يعيش حزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي في المغرب، جدلاً داخل وخارج البيت الحزبي، منذ أن أعلنت المملكة في 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، اعتزامها استئناف العلاقات مع إسرائيل.
فمع هذا الإعلان وجد الحزب الإسلامي نفسه عاجزاً عن الخروج من "عنق الزجاجة"، فجزء كبير من أطروحته السياسية بُني على رفض التطبيع، ثم أصبح أول حزب إسلامي في المنطقة تُتخذ تلك الخطوة وهو في الحكومة.
بعد التطبيع.. "العدالة والتنمية" على مفترق طرق
الحزب وجد نفسه أمام "مفترق طرق"، فمسلك أول يُفضي إلى تغيير في بنيته ويعني قبوله بالتطبيع، بالرغم من "الثمن السياسي الباهظ" الذي سيدفعه في انتخابات برلمانية ومحلية خلال 2021. وفاز "العدالة والتنمية" بالانتخابات عامي 2011 و2016، وهو يقود الحكومة منذ 2011، للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
أما المسلك الثاني، فيعتمد على انتهاج "العدالة والتنمية" لـ"تكتيك سياسي" للخروج من المرحلة الراهنة بأقل الخسائر.
ورجح أكاديمي أن يتعامل الحزب "بروح براغماتية" مع خطوة الرباط، واستبعد محلل أن يغيّر الحزب أطروحته تجاه إسرائيل، وهو ما أكد عليه قيادي في الحزب، الذي يشهد تبايناً في المواقف.
وأعلن المغرب، في 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، اعتزامه استئناف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل "في أقرب الآجال". هذا الإعلان جاء خلال اتصال هاتفي أجراه العاهل المغربي الملك محمد السادس، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفق بيان للديوان الملكي. وقبلها بلحظات، أعلن ترامب، عبر "تويتر"، عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب، لكن الرباط تعتبره "استئنافاً للعلاقات"، وليس "تطبيعاً".
وبين المغرب وإسرائيل نحو 6 عقود من التعاون. أما رسمياً، فبدأت العلاقات بينهما عام 1994 على مستوى منخفض (عبر فتح مكاتب للاتصال بالبلدين)، ثم جمدتها الرباط، في 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى).
تباين في المواقف حول التطبيع داخل أروقة الحزب الإسلامي الحاكم
تباينت مواقف "العدالة والتنمية" والهيئات التابعة أو القريبة منه، فبينما تجنب الحزب إعلان موقف صريح مباشر حيال التطبيع، أعلنت كل من شبيبة الحزب (منظمة لشباب الحزب) وحركة "التوحيد والإصلاح"، الذراع الدعوية للحزب، رفضها لتلك الخطوة.
وبعد يومين من إعلان الرباط بشأن إسرائيل، أصدر الحزب بياناً لم يتطرق فيه إلى تلك الخطوة مباشرة. وقال إن "مواقف الحزب ثابتة بخصوص الاحتلال الصهيوني وما يقترفه ضد الشعب الفلسطيني من جرائم تقتيل وتشريد وعدوان على المقدسات".
وتابع: "وفي مقدمتها الاعتداءات المتواصلة على المسجد الأقصى ومصادرة أراضي الفلسطينيين، وإنكار حق العودة في خرق سافر لكل المواثيق والقرارات الدولية ومحاولاته تطبيع علاقاته واختراق المجتمعات الإسلامية".
وأعرب عن "اعتزازه وثقته في القيادة الحكيمة للعاهل المغربي محمد السادس، وما نتج عنها من إنجازات تاريخية وتحولات استراتيجية تشهدها القضية الوطنية (إقليم الصحراء)".
بينما وصفت حركة "التوحيد والإصلاح"، في بيان، خطوة الرباط بـ"التطور المؤسف والخطوة المرفوضة". وأعلنت الحركة رفضها واستنكارها لـ"كل محاولات التطبيع والاختراق الصهيوني".
ودعت الحركة الرباط إلى "مراجعة التدابير المعلن عنها، والانحياز إلى الثوابت التاريخية في تعاطيه مع القضايا العادلة للشعوب المستضعفة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقدس الشريف".
وحذرت الحركة من "خطورة هذه التدابير المعلن عنها ومآلاتها السلبية، والتي تضع البلاد ضمن دائرة التطبيع مع الكيان الصهيوني وتفتح الباب أمام اختراقه للمجتمع والدولة وتهديده لتماسك النسيج المجتمعي واستقرار الوطن ووحدته".
وأكدت منظمة "شبيبة العدالة والتنمية"، في بيان، "موقفها المبدئي الرافض للتطبيع" مع الاحتلال (الإسرائيلي) الغاصب، وتبرير جرائمه ضد الشعب المظلوم والأرض المحتلة في فلسطين".
"موقف الحزب ثابت برفض التطبيع"
القيادي في "العدالة والتنمية"، عبدالعزيز أفتاتي، قال في تصريح لوكالة الأناضول، إنه "لا داعي لاستباق المجريات، نحن اليوم في وضعية ملتبسة ومطلوب تجليتها في اتجاه تثبيت الموقف العام للمغاربة الرافض لأي تطبيع أو اختراق".
وأضاف أفتاتي: "موقف الحزب مؤطر بهذا الموقف الثابت للمغاربة، والذي يدور حول رفض الكيان الصهيوني ورفض أي تطبيع معه". وتابع: "وفي المقابل الاستمرار في إسناد المقاومة الفلسطينية حتى تحصل على المراد في التحرير وإنهاء الاحتلال الصهيوني وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس".
وشدد على أن "موقف الحزب لا يتغير ولا يتبدل، وهو غير قابل لا للتصريف ولا للمقايضة.. رفض للاحتلال الصهيوني ولأي تطبيع معه".
واعتبر رئيس الحكومة المغربية (أمين عام حزب "العدالة والتنمية")، سعد الدين العثماني، في 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أن التطبيع مع إسرائيل كان "قراراً صعباً، لذلك تأخر".
وقال العثماني، في لقاء مع قناة "الجزيرة": "لا نريد أن تكون هناك مقايضة بقضية الصحراء، لكن الانتصار في هذه المعركة اقتضت الضرورة أن يتزامن مع الانفتاح على الآخر"، في إشارة إلى إسرائيل.
الحزب المغربي الحاكم أمام معادلة صعبة
عبدالصمد بلكبير، محلل سياسي مغربي، قال للأناضول إن "العدالة والتنمية يواجه معادلة صعبة، وعليه أن يختار بين السيئ والأسوأ، خصوصا أن البلاد ربحت استراتيجياً ومصيرياً قضية الصحراء، مقابل التطبيع الذي ممكن أن يكون مرحلياً، خصوصاً أن المملكة سبق أن فتحت مكتباً للاتصال الإسرائيلي عام 1994 ثم أغلقته".
وفي اليوم نفسه الذي كشف فيه الرئيس الأمريكي عن اتفاق المغرب وإسرائيل على استئناف علاقاتهما، أعلن ترامب اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء المتنازع عليها بين الرباط وجبهة "البوليساريو".
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم.
وأضاف "بلكبير" أن "العدالة والتنمية يحترم التزاماته حيال القصر (المؤسسة الملكية)، خصوصاً أن شؤون الخارجية والدين أمور سيادية من صلاحيات القصر".
وتابع: "هناك جهات توظف قضية التطبيع لتصفية حساباتها مع العدالة والتنمية لدفعه إلى الاستقالة، ومن ثم تكون البلاد أمام التطبيع واللاديمقراطية، وهو أمر مرفوض"، حسب تعبيره.
وبخصوص إمكانية استقبال وزراء من الحزب لنظرائهم من إسرائيل، أجاب بأن "نفس الوضع عاشه وزراء حزب الاتحاد الاشتراكي (يساري كان يقود الحكومة آنذاك)، ولم يستقبلوا نظراءهم الإسرائيليين، بل تكلف وزراء آخرون بالخطوة".
واستبعد "بلكبير" أن يغير العدالة والتنمية أطروحته السياسية الرافضة للتطبيع، ورجح أن "يدبر الأمر سياسياً ومرحلياً، في ظل وجود ذراعه الدعوية، المتمثلة في حركة التوحيد والإصلاح، التي تعبر عن مواقف صريحة إزاء ذلك (رفض التطبيع)".
"براغماتية" حزب العدالة والتنمية
وفق رشيد الأزرق، أكاديمي مغربي، فإن "العدالة والتنمية يحاول أن يتعامل بروح براغماتية ما بين معادلة البقاء في السلطة والمحافظة على الكتلة الانتخابية". وأضاف الأزرق للأناضول أن "الحزب يعرف جدلاً كبيراً حيال خطوة البلاد (نحو إسرائيل)، سواء تعلق الأمر بالقياديين أو عبر البيانات والمواقف الصادرة عن حركة التوحيد والإصلاح".
وانتقد ما قال إنها "مواقف الحزب التي تتعارض مع مصالح الوطن، وهو ما يطرح تساؤلاً عن التزام الحزب ومؤسساته بالوضوح حيال ملفات، بينها استئناف العلاقات مع إسرائيل".
ورأى أن "الحزب يبرر كل شيء ويدعي المظلومية، فضلاً عن صراع داخله بين جناح العثماني الذي يتسم بالبراغماتية، وجناح عبدالإله بنكيران (الأمين العام السابق ورئيس الحكومة السابق)، الذي يعتمد على المزايدة السياسية". ودعا "الأزرق" الحزب إلى "تحمل المسؤولية السياسية، وعدم الاستمرار في تبني مواقف التبرير".
لا وزراء في استقبال الوفد الإسرائيلي القادم إلى المغرب
في السياق نفسه يستعد المغرب، الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى استقبال وفد إسرائيلي يترأسه كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، برفقة رئيس الوفد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر مقربة من رئيس الحكومة، فإن العثماني أجاب عن سؤال طُرح عليه في لقاء حزبي حول إمكانية حضوره للقاء توقيع الاتفاقيات بين المغرب وإسرائيل، فأجاب بأن "الأمر لا يعنيه كرئيس حكومة".
وكشفت مصادر "عربي بوست" أنه من بين الاتفاقيات المرتقب توقيعها مع الوفد الإسرائيلي في المغرب، اتفاقيتان تهمان وزيرين من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وقائد الائتلاف الحكومي والمناهض للتطبيع مع إسرائيل.
وتهم الاتفاقيات كلاً من وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء التي يقودها عبدالقادر عمارة، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ووزارة الطاقة والمعادن، التي يقودها أيضاً عضو الأمانة العامة للحزب عزيز الرباح.
مقابل ذلك أكدت المصادر الدبلوماسية لـ"عربي بوست" أن الوزراء لن يوقعوا الاتفاقيات مع الوفد الإسرائيلي في المغرب، إذ سيتم الاكتفاء بتوقيع مديرين مركزيين وكتاب عموم، نظراً لأن الوفد لا يضم وزراء، الأمر الذي سيرفع الكثير من الحرج عن وزراء الحزب الإسلامي بالتحديد.
وبذلك، يبدو أن المغرب اختار أن يبدأ التطبيع مع إسرائيل بشكل متدرج، لذلك لن يتم توقيع الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي من طرف الوزراء، بل مع مديرين مركزيين لعدد من القطاعات الوزارية، بحسب المصادر ذاتها.