يضع الاختراق الضخم الذي تعرَّضت له الحكومة الفيدرالية الأمريكية الرئيس دونالد ترامب أمام نفس الخيار الذي واجه باراك أوباما في الأيام الأخيرة من ولايته، وهو إن كان سيفرض عقوبات على روسيا، ومدى قسوة تلك العقوبات. لكن حتى الآن، يبدو أن ترامب الذي يفضِّل الصمت المطبق، لا يبدي أي استعداد لفرض عقوبات على روسيا، التي يشار لاستخباراتها بأصابع الاتهام حول هذا الهجوم الكبير والمعقد.
وحتى اللحظة، لا يزال يتم اكتشاف آثار ومدى اتساع الهجوم السيبراني الواسع، وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي ماركو روبيو، الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول 2020 لتلفزيون Fox News الأمريكي، إنه "هجوم كبير وأرجح أنه ما زال متواصلاً".
هل يفرض ترامب عقوبات على روسيا كما فعل أوباما من قبل؟
تقول وكالة Bloomberg الأمريكية، إنه عند مواجهة أوباما بالأدلة التي أثبتت تدبير حكومة فلاديمير بوتين هجمات إلكترونية بهدف التدخل في انتخابات 2016، فرض أوباما عقوبات على أجهزة الاستخبارات الروسية وطرد 35 دبلوماسياً.
والآن، على ترامب بدوره أن يقرر فرض عقوبات على روسيا، كما فعل أوباما، أم يتساهل مع الرئيس الروسي ويترك المسألة للرئيس المنتخب جو بايدن لكي يتخذ رد الفعل المناسب على الاختراق الخطير.
وعلى عكس ترامب الصامت، توعَّد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بفرض عقوبات على الأفراد والجهات المسؤولة عن عمليات الاختراق الإلكتروني التي تتعرض لها أمريكا. في المقابل وصفت أصوات في الكونغرس ما حصل بأنه "يكاد يرقى إلى إعلان حرب"، متهمين روسيا بالوقوف وراءه.
انتقادات لاذعة تطال "ترامب الصامت المتقاعس"
ويتعرض ترامب لضغوط متزايدة للرد علناً على الاختراق الإلكتروني الهائل للحكومة الأمريكية، إذ يواجه دعوات من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين للتنديد بالهجوم، الذي يعتقد أنه مستمر دون أن يتم اكتشافه منذ تسعة أشهر.
وانتقد ميت رومني، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية يوتا والمرشح الجمهوري للرئاسة لعام 2012، "الصمت الذي لا يغتفر وتقاعس البيت الأبيض" بشأن الاختراق. وقال في مقابلة الجمعة: "ما أجده أكثر إثارة للدهشة هو أن اختراقاً إلكترونياً من هذا النوع، هو في الحقيقة المعادل الحديث للقاذفات الروسية التي يقال إنها تحلق دون أن يتم اكتشافها فوق البلد بأكمله، لذا فإن أمننا القومي ضعيف للغاية.. لذا فإن عدم جعل البيت الأبيض يتحدث بقوة ويحتج ويتخذ إجراءات عقابية هو حقاً غير عادي حقاً".
من جهته وصف ديك دوربين، ثاني أكبر عضو ديمقراطي في مجلس الشيوخ، الهجمات بأنها "إعلان حرب تقريباً"، وانتقد ترامب لقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلاً إن "السيد ترامب يصفه بأنه صديقه المفضل".
ولا تزال الوكالات الحكومية ومئات الشركات المدرجة ضمن قائمة "فورتشين 500" يقيّمون الأضرار الناجمة عن الهجوم الإلكتروني، الذي جاء على شكل رمز خبيث مدمج في تحديثات برنامج شركة SolarWinds لإدارة الشبكات الكهربائية، والذي يستخدم على نطاق واسع.
ووصفت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية الأمريكية هذا الهجوم يوم الخميس، 17 ديسمبر/كانون الأول، بـ"الخطر الجسيم" على الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية، إلى جانب البنية التحتية الحيوية والقطاع الخاص. وقالت شركة SolarWinds إن 18 ألف عميل قاموا بتنزيل تحديث البرنامج المَعيب.
ما سر صمت ترامب على الاختراق، ولماذا التقليل المستمر من التصرفات الروسية؟
أظهر ترامب باستمرار تردداً في توجيه اللوم إلى بوتين علناً، وفي الأخص عندما انحاز بشكل مثير للجدل إلى الرئيس الروسي على حساب رؤساء المخابرات الأمريكية من خلال التساؤل عما إذا كانت موسكو قد تدخلت بالفعل في انتخابات عام 2016.
وحتى يوم الجمعة، لم يعلق ترامب على الاختراق. ومع ذلك، فقد قام بالتغريد حول "خدعة روسيا"، وهو المصطلح الذي استخدمه للتحقيق في التدخل الروسي في حملة عام 2016.
وبرغم تعرض أوباما لانتقادات بسبب رد فعله البطيء جداً على التدخل الروسي في الانتخابات 2016، فقد أشعلت العقوبات التي فرضها على روسيا واحداً من أكثر الأحداث إثارة في عهد ترامب، عندما تواصل مستشار الأمن القومي السابق في عهد ترامب، مايكل فلين، مع روسيا لحثهم على عدم الاستجابة لعقوبات أوباما. ويُذكر أن ترامب أصدر عفواً عن فلين الشهر الماضي بعد إدانته بالكذب بشأن المحادثات التي أجراها مع السفير الروسي بشأن هذه المسألة.
حاول ترامب والعديد من كبار مساعديه مراراً وتكراراً تسليط الضوء على الصين باعتبارها أكبر تهديد للأمن القومي لأمريكا، والتقليل من شأن التصرفات الروسية مقارنة بها. لذا، إنهاء ترامب ولايته بفرض أي عقوبة على روسيا سيتعارض مع هذه الاستراتيجية.
هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تستجيب بها إدارة ترامب للهجوم الإلكتروني، مثل فرض عقوبات جديدة على أجهزة الاستخبارات الروسية. إلا أن أحد التحديات أمام المسؤولين هو الفشل الواضح لمثل تلك الإجراءات في ردع روسيا في الماضي.
الإدارة الأمريكية القادمة ملزمة بردة فعل "أكثر جدية" مع روسيا
والمشكلة الأخرى التي يتعين على ترامب، وبايدن لاحقاً، التعامل معها هي عدم معرفة أي شخص المدى الحقيقي للاختراق، وما قد يفعله المخترقون بالمعلومات التي حصلوا عليها. التطفل على شبكات العدو أمر تفعله البلدان بشكل روتيني مع بعضها البعض، وبقدر ما يكون هذا الاختراق "وقحاً وسافراً" كما تصفه بلومبيرغ، لا يؤدي إلى أكثر من استجابة متوسطة، بما يتماشى مع ما فعلته الإدارات السابقة من قبل.
ولكن إذا استخدم المخترقون تلك البيانات في أغراض أكثر تدميراً، مثل فصل الشبكات الكهربائية أو سرقة الحسابات المصرفية للأفراد أو نشر معلومات حساسة، قد يفرض ذلك على الإدارة الأمريكية استجابة أكثر جدية.
بالنظر إلى أنه من غير المرجح ردع روسيا عن تصرفاتها، يرى الخبراء أن أفضل طريقة هي إعادة التفكير بشكل أساسي في القضايا الإلكترونية، الأمر الذي سيتطلب ضخ أموال جديدة ووقتاً أطول مما لدى فريق ترامب الذي تنتهي ولايته بتنصيب بايدن في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.