يبدو أن الصين على حق وبريطانيا على خطأ، إذ اتهم بعض العلماء المملكة المتحدة بأن طريقتها في التعامل مع الجائحة بأنها كانت سبباً في ظهور فيروس كورونا المتحور الذي بات يسمى أحياناً السلالة البريطانية من الفيروس.
كانت بريطانيا أول دولة طرحت فكرة مناعة القطيع التي تعني "اتركوا أغلب الشعب يصاب لكي يصبح هناك مناعة جماعية (70%)، ولا غضاضة في بعض الوفيات".
إذ قال السير باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين في بريطانيا، إن فكرة "مناعة القطيع" ستساعد العالم من خطر فيروس كورونا "كوفيد-19″، وذلك في تصريح شهير أطلق في بداية الجائحة في مارس/آذار 2020، وأثار انتقادات من قبل منظمة الصحة العالمية التي قالت إن مناعة قطيع مفهوم يعود للطب البيطري، ولا يصلح للبشر.
ولكن رغم عدم تبنِّي بريطانيا رسمياً مناعة القطيع، ولكن يبدو أنها تبنت فكرة التعايش مع الفيروس، بدلاً من محاولة القضاء عليه تماماً كما فعلت الصين، وبعض الدول الآسيوية.
فهل كانت سياسة التعايش مع الجائحة التي اتبعتها بريطانيا (وأيضاً الولايات المتحدة) هي السبب في ظهور السلالة البريطانية من الفيروس.
التخلي عن سياسة "صفر كوفيد" أدى لظهور السلالة البريطانية من الفيروس
يقول أنتوني كوستيلو، أستاذ الصحة العالمية والتنمية المستدامة في جامعة كوليدج لندن والمدير السابق لصحة الأم والطفل في منظمة الصحة العالمية، في مقال بصحيفة The Guardian البريطانية: "إنه خلال الموجة الأولى من فيروس Covid-19 في بريطانيا، قال العديد من العلماء -بمن فيهم أنا- إن الحكومة يجب أن تتبع استراتيجية "الحد الأقصى من القمع لفيروس كورونا" أو الخيار "صفر كوفيد".
وكان أحد الأسباب العديدة لهذا الموقف العمل هو منع الانتقاء الطبيعي من القيام بعمله في تحور الفيروس.
فعندما يُسمح للفيروس بالانتشار، وقضاء الوقت في مضيفين مختلفين، فإنه يتطور ويتحول.
وبالفعل وجد العلماء الفيروس المتحور الذي تطور من الفيروس الأساسي الذي يسبب مرض Covid-19، وتبين أنه يحتوي على 17 تعديلاً في تسلسله الجيني، بما في ذلك التغييرات في بروتين السنبلة الذي يمكّن الفيروس من دخول خلايانا.
لا أحد يعلم حالياً كيف نشأت السلالة البريطانية من الفيروس. ولكن تشير البيانات إلى أنه قد تكون نشأت في جسد مريضٍ مُصاب بعدوى كوفيد-19 المزمنة، لأن الفيروس يكون لديه الوقت للتحوُّر إلى العديد من السلالات داخل جسمٍ واحد.
ويتمثَّل أحد الاحتمالات في أنه نشأ لدى مريضٍ يعاني من ضعفٍ بجهاز المناعة وعولِجَ على مدار أسابيع أو أشهر بأجسامٍ مضادة من مريضٍ تعافى.
في هذه الحالة، تقضي الأجسام المضادة على بعض أنواع الفيروس، تاركةً أخرى تكون مُقاوِمةً على الأقل جزئياً للعلاج.
وتفيد فرضيةٌ أخرى بأن السلالة جاءت من بلدٍ آخر.
الحكومة البريطانية كانت تتوقع فشل الصين في القضاء على الفيروس
على الرغم من التحذيرات المشار إليه، فإن استراتيجية الحكومة البريطانية طوال الوباء كانت إبطاء انتشار الفيروس وتقليل الضغط على خدمة الصحة الوطنية، بدلاً من القضاء على Covid تماماً.
في وقت متأخر من 13 مارس/آذار، سجلت دقائق المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ التابعة للحكومة البريطانية (Sage) أن "التدابير التي تسعى إلى قمع انتشار Covid-19 بالكامل ستؤدي إلى ذروة ثانية".
وحذر المستشارون من أن دولاً مثل الصين، التي نفذت في بداية الجائحة إغلاقات صارمة "ستشهد ذروة ثانية بمجرد تخفيف الإجراءات".
بدلاً من القضاء على فيروس كورونا، كان يبدو أن المنطق في ذلك الوقت هو أن بريطانيا ستتعلم كيف تتعايش مع الفيروس.
بعد تسعة أشهر، سجلت الصين وكوريا الجنوبية ثلاثة و12 حالة وفاة لكل مليون شخص على التوالي.
على النقيض من ذلك، بناءً على البيانات الحكومية للوفيات التي حدثت في غضون 28 يوماً من اختبار Covid الإيجابي، سجلت المملكة المتحدة 970 حالة وفاة من Covid لكل مليون شخص.
لماذا تتحمل الحكومة البريطانية مسؤولية ظهور الفيروس المتحول؟
توقع العلماء فقط أن الفيروس الذي يسبب Covid-19 يخضع لطفرة أو طفرتين كل شهر – ولكن مع ما يقدر بنحو مليوني شخص مصاب الآن بـ Covid في المملكة المتحدة، هناك العديد من الفرص لتحور الفيروس.
ويبدو أن الفيروس المتحور يعمل على تسريع انتشار الجائحة.
وتساءل الكثيرون عما إذا كان هذا سيؤثر على فعالية برنامج التطعيم – لكن هذا شيء يمكن للعلماء على الأرجح إصلاحه بسرعة معقولة عن طريق تعديل تشفير RNA للقاحات الجديدة.
وليس من الممكن حتى الآن معرفة ما إذا كان البديل الجديد للفيروس سيغير شدة Covid-19 لدى أولئك الذين يصابون به أم لا.
الأمر المؤكد هو أنه كلما زاد عدد الأشخاص المصابين زادت فرصة تطور الفيروس، أي أن انتشار الجائحة جراء السلالة البريطانية من الفيروس قد تعني فرصاً أكبر لظهور نسخة جديدة من الفيروس المتحور أصلاً.
وتخشى الحكومة البريطانية عن حق من أن تنتشر زيادة في الحالات في جنوب إنجلترا، حيث يكون انتقال العدوى مرتفعاً بشكل مثير للقلق، في جميع أنحاء البلاد، وقد حظرت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي السفر من وإلى المملكة المتحدة في محاولة لوقف انتشار البديل.
ويتخوف العلماء أن من السلالة البريطانية من الفيروس أو الفيروس المتحور سيفتك بمزيد من الأرواح، نظراً لزيادة عدد الإصابات جراء سرعة انتشاره الأكير من الفيروس التقليدي.
إجراءات منع انتشار كوفيد هي نفسها إلى حد كبير كما كانت من قبل.
لكن هذا الوضع كان يمكن تجنبه.
ويضيف العالم البريطاني قائلاً: "لا يمكن إلقاء اللوم في الزيادة الأخيرة على فيروس متحور وحده؛ في الواقع، أدى سوء إدارة الحكومة البريطانية للوباء إلى إصابة المزيد من الأشخاص بالعدوى، مما خلق الظروف الملائمة لحدوث الطفرات".
تأخير أسبوع قتل الآلاف
كما إن إخفاقات استجابة الحكومة للوباء كثيرة، حسب العالم البريطاني.
كان من الممكن أن يؤدي الإغلاق المبكر لمدة أسبوع واحد فقط في الربيع إلى خفض معدل الوفيات إلى النصف، وفقاً لما ذكره نيك ديفيز، مستشار المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ (Sage).
فقد أهدر الوزراء البريطانيون المليارات على الاستعانة بمصادر خارجية لنظام الاختبار والتتبع المزعوم التابع لشركات خاصة.
مع ذلك فشل النظام في مراقبة معدلات العزلة الذاتية وقدمت دعماً مالياً ضئيلاً لأولئك الذين طُلب منهم الحجر الصحي في المنزل.
بعد إغلاق الربيع في بريطانيا، انخفضت معدلات الإصابة، لكن الحكومة فشلت مرة أخرى في القيام بما هو مطلوب في الوقت المناسب لقمع الفيروس.
أدى ضعف سيطرة الحكومة على Covid-19 إلى زيادة قوة العدوى وسمح بحدوث المزيد من الطفرات. علاوة على التكاليف الاقتصادية لتدابير الإغلاق، تم وضع المملكة المتحدة الآن فعلياً في الحجر الصحي من قِبَل المجتمع الدولي.
أدى التردد المتكرر لرئيس الوزراء والتأخير وعدم قدرته على ما يبدو في اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية إلى جعل بريطانيا واحدة من أسوأ معدلات الوفيات في العالم.
يقول العالم البريطاني: "لقد ألغينا الآن عيد الميلاد وأطلقنا إنذاراً دولياً. لا يسعنا إلا أن نأمل ألا نزال في هذا الموقف بحلول عيد الفصح".