من المصالحة مع قطر إلى تهدئة التوتر مع تركيا إلى البحث عن مخرج من مستنقع الحرب في اليمن، كيف تسعى السعودية إلى إعادة تكييف سياستها الخارجية استعداداً لتولي إدارة جو بايدن مقاليد السلطة قريباً؟
تشكيل حكومة يمنية جديدة
رغم أن اتفاق الرياض الخاص بمحاولة حل الصراع بين الحكومة اليمنية المعترف بها شرعياً والمجلس الانتقالي الجنوبي يرجع تاريخ توقيعه إلى 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلا أن الأيام القليلة الماضية شهدت أخيراً الإعلان عن تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق ومن ثم الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة مناصفة بين الجانبين.
ورغم الترحيب الإقليمي والدولي بالإعلان عن تشكيل الحكومة، يرجع مراقبون الخطوات الجارية الآن على الأراضي اليمنية إلى ضغوط شديدة تمارسها السعودية على جميع الأطراف على الأرض سياسياً وعسكرياً لتنفيذ اتفاق الرياض.
ويرى هؤلاء المراقبون أن تنفيذ الاتفاق الذي جرى بوساطة المملكة بات حاجة سعودية إماراتية قبل أن تكون يمنية، وذلك لاستباق أي تغييرات قد تطرأ على سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس المنتخب، جو بايدن، بشأن دعم واشنطن للتحالف الذي تقوده السعودية.
ويتوقع مركز صنعاء للدراسات، ومقره بيروت، أن يُجدد في فبراير/شباط المقبل 2021 قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 – الذي شكل الأساس القانوني للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن – في إبريل/نيسان 2015 ويضيف المركز أن حملة بايدن كانت تعهدت بأن "سحب الدعم الأمريكي للجهود الحربية السعودية لن يكون كافياً لتحقيق السلام في اليمن ما لم يكن مصحوباً بزيادة تفعيل الدبلوماسية لمساعدة السعودية على الخروج من المستنقع الذي أوجدته لنفسها"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وقال الكاتب والباحث السياسي اليمني عبدالناصر المودع لـ"بي بي سي" إن السعودية تحاول تطبيق اتفاق الرياض الذي تأخر لأكثر من أحد عشر شهراً لأكثر من سبب في مقدمة تلك الأسباب "أن ذلك التأخير يحرجها" خصوصاً مع مجيء إدارة أمريكية جديدة "تخشى الرياض أن تختلف سياستها عن الإدارة الحالية برئاسة دونالد ترامب".
السعودية والمصالحة الخليجية وتركيا
لكن المتابع للمشهد السياسي في الشرق الأوسط منذ خسارة ترامب الانتخابات لصالح جو بايدن قد لا يجد صعوبة تذكر في ملاحظة التوتر والقلق المسيطر على بعض عواصم المنطقة وبخاصة تلك التي كانت تتمتع بحصانة خاصة في البيت الأبيض من خلال وجود ترامب، ومنها بالطبع العاصمة السعودية الرياض.
وقد نشرت مجلة المونيتور الأمريكية تقريراً بعنوان "السعودية تتخذ خطوات إقليمية رئيسية مع وصول إدارة بايدن"، رصد سعي الرياض لتعديل أهداف السياسة الخارجية في ظل الاستعداد للتغير في الإدارة الأمريكية.
فالرياض تتوقع تغيراً درامياً في سياسة واشنطن الخارجية تجاه العالم العربي وهو ما يدفع السعودية لإعادة التفكير في علاقاتها الإقليمية هذه الأيام، وانعكس هذا بشكل واضح في ملف الأزمة مع قطر والذي من المتوقع، طبقاً للتقارير الإعلامية الأخيرة، أن يتم الإعلان عن التوصل لمصالحة خلال اجتماع مجلس التعاون الخليجي يناير/كانون الثاني المقبل وربما قبل ذلك.
وفي السياق ذاته يأتي الاتصال الهاتفي الذي أجراه العاهل السعودي الملك سلمان مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل يوم واحد من استضافة الرياض قمة مجموعة العشرين افتراضياً بسبب فيروس كورونا والاتفاق على "الحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة".
ومنذ ذلك الاتصال بدت بالفعل مؤشرات التحسن التدريجي في العلاقات بين أنقرة والرياض وأسقطت السعودية خطط حظر المنتجات التركية التي كانت منتشرة بقوة في الأشهر الأخيرة، وجاء الرد من الجانب التركي إيجابياً حيث غرد وزير الخارجية داوود أوغلو يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قائلاً "الشراكة القوية بين تركيا والرياض مفيدة ليس فقط للبلدين بل للمنطقة ككل".
والتقارب بين تركيا والسعودية خلال الأسابيع القليلة الماضية ليس سراً، فقد تناولته كثير من وسائل الإعلام في المنطقة وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ونشر موقع VOANews تقريراً بعنوان "رئاسة بايدن والحقائق الاقتصادية تمهد لتقارب سعودي-تركي"، وهو ما يؤكد التحولات التي تشهدها السياسة الخارجية السعودية في هذه الفترة.
بايدن المتحفز ضد الرياض
شهدت الحملة الانتخابية لبايدن تصريحات وصفها البعض بالعنيفة والمقلقة تجاه الرياض، حيث تعهد الرئيس المنتخب بأنه سوف "يعيد تقييم" علاقات واشنطن مع الرياض، بل وعد بأنه سيعيد السعودية إلى وضعها "كدولة منبوذة"، وذلك خلال إحدى المناظرات بين مرشحي الحزب الديمقراطي العام الماضي. والواضح أن الرياض كانت تعول على فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية، لكن فوز بايدن أجبرها على إعادة تقييم الموقف.
فإدارة بايدن تضع على رأس أولوياتها في المنطقة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران والذي انسحب منه ترامب، وهي مهمة لن تكون سهلة أو ميسورة بطبيعة الحال وتحتاج الإدارة الجديدة إلى أن تتعامل مع ذلك الملف الشائك في أجواء أقرب للاستقرار بكثير من تداعيات سياسات ترامب.
لذلك تسعى الرياض من خلال التغيير في سياستها إلى تقديم نفسها كداعم لسياسات الإدارة الجديدة وليست عقبة في طريقها، لكن تلك التغييرات على الأرجح ستؤدي إلى تشققات في التحالف مع الإمارات بشكل خاص، فإقناع أبوظبي بإنهاء الأزمة مع قطر يظل تحدياً، لكن الواضح أن السعودية قد قررت المضي قدماً في سياستها الجديدة تجاه قطر وتركيا واليمن بغض النظر عن الموقف الإماراتي.
فالسعودية تواجه مأزقاً حقيقياً يتمثل في ملف حقوق الإنسان لديها والذي يضعه بايدن على أجندته بشكل واضح، عكس ترامب، ولا تزال قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا – والتي تطال الاتهامات فيها ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان – مفتوحة رغم الأحكام التي أصدرها القضاء السعودي في القضية وإغلاقها، فالمحاكمة السعودية لم تقنع أحداً خارج المملكة.
وليست قضية خاشقجي فقط نقطة الضعف الوحيدة في الملف الحقوقي، فهناك أيضاً مسؤول المخابرات السابق سعد الجبري واتهاماته لبن سلمان أمام محكمة أمريكية بمحاولة ولي العهد اغتياله في كندا من خلال نفس فريق الاغتيالات الذي قتل خاشقجي، بخلاف الناشطين والناشطات المعتقلين في الداخل.
هذه القضايا وغيرها من الانتهاكات الحقوقية السعودية لم تكن تمثل مصدر قلق كبيراً للقيادة السعودية في ظل رئاسة ترامب طوال السنوات الأربع الماضية، لكن الآن انقلبت الأمور رأساً على عقب مع خسارة ترامب وفوز بايدن وهو ما أجبر الرياض على تغيير سياساتها حتى قبل توليه منصبه رسمياً.