2020 عام الفراق بين العملاقين.. لماذا أحرجت الصين الهند وأفسدت التعايش المتوتر معها فجأة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/12/29 الساعة 19:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/30 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع رئيس وزراء الهند ناريندرا دامودارداس مودي/رويترز

كان عام 2020 فارقاً في العلاقة بين بين الهند والصين والتي لن تعود إلى سابق عهدها من التعايش البارد أو المتوتر كما كان في السابق.

ورغم الإحراج الكبير الذي تعرَّضت له الهند، في المناوشات الحدودية التي جرت بين البلدين بدون سلاح ناري، فإن الهند خرجت ببعض المكاسب من هذه المواجهة التي تعجلت بكين في تنفيذها هذا العام، حسبما ورد في مقال نشر بمجلة Foreign Policy الأمريكية.

يقول الكاتب هارش بانت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كينغز كوليدج في لندن إن المواجهة بين الهند والصين في منطقة جبال الهيمالايا ربما تكون التطور طويل المدى الأكثر أهمية في منطقة المحيط الهندي والهادئ، والذي سيمثل تحدياً لصُنَّاع السياسات في أنحاء العالم.

موت الرومانسية في العلاقة بين الهند والصين

لم تُظهِر القوات الصينية أي إشارة على التراجع من المواقع التي احتلتها بطول "خط السيطرة الفعلي"، الذي يُقسِّم مناطق سيطرة الهند والصين في منطقة لاداخ، منذ إبريل/نيسان الماضي. في الوقت نفسه، تحتشد القوات الهندية عند الحدود المتنازع عليها، وتطالب نيودلهي بإعادة شاملة للوضع السابق. وفشلت عدة جولات من المباحثات العسكرية والدبلوماسية في التوصل إلى أي نتائج، الأمر الذي يؤكد الرهانات العالية لدى كلا الجانبين.

من الممكن جداً أن يكون 2020 هو العام الذي ماتت فيه أخيراً النزعة الرومانسية بشأن العلاقات بين الهند والصين. فقد أظهر الكثيرون في نيودلهي اعتقاداً ساذجاً بأنَّ الهند ستكون قادرة على التعامل مع الصين دبلوماسياً وأنَّها ستمنع شبح الخلاف الحدودي من أن يلقي بظلاله على العلاقات الأكبر، على الرغم من أن كل الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك. 

يشبه ذلك الصدمة التي أصابت زعيم الاستقلال الهندي ورئيس وزرائها جواهر لال نهرو الذي تخيل أن مكانته ومكانة نيودلهي المحورية كزعيمة لحركة عدم الانحياز قد تساهم في إدارة العلاقات المتوترة بين الهند والصين وخاصة فيما يتعلق بالحدود، ولكن الحرب التي اندلعت مع الصين عام  1962ضربت هذا التصور ومعه الكرامة الهندية في مقتل، حتى لو لم تغير الأمر الواقع على الأرض كثيراً، بعدما انسحب الجيش الصيني إثر نهاية الحرب من مساحات في داخل الحدود الهندية، ثم عاد إلى حدود ما قبل اندلاع الحرب.

ومنذ ذلك الوقت كانت الهند تحاول أن تتعامل مع جار أقوى بكثير منها مع محاولة بلورة الانخراط الثنائي بعيداً عن النزاعات. نجح الأمر لفترة، لكن من الواضح أنَّ بكين كان لديها خطط أخرى.

لماذا تعجلت الصين بإلحاق هذه الهزيمة المخزية بالهند؟

في محاولتها لإعادة تعيين خط السيطرة الفعلي لصالحها من جانب واحد هذا العام، انتهى المطاف ببكين إلى تجاهل المبادئ الأساسية لكل الاتفاقيات التي وقَّعتها مع الهند منذ 1993 لإبقاء الأوضاع على الحدود سلمية بين أكبر دولتين في العالم من حيث السكان. 

وسيؤدي سلوكها حتماً إلى تغيير مسار العلاقة بين الهند والصين، التي قامت على أساس فهم بأنَّ البلدين يمكنهما المضي قدماً في مجالات المشاركة الأخرى– الدولية والإقليمية والثنائية- حتى في وجود المشاكل الحدودية بدون حل. 

لكنَّ هذا المبدأ الأساسي بات اليوم يبدو أنه يتم تقويضه على نحوٍ خطير ويهدد بتغيير كبير في العلاقة بين الهند والصين.

يمكن تفهُّم الحزم الصيني في بعض جوانبه. فطالما كانت الصين هي الطرف المهيمن بطول الحدود، وبإمكانها مواصلة إظهار ادعاء أنها تريد الحفاظ على السلام والهدوء. ففي نهاية المطاف، كان ذلك وفق شروطها. 

ولكن يحدث تطور يبدو أنه دفع الصين لتغيير موقفها.

إذ تجري عسكرة خط السيطرة الفعلي بوتيرة غير مسبوقة اليوم، جزئياً لأنَّ البنية التحتية الهندية باتت في حالة أفضل بكثير والدوريات الهندية أكثر فعالية بكثير، وبصياغة مُبسَّطة، بات للجيش الهندي الآن حضور في مناطق لم يعتد الجيش الصيني على رؤيته فيها. 

العلاقة بين الهند والصين
استعراض للجيش الصيني/رويترز

وتستعد الهند الآن لتحول الوضع على الحدود إلى وضع متقلب. بالتالي، إذا لم يجرِ التوصل إلى حل دائم لمشكلة الحدود، ستبقى الاضطرابات الأكبر بطول خط السيطرة الفعلي هي الوضع المعتاد الجديد.

إحدى ثوابت العلاقة بين العلاقة بين الهند والصين أنَّ بكين تظل كياناً أقوى بكثير من نيودلهي، وبنيتها التحتية في حالة أفضل كثيراً. لكنَّ تطوير البنية التحتية الهندية بلغ نقطة حاسمة. 

وعلى الرغم من الاعتراضات الصينية على أحد المشروعات بصفة خاصة، طريق التجارة القديم الذي يعبر سلسلة جبال كاراكورام التي تربط لاداخ بالمناطق الغربية في الصين، استمرت الهند في متابعة هذا المشروع. ويُعَد تسخين الصين للأجواء على الحدود محاولة أخرى لإثناء نيودلهي عن المضي قدماً.

نيودلهي كانت تتحاور مع بكين ولكنها تلطِّخ سمعتها

كانت السياسة الخارجية الهندية في صدارة ومركز التصدي للمخططات العالمية للصين. فكانت الهند هي أول مَن حذَّر العالم من مخاطر "مبادرة الطريق والحرير" الصينية في وقتٍ كانت كل البلاد الأخرى تقريباً على استعداد للاقتناع بسردية بكين بأنَّ المشروع يهدف لتحفيز تطوير البنية التحتية العالمية وليس إثراء الشركات الصينية. 

واليوم، بات تصوُّر الهند عن المبادرة مقبولاً على نطاق واسع من جانب معظم القوى العالمية الكبرى. وبالنظر إلى أنَّ المبادرة تمثل إلى حدٍ كبير أيضاً مشروع زهو للرئيس الصيني شي جين بينغ، فلابد من أنَّ دور الهند في بلورة المعارضة الدولية له كان مزعحاً بصفة خاصة. 

نجحت الهند كذلك في بلورة الخطاب الدولي بشأن منطقة المحيط الهندي والهادئ، وتعمل الآن عن كثب مع اللاعبين الإقليميين المشابهين لها في التفكير من أجل منح هذا الخطاب ثقلاً تنفيذياً. 

وفي وقتٍ تحاول فيه إدارة ترامب الشروع في عملية للانفصال التجاري والتكنولوجي عن الصين، باتت واشنطن ونيودلهي أقرب من أي وقتٍ مضى. لم تنجح المحاولات الصينية لتهميش الهند على الساحة الدولية، ولم تزدد جعبة نيودلهي إلا نمواً.

ومن هنا تريد الصين أن تلقِّن الهند هذا الدرس

لذا، اختارت الصين التوظيف الفظ للقوة، على أمل أن تُلقِّن الهند درساً. لكنَّ الحقيقة هي أنَّ المطاف انتهى بالتصرفات الصينية إلى إحداث الأثر المعاكس تماماً. إذ أصبح الرأي العام الهندي، الذي كان بالفعل سلبياً تجاه الصين، الآن مناهضاً للصين بقوة أكبر. 

يجد أولئك الذين كانوا يتحدثون في الهند عن الحفاظ على مسافة متساوية من الصين والولايات المتحدة صعوبة اليوم في الإبقاء على هذا الموقف. وأصبحت نيودلهي أكثر حرية للقيام بخيارات السياسة، الاستراتيجية والاقتصادية، المناهضة للصين.

ليس أي من هذه الخيارات بلا ثمن بالنسبة للهند. لكنَّ تصرفات الصين ضمنت أن تكون الهند اليوم مستعدة لتحمل تلك الأثمان. إذ جعلت الردود العسكرية والدبلوماسية الهندية واضحاً للعدوان الصيني أنَّ نيودلهي ليست بلا خيارات، ولا متحفظة في اختيارها. 

يتعين الآن على الصين اتخاذ قرارها بشأن ما إن كانت ترغب في تحول الهند إلى خصم دائم، أم دولة جارة يمكنها مزاولة الأعمال معها. وأيَّاً ما كان الخيار الذي تقرر بكين القيام به، فإنَّه سيحدد المشهد الاستراتيجي لمنطقة المحيط الهندي والهادئ.

علامات:
تحميل المزيد