بعد كورونا.. هل يتخلى الأردنيون عن “العادات السلبية” التي ترهقهم اقتصادياً في الأفراح والأتراح؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/22 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/22 الساعة 14:28 بتوقيت غرينتش
برغم جميع سلبياتها، وفرت جائحة كورونا الكثير من العناء على الأردنيين من تكاليف في الأفراح وحتى الأتراح، تعبيرية/مواقع التواصل

يعد التواصل الوجاهي أساس استمرار العلاقات الاجتماعية وتطورها بين الناس، خاصة عندما تتميز المجتمعات بعادات وتقاليد موروثة عن الآباء والأجداد؛ إذ يصبح التخلي عنها أمراً غير مألوف. لكن فيروس كورونا فرض نفسه بقوة على الأردنيين خلال عام 2020، وكسر عاداتهم وسبب لهم "حرجاً" في مناسباتهم الاجتماعية، جراء تدابير مواجهة الوباء، في ظل ارتفاع حاد في أرقام الإصابات والوفيات بالمملكة.

التباعد الاجتماعي والجسدي كان هو العنوان الأبرز لتدابير الأردن في التصدي للفيروس، إلا أن ذلك الإجراء لم يكن ليتحقق من دون تطبيق قرارات تحول دون مخالفته، تمثلت بمنع إقامة الأفراح وبيوت العزاء التي تكلف أصحابها في الأساس الكثير من الأموال، في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة يمر بها الشارع الأردني.

وكبديل عما جرت عليه العادة للمجاملة في فرح أو ترح، أصبحت التكنولوجيا وتطبيقاتها طريق الأردنيين الأسهل للتعبير عن مشاعرهم، وباتت عبارات "تقبل التعازي عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط نظراً للظروف السائدة" و"نظراً للظروف السائدة ندعوكم الالتزام في منازلكم والدعاء للعروسين بالتوفيق والسعادة"، هي الطريق الأنسب؛ لتفادي الحرج لما سببته الجائحة.

تغيير كبير في العادات الاجتماعية "السلبية" في الأردن

محمد صوالحة، أستاذ علم النفس في جامعة اليرموك، قال للأناضول إن تخلي الأردنيين عن ممارسات عاداتهم في الأفراح والمآتم "مؤقت"، بسبب الجائحة والقرارات الحكومية بشأنها. وأضاف أنه توجد "سلبيات كثيرة في العادات بشكلها السابق؛ لأنها تسبب إرهاقاً اقتصادياً لأصحاب المناسبات وللراغبين في مجاملتهم".

ظروف الجائحة دفعت بمراجعة بعض العشائر الأردنية لبعض العادات الاجتماعية السلبية التي ترهق الناس في الأفراح والأتراح، عجلون، الأردن/ صحيفة الرأي

واجتماعياً ونفسياً، وفق صوالحة، "كثير من الأشخاص كانوا يجدون لزاماً عليهم تحمل ممارسات سلبية في أماكن التجمع (صالات الأفراح ودواوين العشائر)، كما أن عدم حضور مدعوين للمشاركة في المناسبة كان يتسبب بضغط نفسي وإزعاج لصاحبها".

ورغم تأييده للمظاهر الجديدة مع وجود كورونا، إلا أن صوالحة شدد على أن ما كان يجري سابقاً هو فرصة للقاء الناس ببعضها. وزاد بأن "وسائل التواصل الاجتماعي حلت لتكون طريقاً للمشاركة في المناسبات"، لكنه استبعد استمرارها بعد زوال كورونا.

وأعرب عن اعتقاده بأنه "سيكون هناك رد فعل عكسي بعد الجائحة، وسيعود الناس إلى ما كانوا عليه بشراهة وحنين جارف، لكن سرعان ما تأخذ الأمور شكلها الطبيعي".

لكن بكل تأكيد، سيؤدي الأثر الذي ستتركه الجائحة على العادات والتقاليد، إلى نوع من التهذيب لبعض الأنماط التي كانت سابقاً، والتي كانت تثقل كاهل الناس اقتصادياً، كما يقول صوالحة.

البعض الآخر يرى العادات الجديدة "إضعافاً للنسيج الاجتماعي"

أما حسين محادين، أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة، فيقول إن "الأصل في الأشياء هو أن الإنسان اجتماعي بطبعه، وفكرة الاجتماعية تؤدي أكثر من دور أو مهمة في الوقت نفسه". وتابع محادين للأناضول أن "إحساس الفرد بالأمان وأنه جزء من الجماعة، وتبادل المشاعر أو الطرق المختلفة للتعبير عنها في المناسبات، تؤشر ضمناً على مكانة الشخص المستضيف في الأفراح والأتراح".

لكنه اعتبر أن "هذه العادات تشكل أيضاً تحدياً متعدد العناوين، فاقتصادياً تؤدي دوراً تكافلياً من خلال ما يسمى التهادي أو النقوط (مبلغ مالي غير محدد يُعطى للعريس)، والذي يمثل "ديناً مدوراً يصار إلى سداده في فترات لاحقة".

الكثير من العادات في الأفراح والأتراح في الأردن تكون إجبارية ومرهقة بشكل كبير لأصحابها مثل استجار صالات كبيرة أو صنع موائد الطعام، تعبيرية/ مواقع التواصل

وأردف: "الشيء المضاف هو وجود تأثيرات نفسية اجتماعية، وتبادل مصلحي ذو مغزى ثقافي، ويتجلى هذا باستقرار العادات الاجتماعية عبر الأجيال إلى حد أنها أصبحت ملزمة ضمناً لأطراف التفاعل".

واستدرك: "لا ننسى أيضاً أن الدراسات العلمية تؤكد أن للعادات أعماراً أيضاً، فعندما يشعر أطراف التفاعل الاجتماعي، المستضيف والمستضيفون، أن هذه العادات قد ضعفت أو فقدت مبرراتها، يلجأ هؤلاء إلى ابتكار طرق جديدة تحقق ما سبق ذكره، وإن اختلفت آليات التعبير عنه".

ويرى محادين أن "التكنولوجيا وكورونا سهلتا على الناس الكثير من العناء، الذي يتمثل في التنقل من مكان إلى آخر داخل المحافظات أو خارجها". مضيفاً: "لعل الأهم في هذه التغيرات هو شعور الطرفين أن لهما مصلحة متبادلة في الأخذ بالطرق الجديدة، ولذلك نجد أن هناك فروقاً أيضاً في سرعة التغير، وفقاً لخصوصية الثقافة الفرعية التي ينتمي لها الأفراد والمجاميع، وهي في الأردن أربع ثقافات فرعية: البادية والريف والمدينة والمخيم".

"من هنا يمكن أن نستنتج لماذا أهلنا خارج المدن الكبرى ما زالوا متشبثين ومخاطرين أحياناً، بالرغم من وجود كورونا، بممارسة عاداتهم القديمة التي يعتقدون أن جلها ما زال صالحاً للعمل به، ويؤدي وظائف متعددة". معتبراً أن "التكنولوجيا عمقت القيم الفردية في المجتمع الأردني، وبالتالي بدأنا نشهد نوعاً من الذبول في هذه العادات بشكل أوضح في المدن".

وعن مدى استمرارية الممارسات التي ترافقت مع الجائحة، أجاب محادين بأنه "لا يمكن الحكم بأنها ستزول أو تستمر، إلا إذا قيست ضمن خصوصية كل الثقافات الفرعية في الأردن". ورأى أن "مثل هذه العادات الجديدة تُضعف النسيج الاجتماعي، وتقود الناس إلى الاغتراب".

تقارب افتراضي بدلاً من الوجاهي

من جهته، اختصر رامي الدويري، أستاذ التسويق الإلكتروني والتواصل الاجتماعي في الجامعة الأردنية، واقع المواطنين في المناسبات الاجتماعية مع كورونا بالقول: "أصبح السلام بـ like وتبادل أطراف الحديث بـ Comment  والإفصاح عن المشاعر بـ post".

وأضاف للأناضول: "أجبرنا كورونا على التباعد الاجتماعي، وأصبح التقارب الافتراضي هو البديل الأنسب.. لاحظنا في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ازدياداً في حالات الوفاة، لكنها في الواقع ليست كذلك، وإنما زادت مشاركة التعازي، فهي البديل عن دور العزاء".

إغلاقات كورونا في العاصمة الأردنية عمان، رويترز

ورجح الدويري زوال الطرق الجديدة مع انتهاء كورونا، إذ شدد على أن "الطبيعة البشرية لا تستغني عن التواصل الجسدي، ولديها قابلية النسيان كغريزة". لكنه لم يستبعد في الوقت ذاته أن يحل العالم الافتراضي بشكل أكبر بعد نحو 10 سنوات؛ عندما يكون جيل الألفية المرتبط بالتكنولوجيا قد دخل عقده الثالث.

وأثر كورونا خلال 2020، على منظومة الحياة في الأردن، وخاصة الجوانب النفسية والاجتماعية؛ لعدم توفر خبرات للمواطنين في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ما أدى إلى تجاذبات بينهم وبين الحكومة.

ورغم تأكيد الحكومة على عدم إقامة مناسبات اجتماعية، ارتكب كثيرون مخالفات وتم توقيفهم. وانسجاماً مع القرارات والتدابير الاحترازية لمواجهة الوباء، تشدد السلطات الأردنية يومياً على منع إقامة التجمعات لأكثر من 20 شخصاً. وسجل الأردن حتى الإثنين، 277 ألفاً و448 إصابة بالفيروس، بينها 3 آلاف و604 وفيات، و246 ألفاً و168 حالة تعافٍ.

تحميل المزيد