بل لها متطلبات لم يتوفر أي منها لتلك الهيئات التي أعدها أنصار ترامب.
والمقصود بالهيئة البديلة هي أن يقوم برلمان ولاية ما باختيار ممثلين غير الذين اختارهم الناخبون ويتم إرسال أصواتها إلى جلسة الكونغرس، بالتوازي مع أصوات الهيئة المنتخبة، وذلك في حالة وجود تعارض في نتائج الانتخابات تؤيدها إما أحكام قضائية أو قرار من هيئة الانتخابات المحلية في الولاية أو المجلس التشريعي في الولاية.
ولم يتوفر أي من تلك الشروط في هذه الانتخابات، حيث إن مسؤولي الولايات المذكورة صدقوا على نتيجة الانتخابات بالفعل وتم إرسالها إلى مجلس الشيوخ، أو بمعنى أدق إلى نائب الرئيس وهو مايك بنس الذي يرأس الجلسة يوم 6 يناير/كانون الثاني ويقوم بفتح المظاريف واحتساب نتيجة الأصوات (عدد أصوات المجمع الانتخابي 538) ومن ثم إعلان الفائز بأغلبية الأصوات.
خطة ترامب وأنصاره إذاً لا تمتلك أدنى فرصة للنجاح في قلب نتيجة الانتخابات وإبقائه في البيت الأبيض لساعة واحدة بعد ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021 وهو الموعد الرسمي لانتهاء رئاسته وتنصيب جو بايدن، لكن المؤكد أن ما يخطط له ترامب في ذلك اليوم سوف يحول الجلسة إلى سيرك ووصمة جديدة في جبين الديمقراطية الأمريكية ستترك أثرها على المدى القصير والمتوسط وربما البعيد، بحسب تقرير في موقع Salon الأمريكي.
هل حدث اعتراض كهذا من قبل؟
بنى ترامب وأنصاره خطة السعي لانقلاب برلماني يوم 6 يناير/كانون الثاني على سابقة يرونها مشابهة لما حدث في هذه الانتخابات، لكن صاحبة تلك السابقة نفسها تنفي أي تشابه بين الواقعتين.
الواقعة المقصودة وقعت يوم 6 يناير/كانون الثاني عام 2004 وكانت بطلتها السيناتور باربرا بوكسر الديمقراطية التي قدمت اعتراضاً على فوز الرئيس جورج بوش الابن على حساب منافسه الديمقراطي جون كيري في ولاية أوهايو، مما أدى إلى تصويت منفصل في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ على قبول نتيجة الانتخابات في أوهايو من عدمه، وتم التصويت بقبول النتيجة وفوز بوش.
لكن بوكسر نفسها قالت لشبكة CNN إنه لا يوجد أي تشابه بين ما يسعى ترامب وأنصاره للقيام به الآن وبين ما قامت به هي والنائبة ستيفاني توبس جونز من أوهايو عام 2004.
"لم يكن هدفنا وقتها قلب نتيجة الانتخابات على مستوى البلاد بأي صورة من الصور، بل كان الهدف هو التركيز على ما حدث من قمع للناخبين في أوهايو. إنهم (الجمهوريين) يتحدثون عن أن الانتخابات تمت سرقتها من دونالد ترامب. لا يوجد من الأصل وجه للمقارنة بين الموقفين"، بحسب بوكسر التي اعتبرت أن تلك اللحظة التي عبرت فيها عن اعتراضها هي أكثر اللحظات فخراً في تاريخها البرلماني.