موقع أمريكي: قرارات البرلمان الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في مصر وإيران كشفت ازدواجية الغرب

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/12/24 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/25 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل/رويترز

تتجلى ازدواجية الاتحاد الأوروبي تجاه حقوق الإنسان بشكل واضح في قرارات البرلمان الأوروبي الأخيرة تجاه إيران ومصر.

ففي 19 ديسمبر/كانون الأول، تبنَّى البرلمان الأوروبي قرارات تدين انتهاكات حقوق الإنسان في إيران ومصر. 

ومع ذلك، فإذا نظرنا إلى وضع الاثنتين، سيتبين لنا أن إيران هي الوحيدة بينهما التي تواجه عواقب حقيقية، وهي التي تشكلها عقوبات الاتحاد الأوروبي على هذه الانتهاكات. 

على النقيض من ذلك، فإن أي عقوبات كهذه لم تُفرض على مصر، بل يجري الاحتفاء بنظامها على أنه شريك رئيسي وركيزةٌ للاستقرار في شمال إفريقيا، في موقف يظهر ازدواجية الاتحاد الأوروبي تجاه حقوق الإنسان بشكل فج.

والجدير بالذكر هنا هو أن ازدواجية معايير الاتحاد الأوروبي في هذه الحالة بالذات تقوض مصداقيته وتنتقص من أي محاولات لتعزيز حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. كما أن هذا السلوك يدعم السردية التي لطالما رفعها المستبدون الذين يرفضون الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان بالقول إنها سلاح سياسي يستدعيه الغرب ضد الأنظمة التي لا يحبها، ، حسبما ورد في  تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

جرائم متشابهة

بالإضافة إلى ذلك، فإن إدراج القرار النهائي لمجموعة كبيرة من الانتهاكات التي تشترك فيها إيران ومصر، انطوى على إقرار ضمني من النواب الأوروبيين بأوجه التشابه العديدة في الطرق التي يتعامل بها كل نظام منهما مع مواطنيه وأحياناً مع الرعايا الأجانب، وهو إقرار ضمني أيضاً بشأن ازدواجية الاتحاد الأوروبي تجاه حقوق الإنسان.

إذ كما أشار القرار المتعلق بإيران إلى اتهام إيران بسجن مزدوجي الجنسية واستخدامهم كورقة مساومة في المفاوضات مع القوى الغربية، فإن مصر أيضاً امتنعت عن التحقيق بجدية ومعاقبة مرتكبي جريمة قتل جوليو ريجيني، الطالب الإيطالي الذي قُتل في القاهرة بعد تعذيبه عام 2016.

ازدواجية الاتحاد الأوروبي تجاه حقوق الإنسان
وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مع عدد من المسؤولين الأوروبيين/رويترز

وسلط البرلمان الأوروبي الضوءَ على اعتقال نشطاء من "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهي إحدى آخر المنظمات الحقوقية المستقلة المتبقية في مصر، بعد أن عقدوا اجتماعات مع دبلوماسيين أجانب، منهم أوروبيون.

وفي ختام جلستهم، دعا المشرعون الأوروبيون إلى فرض عقوبات محددة الهدف على المسؤولين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في كلا البلدين.

ازدواجية الاتحاد الأوروبي تجاه حقوق الإنسان تظهر في نتائج التصويت

ومع ذلك فإن أوجه التشابه في طريقة التعامل بين طهران والقاهرة تنتهي عند هذا الحد. فعلى سبيل المثال، صوت أكثر من 600 نائب لصالح القرار الخاص بإيران، في حين صوّت 434 نائباً فقط لصالح القرار الخاص بمصر. ورغم أن القرارين قد مُررا بفارق كبير، فإن القرار الخاص بمصر حصل على ما يقرب من 200 صوت أقل لأن قوى يمين الوسط في الغالب إما امتنعت عن التصويت أو عارضته.

إلى جانب ذلك، جاءت النتيجة لتؤكد اتجاهاً حاضراً منذ زمن طويل، إذ يميل أعضاء البرلمان الأوروبي من أحزاب يمين الوسط، مثل "حزب الشعب الأوروبي" (EPP)، إلى كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) وكتل "الهوية والديمقراطية" (ID) الأكثر يمينية، أكثر من غيرهم إلى تسييس قضايا حقوق الإنسان وتوجيه الجهود للهجوم على الخصوم الجيوسياسيين المُتصوَّرين، والتساهل مع من يرونه من "الحلفاء" في الوقت نفسه.

أي الكتل الأوروبية التي تؤيد مصر والسعودية

وعلى مستوى الممارسة العملية، يتجلى هذا الاتجاه في نمط مستمر لا تنفك تنتهجه قوى يمين الوسط واليمين المتطرف ويقوم على استرضاء الأنظمة الاستبدادية التي يعتبرها "صديقة/حليفة"، مثل مصر والسعودية والإمارات والبحرين. 

وخلال الأشهر القليلة الماضية، صوتت هذه القوى ضد قرارات وقف مبيعات الأسلحة من الاتحاد الأوروبي إلى السعودية والإمارات، رغم أنها الأسلحة التي سبق أن ارتكبت بها تلك الدول جرائم حرب في اليمن.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

كما عارضت تلك الكتل الدعواتِ لوقف صادرات الاتحاد الأوروبي من تكنولوجيا المراقبة التي تستخدم  لتتبع وقمع المعارضين في الدولتين الخليجيتين، وكذلك في مصر والبحرين.

ومع ذلك، فإن الواقع الأشد خطورة هو أن الحكومات الوطنية في الاتحاد الأوروبي، والتي تضع السياسة الخارجية للكتلة الأوروبية، تتفق مع تلك القوى، بغض النظر عن انتمائها السياسي.

ماكرون يكرم السيسي ويشجعه على انتهاك حقوق الإنسان

وهكذا، ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو المنتمي إلى قوى الوسط صراحةً بحسب المفترض، إلى حد تكريم الديكتاتور المصري عبدالفتاح السيسي بأحد أرفع الأوسمة الفرنسية.

كما اضطلعت اليونان، وفي ظل حكومة سيريزا اليساري، بدور أساسي في العمل كداعية لمصر داخل الاتحاد الأوروبي. أما ألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية الأخرى التي تثير بين الحين والآخر قضايا حقوق الإنسان في مناقشات الاتحاد الأوروبي الداخلية، فإنها تحجم عن اتخاذ أي إجراءات ملموسة، مثل فرض عقوبات تستهدف المسؤولين المصريين المشاركين في الانتهاكات.

والسيسي، على سبيل المثال، لا يوجد أي مسوِّغ لمعاملته بهذا اللطف عند أي محاولة للتحقيق في تصرفاته.

لماذا هذه الازدواجية؟

ولكن ما سر ازدواجية الاتحاد الأوروبي تجاه حقوق الإنسان والتي تظهر في المعاملة الخاصة التي يلقاها السيسي على سبيل المثال.

وإذا تحرينا الحجة الشائعة بأن السيسي هو ضامن للاستقرار في مواجهة تهديد إسلامي، سيتبين لنا أن السيسي بقمعه كل طيف المعارضة منهجياً، فإنه يخلق فراغاً سياسياً من المرجح أن تملأه قوى متطرفة حقاً، قوى ستكون أكثر انسجاماً مع تنظيم "داعش" من جماعة الإخوان المسلمين الأكثر اعتدالاً والتي تعرضت لاضطهاد منهجي شرس منذ انقلاب 2013  العسكري الذي جلب السيسي إلى السلطة، حسب المركز الأمريكي.

علاوة على ذلك، فإن انتفاضات الربيع العربي وتوابعها أبانت بوضوح عن أن هذه الأنظمة قد تكون أي شيء، إلا أن تكون ضامناً للاستقرار كما تدعي.

وفي حجة أخرى، يرى كثير من الأوروبيين في السيسي حليفاً ذا قيمة بسبب علاقته الوثيقة بإسرائيل، حتى إن الجماعات الموالية لإسرائيل تضغط لصالح مصر في بروكسل وعواصم أوروبية أخرى على نحو مكثف، وكذلك في واشنطن، رغم أنه من المستبعد جداً أن يقدم النظام المصري على أي شيء يتعلق بالانتقاص من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل إذا تجرأت أوروبا على انتقاد سجله الحقوقي.

أما الحجة الأساسية الأخرى التي يرفعها المعارضون لأي تصرف يكبح جماح مستبدي الشرق الأوسط، فهي أنهم سيلجأون إلى روسيا والصين، وهو الأمر الذي سيكون أشد ضرراً بحقوق الإنسان.

مع ذلك، فإن واقع الأمر أن السيسي، رغم صوره الودودة مع بوتين وصفقات الأسلحة مع موسكو بين الحين والآخر، لن يخاطر بخسارة المساعدة العسكرية السنوية البالغة 1.4 مليار دولار التي يتلقاها من واشنطن.

آخيراً وليس آخراً، تبرز الحجة التي غالباً ما يُصوَّر السيسي فيها على أنه حامي الأقلية المسيحية في مصر ضد الخطر المفترض للإخوان المسلمين. بيد أن البيانات تشهد بتصاعد الهجمات على الأقباط بعد انقلاب 2013، وليس قبل ذلك، كما أن الأقلية المسيحية لا تزال تتعرض للتمييز على مستوى القانون والممارسة.

موقف حازم من إيران

من جهة أخرى، فإن ذلك النوع من حجج "السياسة الواقعية" المستخدمة لتسويغ الإذعان أو الصمت عن سجل السيسي في مجال حقوق الإنسان، يمكن تطبيقه على إيران أيضاً. 

غير أن الاتحاد الأوروبي، وبحق، لا يتردد في التحدث علناً ضد انتهاكات طهران الداخلية أو حتى فرض تكاليف عليها، وآخرها إعلان الحكومات الأوروبية انسحابها من منتدى الأعمال المقرر بين الاتحاد الأوروبي وإيران قبل يومين من موعده المقرر، احتجاجاً على إعدام إيران للصحفي المعارض روح الله زام في 12 ديسمبر/كانون الأول.

والأدهى من ذلك، أن الفرنسيين كانوا مصرّين إصراراً خاصاً على هذا القرار، رغم أن ماكرون، على النقيض من ذلك، استبعد خلال زيارة السيسي الأخيرة لفرنسا أي وقف لمبيعات الأسلحة إلى مصر بسبب المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، وهو الإعلان الذي أعفى ماكرون به ضيفه من أي عواقب، ومنحه الضوء الأخضر الفرنسي لمزيد من الانتهاكات.

الدبلوماسية الهادئة

لطالما آمن القادة الأوروبيون بمعجزات "الدبلوماسية الهادئة" وفاعليتها عند التعامل مع الديكتاتوريين الموالين، في ازدراء تام للأوساط المدافعة عن حقوق الإنسان بوصفها أنصار "دبلوماسية الصوت العالي". مع ذلك، ورغم أنه من المؤكد أن هناك مواقف تتطلب مستوى إضافياً من التكتم، خاصة عندما يتعلق الأمر بمفاوضات حول مصير الإفراج عن حقوقي معتقل دون تهمة ومصير الأفراد بوجه عام، فإن الواقع وسجل قرارات البرلمان الأوروبي يشهد بأن نهج عدم التدخل تجاه انتهاكات النظام في مصر قد فشل فشلاً ذريعاً ودون أي فائدة للاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لديه الآن فرصة سانحة لتغيير المسار؛ إذ بعد سنوات من المداولات، وافقت حكومات الاتحاد الأوروبي أخيراً في 7 ديسمبر/كانون الأول على إنشاء نظام عقوبات عالمي لانتهاكات حقوق الإنسان. ومن ثم يجب على قادة الاتحاد الأوروبي استخدام هذه الأداة لمعاقبة المسؤولين المذنبين بارتكاب انتهاكات ليس فقط في الدول التي يعتبرها معادية، مثل إيران، بل أيضاً مع من يُنظر إليهم كحلفاء، مثل النظام المصري. وقد مهّد البرلمان الأوروبي الطريق، وليس على الحكومات إلا الاستجابة.

تحميل المزيد