شكل عام 2020 عاماً صعباً بالنسبة إلى الليرة التركية، التي سجلت تراجعاً قياسياً به ولكنها توشك أن تختمه بانتعاشة لافتة وسط تحسن ملحوظ لتوقعات المؤسسات المالية الدولية لأدائها في 2021.
ويقوم بنك غولدمان بمراجعة توقعات الليرة بشكل أقوى مرة أخرى، ويرى مساراً أفضل من توقعاته السابقة حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وحسنت مؤسسة غولدمان ساكس الأمريكية توقعاتها لليرة للشهر الثاني لكنها قالت إن خطة البنك المركزي التركي لإعادة بناء الاحتياطيات من المحتمل أن تؤدي إلى تجاوز مكاسب العملة المتوقعة.
بعد التحول في النهج الذي حدده محافظ البنك المركزي ناجي إقبال "من المرجح أن تمنح الأسواق صانعي السياسات الليرة التركية ميزة الشك، بالنظر إلى ما يقرب من 15% من معدل الشراء السنوي الاسمي، وميل الدولار للهبوط مما لا يجعله الملاذ الآمن التقليدي"، حسبما قال محللون في غولدمان ساكس بقيادة زاك باندل في تقرير لعملاء.
وتتوقع المؤسسة الأمريكية الآن أن يكون سعر صرف الليرة مقابل الدولار عند 7.50 و 7.75 و 8.00 في 3 و6 و12 شهراً على التوالي، وذلك بالمقارنة مع 7.75 و 8.00 و 9.00 سابقاً.
ومرت الليرة التركية بعام صعب، ولكنها توشك أن تختمه بشكل إيجابي.
إذ تعتبر الليرة من بين أفضل العملات أداءً في العالم مقابل الدولار منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حسب الوكالة الأمريكية.
وارتفعت لليوم الرابع على التوالي يوم الجمعة الماضي، منهية الأسبوع عند 7.6232 مقابل العملة الأمريكية.
جاء ذلك بعد أن كان أداء الليرة لافتاً مع فرض العقوبات الأمريكية على هيئة مشتريات الدفاع التركية.
ووجد المستثمرون بعض العزاء في حقيقة أن الاقتصاد التركي والصناعة المالية قد نجيا من العقوبات الأمريكية.
والمفارقة أنه بعد إعلان العقوبات الأمريكية، محت الليرة خسائرها يوم الإثنين 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، وتم تداولها بزيادة بنسبة 0.3% أقوى عند 7.8338 للدولار اعتباراً من 1:07 بعد الظهر. في إسطنبول يوم الثلاثاء. كما ارتفعت الأسهم مع ارتفاع مؤشر بورصة إسطنبول 100 بنسبة 0.5%.
ويتوقع المحللون خطوات إيجابية من جهة أنقرة تعزز وضع الليرة.
إذ من المقرر أن يرفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نقطتين مئويتين في 24 ديسمبر/كانون الأول، وفقاً لبنك غولدمان، بعد زيادة قدرها 475 نقطة أساس تمت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ويتوقع معظم الاقتصاديين الذين استطلعت آراؤهم بلومبيرغ زيادة أقل في المؤشر القياسي إلى 16.5% من 15%.
وعد رئيس البنك المركزي التركي ببذل قصارى جهده للحد من التضخم وبناء الاحتياطيات الوطنية، ومواصلة التحول إلى السياسة النقدية التقليدية بعد عام من التخفيضات السريعة لأسعار الفائدة من قبل سلفه والتي أدت إلى نمو ائتماني سريع دعم النمو الاقتصادي ولكنه أدى إلى إضعاف العملة خاصة في ظل الجائحة والمشكلات السياسية مع الشركاء الغربيين.
وقال محافظ البنك المركزي التركي ناجي إقبال إن أحد العناصر الأساسية في مزيج سياسات العام المقبل سيكون تكديس الاحتياطيات الأجنبية دون زعزعة استقرار الليرة.
وقال محللو غولدمان إن الجهود ستؤدي على الأرجح إلى "مسار ثابت للعملة" بدلاً من "قوة مباشرة لها مقابل الدولار، بالنظر إلى استمرار ارتفاع التضخم والمخاطر السياسية"، محذرين من أن أي خطوات خاطئة قد تؤدي إلى رد فعل عنيف في السوق.
أسوأ عام
باع الأجانب الأسهم والسندات التركية بوتيرة قياسية عام 2020.
ومع أنه كان عاماً صاخباً في الأسواق العالمية التي دمرتها الفيروسات، لكن المستثمرين في تركيا كان لديهم المزيد من الدراما للتعامل معها أكثر من معظم المستثمرين، حسب وصف Bloomberg الأمريكية.
كان هناك عدم ارتياح من قبل المستثمرين للتدخلات في السوق، بما في ذلك القيود على البيع على المكشوف، والتي ساعدت على تحفيز التدفقات الخارجية القياسية.
كانت المخاطر الجيوسياسية كثيرة أيضاً، من خلال موقف تركيا من التنقيب عن الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط ، ومن النزاعات في سوريا وليبيا وبين أرمينيا وأذربيجان، وشرائها نظام دفاع جوي روسياً أغضب واشنطن.
ولكن يبدو أن تركيا حققت انتصارات عسكرية في الساحات الثلاث أذربيجان وسوريا وليبيا، مكنتها من الاحتفاظ بمقعد في طاولة المفاوضات ومحاولة جني ثمار التسويات، والتوتر مع اليونان لم يدفع الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات جدية، وبدا أن هناك رفضاً أوروبياً لمحاولات اليونان وفرنسا التصعيد ضد أنقرة.
وبعد المكاسب العسكرية والسياسية حان الوقت لأنقرة، لترميم خسائر الليرة.
وجاء التغيير في هذا الملف الاقتصادي، مع إصلاح شامل للإدارة الاقتصادية في تركيا مصحوباً بالتزام باتخاذ قرارات صديقة للمستثمرين.
كانت السياسة النقدية التي قامت على تخفيض أسعار الفائدة مفيدة للنمو الاقتصادي وهو ما جعل تركيا ثاني أكبر اقتصاد نمواً في مجموعة العشرين بعد الصين، ولكن تخفيض سعر الفائدة أضر بالليرة ورفع التضخم.
وقبل جائحة كورونا، شهدت الاحتياطات التركية من العملات الأجنبية والذهب زيادة كبيرة، وكانت تركيا تراهن عقب خروجها من أزمة عام 2018، على قدرتها على الاستفادة من تراجع الليرة لزيادة الصادرات وتعزيز السياحة لتحقيق فائض في ميزان المدفوعات والحساب الجاري، مع الحفاظ على سياسة خفض الفائدة التي أدت إلى تحقيق نمو اقتصادي جيد، وبالتالي يصبح الدولار الداخل للبلاد أكثر من الذي يخرج منها بعيداً عن الأموال الساخنة. ولكن جائحة كورونا جاءت لتفسد هذا التوازن، خاصة فيما يتعلق بتراجع قطاع السياحة.
وقال Ogeday Topcular، مدير المال في RAM Capital SA، إنه بعد التقلبات المتعددة في مخطط عام 2020، ما تحتاجه الدولة- والمستثمرون- بعد ذلك هو سياسات اقتصادية قوية وعلاقات دولية جيدة واستقلالية البنك المركزي.
حتى لو حدثت هذه الأشياء، فستكون عملية طويلة الأمد وجهوداً متواصلة لإعادة بناء العلاقة بين تركيا والمستثمرين الماليين "سيكون عام 2021 في الغالب حول إجراءات المتابعة بعد الوعود الأخيرة."
فيما يلي بعض المجالات ذات الأهمية الرئيسية لمديري الأموال والاستراتيجيين في عام 2021:
سياسة البنك المركزي
وعد الرئيس رجب طيب أردوغان باستعادة ثقة المستثمرين بعد رحيل صهره وزير الاقتصاد بيرات البيرق وإقالة محافظ البنك المركزي مراد أويسال، حتى لو كان ذلك يعني ابتلاع "حبوب مريرة"، حسب تعبير الرئيس التركي.
أدى ذلك إلى ارتفاع في الأصول التركية، لكن المستثمرين سيظلون متشككين على المدى القريب ويرغبون في رؤية "إجراءات مستمرة بدلاً من الأقوال".
وقال محافظ البنك المركزي الجديد ناجي أجبال يوم الأربعاء إنه سيشدد السياسة النقدية عندما تقتضي تطورات الأسعار ذلك.
وقال كريستيان ماجيو، رئيس الأسواق الناشئة في TD Securities في لندن، إن المستثمرين قلقون من التحولات التي شوهدت في السياسة النقدية والمالية التركية في السنوات الأخيرة.
قد يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة بشكل أكبر كاستجابة تقليدية للتضخم. لكن ماجيو قال: "في النهاية أعتقد أن الرئيس أردوغان سيحاول إعادة ضبط السياسة النقدية". لتكون ملائمة ومؤيدة للنمو، حتى لو كان هذا يهدد استقرار الأسعار على المدى الطويل.
وتوقع أن يلاحظ المستثمرون تغييراً في اتجاه السياسة في النصف الثاني من عام 2021.
إعادة بناء الاحتياطيات
أنفقت تركيا حيازاتها من العملات الأجنبية بشكل أسرع من أي اقتصاد نامٍ رئيسي آخر هذا العام، وكان تراجع الاحتياطات إلى أدنى مستوى في 15 عاماً في قلب تراجع الليرة.
يتطلب انتعاش احتياطات العملات الأجنبية إما أسعار فائدة أعلى أو معنويات صعودية تحفز تدفقات رأس المال الأجنبي.
قال فونيكس كالين، مدير استراتيجية الأسواق الناشئة في بنك سوسيتيه جنرال في لندن، إن السلطات التركية قد تركز على إعادة بناء الاحتياطيات خلال فترات قوة الليرة، وعلى إصلاح الثقة مع المستثمرين من خلال التنظيم المخفض في محاولة لجذب أموال المحفظة.
التضخم
ظل التضخم في خانة العشرات على مدار العام، جاءت الليرة الضعيفة، وارتفع أكثر من المتوقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مما زاد الضغط على أجبال لمواصلة تشديد السياسة النقدية.
إزالة الدولرة
يرتبط هذا الأمر ارتباطاً وثيقاً بقلق التضخم الذي يجعل الأتراك يفضلون الأصول القائمة على الدولار لحماية مدخراتهم.
بحلول الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2020، ارتفعت ودائع المقيمين الأتراك بالعملات الأجنبية بنسبة 19% تقريباً هذا العام لتصل إلى 231 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي التركي.
يأتي ذلك بعد قفزة بنسبة 20% في عام 2019، حتى عندما حث أردوغان المواطنين على استخدام العملة المحلية في المعاملات والاستثمار.
مع وجود فريق اقتصادي جديد وتفاؤل بشأن تحسن معنويات المخاطر العالمية، هناك شيء آخر يمكن أن يساعد العملة المحلية، حسبما قال المحلل الاستراتيجي في رابوبنك بيوتر ماتيس. وقال "العنصر المفقود الذي من شأنه أن يوفر لليرة زخماً صعودياً أقوى هو جني الأرباح من المراكز الطويلة بالدولار الأمريكي بين الأسر والشركات التركية (أي بيعهم للدولار الذين اشتروه والليرة أعلى سعراً مما يجعلهم يجنون ليرات أكبر في حال بيعهم لليرة حالياً".
ومع ذلك، من غير المرجح أن يخفف الأتراك قبضتهم على العملة الصعبة طالما لديهم شكوك حول استقرار السياسات الحكومية، كما قال محمد غيرز، كبير مسؤولي الاستثمار في Ata Portfoy.
العلاقات الأمريكية التركية.. بايدن وأردوغان
الخلافات بين أنقرة وواشنطن يمكن أن "تفسد الفوائد التي تجلبها السياسة النقدية الأكثر تقليدية"، حسبما قال هنريل جولبيرغ، حسبما يقول خبير الاقتصاد الكلي للأسواق الناشئة في Coex Partners Ltd في لندن.
وتوترت العلاقات بين الحلفاء في الناتو بسبب شراء تركيا لنظام صواريخ روسي من طراز S-400، وسجن قس أمريكي، والعقوبات الأمريكية التي أعلنت هذا الأسبوع، وقضية جنائية في نيويورك ضد بنك تركي مملوك للدولة. وبدا الرئيس دونالد ترامب وأردوغان على علاقة طيبة حتى وقع الأخير على الإجراءات ضد تركيا، في المقابل انتقد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن أردوغان، وقال إن الولايات المتحدة يجب أن تدعم المعارضين الذين يسعون للإطاحة به في صناديق الاقتراع.
ومع ذلك فإن مايتس من Rabobank هي من بين أولئك الذين لا يتوقعون أن يتبنى بايدن على الفور موقفاً عدائياً، حسبما نقلت عنها وكالة بلومبيرغ.
وقال ماتيس: "من المعقول أن نفترض أنه في بداية رئاسته، سيعطي بايدن الدبلوماسية فرصة أخرى".
اللقاح والسياحة
تراجعت أعداد السياح الأجانب الوافدين بأكثر من 70% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2020، بحسب أرقام وزارة السياحة التركية.
وقال أونور إيلجن، رئيس الخزانة في بنك إم يو إف جي بتركيا، إن هناك حاجة ماسة إلى الأخبار السارة بشأن كوفيد -19 وعلاجه.
وقال "إن الاستخدام الفعال للقاحات وتباطؤ الوباء سيكونان من العوامل الحاسمة للاقتصاد الكلي".
وقال فيكتور زابو، كبير مديري الدخل الثابت في أبردين أسيت مانغمنت بلندن، إن توفر اللقاحات قد لا ينقذ الموسم السياحي المقبل، "ولكن هناك احتمال لمفاجأة صعودية".
يبدو مستقبل الليرة التركية معلقاً بثلاثة أشخاص، محافظ البنك المركزي التركي الذي اكتسب ثقة الأسواق الدولية، والرئيس التركي الذي عليه جني ثمار نجاحاته العسكرية والسياسية والتخلي على سياسة التيسير الاقتصادي ولو مؤقتاً والتي أفادت النمو بشكل كبير ولكنها أضرت الليرة، والرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، ومدى حرصه على ترميم العلاقات مع تركيا الشريك الأطلسي المهم لواشنطن.
ولكن التحدي الذي قد يخرج عن السيطرة بالنسبة لتركيا وللعالم برمته هو مخاطر السلالة الجديدة من فيروس كورونا.