"أسماء لقادة مرعبين" تظهر بقائمة الحاصلين على الوسام الفرنسي الذي ناله السيسي خلال زيارته لباريس مؤخراً، والذي أثار منحه للرئيس المصري الجدل في فرنسا، ولكن تبين أن الجدل المحيط بهذا الوسام يعود لعقود مضت.
إذ يبدو أن هناك تاريخاً صادماً وتفاصيل غامضة حول وسام جوقة الشرف الفرنسي الذي قدمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنظيره المصري، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
تفاصيل الجدل الذي أثاره الوسام الفرنسي الذي ناله السيسي
وكان الرئيس المصري قد لاقى ترحيباً في باريس وسط ضجة كبيرة بين يومي 6 و8 ديسمبر/كانون الأول، غير أنه وُجهت انتقادات حادة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقوله إنه لن يربط بين بيع الأسلحة لمصر مستقبلاً وحقوق الإنسان.
لكن الأنباء التي أثارت الضجة الأكبر على شبكة الإنترنت كانت كشف وسائل الإعلام الحكومية المصرية أن السيسي حصل على وسام جوقة الشرف، أحد أرفع أوسمة الاستحقاق في فرنسا.
وكان نشطاء حقوق الإنسان، قد عبروا عن غضبهم من الاستقبال الحافل الذي حظي به السيسي من ماكرون، رغم أنهم أثناء الزيارة نفسها، لم يعلموا بأمر منح السيسي أعلى وسام في البلاد، إلى أن كشفت وسائل الإعلام المصرية الأمر.
وأعلن اثنان من الشخصيات الإيطالية البارزة- كورادو أوغياس، الصحفي والعضو السابق في البرلمان الأوروبي، وجوفانا ميلاندري، وزيرة الثقافة السابقة، أعلنا في في وقت لاحق يوم الإثنين تخليهما عن وساميهما احتجاجاً على منحه للسيسي، متعللين بتعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016، المشتبه في قتله على يد قوات الأمن المصرية.
ونشرت صحيفة "لا ريبابليكا" اليسارية رسالة الصحفي الإيطالي البالغ من العمر 85 عاماً، الذي كتب إن سبب تخليه عن أعلى وسام فرنسي هو منح السيسي وساماً مماثلاً، واصفاً السيسي بـ "شريك المجرمين الفظيعين".
وبعد إعلان هذا الخبر لم يُقدَّم سوى القليل عن معنى وتاريخ هذا الوسام الفرنسي الذي ناله السيسي، حيث وصف بعض مستخدمي الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الدولية هذا الحدث على أنه إشارة إلى الرضا عن السيسي.
غير أن هذا الوسام الفرنسي الذي ناله السيسي في الواقع جزء من تقليد دبلوماسي فرنسي قديم ومثير للجدل وما يزال محاطاً بالسرية، حسب الموقع البريطاني.
كما أكد مصدر دبلوماسي فرنسي أن "تبادل الأوسمة هو أحد العناصر التقليدية لزيارات الدولة النادرة إلى فرنسا التي لا يتجاوز عددها الواحدة أو الاثنتين كل عام إلى فرنسا". وتابع أنه "لأن الزيارات يقوم بها رؤساء دول فهم يمنحون أرفع الأوسمة".
ما وسام جوقة الشرف الفرنسي؟
تأسس وسام جوقة الشرف عام 1802 في عهد نابليون بونابرت، وهو أرفع وسام وطني في فرنسا، ويُمنح لأفراد الجيش والمدنيين تقديراً "لخدماتهم الجليلة" للبلاد.
ويُقدِّر الموقع الرسمي لوسام جوقة الشرف أن أكثر من مليون شخص حصلوا عليه منذ إطلاقه، وحوالي 92 ألف منهم ما يزالون على قيد الحياة.
ينقسم وسام جوقة الشرف إلى ثلاث مراتب: فارس جوقة الشرف وضابط جوقة الشرف وقائد جوقة الشرف. ويوجد لقبان رفيعان آخران منفصلان هما الضابط الأكبر والصليب الأكبر.
وأوردت التقارير أن الوسام الفرنسي الذي ناله السيسي هو وسام الصليب الأكبر لجوقة الشرف.
ورغم أن هذه المراتب الثلاث من وسام جوقة الشرف تُمنح على أساس الجدارة، إلا أن وساميّ الضابط الأكبر والصليب الأكبر هما في فئة منفصلة، ومنحهما يعتبر لفتة دبلوماسية تُترك لتقدير القائد الأكبر لجوقة الشرف أي: الرئيس الفرنسي.
وصرحت المستشارية الكبرى لوسام جوقة الشرف لقناة France 24 الإخبارية عام 2017 بأن وسام الصليب الأكبر يظل "من امتيازات رئيس الجمهورية"، أي ماكرون.
ولا توجد إحصاءات رسمية عن عدد أوسمة الصليب الأكبر الممنوحة، لأنها أقل علنية بكثير من أوسمة الشرف الأخرى. ولا تقام احتفالات علنية عادة لمنح هذه الأوسمة، والجريدة الرسمية الفرنسية غير ملزمة بإصدار أي إعلان عند منحها.
وعام 2017 أعلن ماكرون أن منح وسام جوقة الشرف سيصبح أكثر انتقائية، لكن خطة تقليل عدد الأوسمة الممنوحة لم تمتد لتشمل فئة الصليب الأكبر، بدعوى ضمان "المعاملة الدبلوماسية بالمثل".
قائمة صادمة لمتقلدي وسام الصليب الأكبر لجوقة الشرف؟ أحدهم احتل فرنسا
كان منح وسام الصليب الأكبر لجوقة الشرف للسيسي، إذاً، من أعراف تمييز رؤساء الدول الأجنبية أثناء الزيارات الدبلوماسية إلى فرنسا، حتى لو شكك كثيرون في ضرورة هذا التكريم لرئيس متهم بممارسة القمع الغاشم على بلاده.
ويُذكر أن بعض المسؤولين الفرنسيين سبق أن سلطوا الضوء على أن وسام جوقة الشرف- سواء كان الصليب الأكبر أو غيره- أصبح بادرة حسن نية مهمة في الدبلوماسية الفرنسية.
وقال دبلوماسي فرنسي لشبكة France Info، شريطة عدم الكشف عن هويته، عام 2018: "أقضي وقتي في منح الأوسمة. والأجانب يعتبرون وسام جوقة الشرف وساماً رفيعاً! وأداة تأثير حقيقية. وهو جزء من البروتوكول مع معظم البلدان، خلال كل زيارة رسمية إلى فرنسا".
والسيسي ليس الشخص الوحيد الذي أثير الجدل حول استحقاقه وسام الصليب الأكبر لجوقة الشرف. إذ تلقى العديد من رؤساء الدول المعروفين بانتهاك حقوق الإنسان وسام الصليب الأكبر لجوقة الشرف من فرنسا البلد الذي يُعرَف نفسه بأنه "بلد حقوق الإنسان".
ومن بين متلقيه المعروفين الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني (الذي احتلت جيوشه أجزاء من جنوب فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية)، والجنرال الإسباني فرانشيسكو فرانكو والرئيس الروماني السابق نيكولاي تشاوتشيسكو (الذي حاول وأد الثورة التي قامت عليه بوحشية وانتهى الأمر بإعدامه).
وفي سيناريو مشابه للسيناريو المحيط بالسيسي، أثار منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الوسام جدلاً أيضاً عام 2006 بعدما بثت وسائل الإعلام الروسية لقطات من الحفل فيما لم يُعلم الصحفيون الفرنسيون بشأن الاحتفال.
كما ينحدر عدد من المكرمين بالوسام من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضاً، مثل الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، الذي أطيح به في ثورة عام 2011 بعد 23 عاماً من حكمه، عام 1989؛ والأمير محمد بن نايف عام 2016، عندما ولياً لعهد السعودية.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد أحد المُكرَّمين القلائل الذين طُلب منهم إرجاع وسام الصليب الأكبر، بناءً على طلب ماكرون عام 2018.
ورغم تعديل بروتوكول وسام جوقة الشرف عام 2010 ليصبح من الممكن تجريد المُكرَّمين من هذا اللقب الشرفي، تظل هذه العملية أيضاً محاطة بسرية شديدة، وهو ما يعني أنه إذا أراد رئيس فرنسي في المستقبل إلغاء قرار ماكرون المتعلق بمنح هذا الوسام للسيسي، فقد لا نسمع شيئاً عن ذلك.