وسط التقارير عن قرب التوصل لاتفاق ينهي الأزمة الخليجية يظل السؤال حول الأوضاع الاقتصادية لدول الخليج الهاجس الأساسي لمواطني تلك الدول، فالأزمة الثلاثية من تراجع أسعار النفط وتداعيات فيروس كورونا والحصار تركت تحديات هائلة.
فمع عودة التصدع الذي شاب العلاقات الخليجية إلى بؤرة الأحداث مؤخراً، وسط تقارير جديدة أن ثمة نهاية لهذا الخلاف قد تلوح في الأفق تتجسّد التحدّيات الهائلة التي تواجه اقتصادات دول الخليج، وإن بنسب متفاوتة، ومدى تأثير إغلاق ملف الحصار بنجاح في حالة حدوثه فعلياً.
كيف أثر الحصار على قطر؟
موقع Al-Monitor الأمريكي تناول قضية التحديات التي تواجهها اقتصادات دول الخليج وفرص النجاح في مواجهتها، ومدى تأثير مجلس التعاون الخليجي في تلك المواجهة حال انتهاء النزاع الخليجي قريباً.
والأزمة الخليجية بدأت عندما فرضت 4 دول عربية حصاراً على قطر في منتصف عام 2017، على أمل إجبار الإمارة الغنيّة بالغاز على التراجع والامتثال لقائمة مؤلّفة من 13 مطلباً، تتضمّن قطع العلاقات مع إيران، وجماعة الإخوان المسلمين، وإغلاق شبكة الجزيرة.
لكن ما جرى في المقابل هو أن تلك الأزمة قد أصقلت الاقتصاد القطري -إذ تأسست 47,000 شركة منذ عام 2017- وعززت الفخر الوطني بالمنتجات المصنوعة محلياً. ونفت الدوحة الاتهامات الموجّهة إليها مراراً وتكراراً، مشيرة إلى أن هذا الحصار يهدف إلى تقويض سيادتها، وأنه قد جاء كردٍّ على فتح خطوط التجارة الجديدة مع عدّة بلدان بينها تركيا وإيران المجاورة.
وفي الأيّام الأخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أشارت "بعض التحرّكات" إلى نهاية تلوح في الأفق لهذا الخلاف القائم منذ ثلاث سنوات، إذ ورد أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وصهر ترامب غاريد كوشنر قد بذلوا محاولة أخيرة لإنهاء هذا الخلاف.
وصرَّحت مصادر لوكالة Reuters بأن ثمة اتفاقاً مبدئياً قد يُعلن عنه خلال القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي، المقرر انعقادها في يناير/كانون الثاني 2021. وأعلن البيت الأبيض قبل يومين أن ترامب أجرى اتصالاً هاتفياً مع ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز، تناول الأزمة الخليجية، وسط مؤشرات على رغبة الرئيس المنتهية ولايته في إنهاء الأزمة قبل مغادرته البيت الأبيض 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
كيف تؤثر الأزمة على الاقتصاد؟
ثبت أن أزمة مجلس التعاون الخليجي تمثل تحدياً لوجيستياً أمام آلاف الشركات التي تدير أعمالها بأرجاء المنطقة، وتدير أصولاً مادية عبر الحدود من مقارّها الرئيسية في الإمارات العربية المتحدة. وقال سكوت ليفرمور، كبير الاقتصاديين في مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس الشرق الأوسط، لموقع Al-Monitor: "لا أعتقد أن اقتصادات الخليج أفضل حالاً في الأزمة من عدم وجودها".
كما قوّض الخلاف جاذبية اقتصادات الخليج بوصفها سوقاً واحدة، حيث يخشى بعض المستثمرين الدوليين أن تسود المنافسات السياسية على سيادة القانون والمصالح التجارية. ويقول ليفرمور إن "المستثمرين يحبون الاستقرار ويكرهون حالة عدم اليقين".
حلّت الأزمة بالتزامن مع تجلّي ضعف اقتصادات الخليج إثر انهيار أسعار النفط بين عاميّ 2014 و2016. ثم جاءت جائحة فيروس كورونا مطلع العام الجاري متزامنةً مع أزمة انهيار أسعار النفط لتجبر صناع القرار في بعض الدول الخليجية على التصرّف سريعاً وفرض ضرائب لم يكن من الممكن تصوّرها، كمحاولة لحماية الوضع المالي للبلاد.
وهكذا ظهر مصطلح التقشف للمرة الأولى في الأدبيات الاقتصادية في أكبر دولة خليجية وهي السعودية، إذ حذّر وزير المالية السعودي من ضرورة اتخاذ إجراءات "صارمة ومؤلمة"، ويبدو أن تلك الإجراءات قد لا تكون مؤقتة.
وفي الوقت نفسه أنفقت حكومات الإمارات، والسعودية، وقطر، إجمالي 190 مليون دولار، في الفترة بين 2016 و2020 للضغط على الإدارة الأمريكية لتأجيج "حرب سرديّات"، حسبما أفاد مركز الدراسات المتجاوبة الذي يقدّم بيانات عن نفقات كسب التأييد.
ماذا عن دور مجلس التعاون الخليجي؟
من الطبيعي أن تتوجه الأنظار إلى الدور الذي قد يلعبه مجلس التعاون الخليجي في أعقاب انحسار جائحة كورونا، فهو الجهة المنوط بها تنسيق جهود التنوّع الاقتصادي، حيث تنطوي بنود ميثاق المجلس على تحفيز تعاون القطاع الخاص والتقدّم التكنولوجي.
لكن على الجانب الآخر، يعتقد البعض ومنهم نبيل نويرة، المحلل المتخصص بالشأن الخليجي، أن توحيد صف دول الخليج لا يلوح في الأفق، إذ إن الأعضاء الستّة يخوضون منافسة اقتصادية مع بعضهم البعض. وقال نويرة: "إن مجلس التعاون الخليجي ميت بالفعل، ولا ينبغي أن نتوقّع منه الكثير".
فحتّى قبل اندلاع الأزمة في عام 2017، لطالما أدت المصالح المتنافسة والافتقار إلى مواءمة السياسات، وتباطؤ التعاون الاقتصادي إلى عرقلة التحالف السياسي والاقتصادي الذي تأسس قبل أربعة عقود، وغالباً ما يوصف بأنه "سبيل لتحقيق طموحات السعودية".
فلم يرّ مشروع العملة الموحّدة والبنك المركزي الخليجي، الذي كان يُتوقّع إنجازه في عام 2010، النور قَطّ، وصار الفشل في فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% رمزاً للتعاون الإقليمي غير الفعال. ويذكر أن عمان، والكويت، وقطر لم تفرض الضريبة بعد، بينما ضاعفتها السعودية ثلاث مرّات لتبلغ 15% في يوليو/تموز 2020.
إن انخفاض أسعار النفط واحتمال حدوث تحوّل عالمي في مجال الطاقة خلال العقود المقبلة يجعل ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان مُرغماً على تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، مع المخاطرة بتحدّي مكانة الإمارات الراسخة بوصفها المحور الاقتصادي للخليج، ومن ثمّ "فالصراع السعودي الإماراتي قادم"، حسب وصف نويرة.
وكان ترامب قد قال إنه "يأمل" أن تعمل دول الخليج "نحو تعاون مستقبلي" كان يتطلّع إليه الأمير الكويتي الراحل، والمدافع المخضرم عن وحدة الخليج الذي وافته المنية في 29 سبتمبر/أيلول، صباح الأحمد، بعد سنوات من المحاولات الفاشلة الرامية إلى إنهاء أزمة مجلس التعاون الخليجي.
لكن يظل التساؤل قائماً بشأن مدى القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه دول الخليج، حتى في ظل إتمام المصالحة، لأن اقتصادات تلك الدول اعتمدت تاريخياً على إيرادات النفط. فبعد أزمات النفط المتكررة وآخرها الأزمة الحالية الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا أصبح تنويع مصادر الاقتصاد ضرورةً حتمية.