على الرغم من إحكام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبضته على السلطة في البلاد منذ عقدين من الزمان حتى بات يُعرف بأنه القيصر الجديد في موسكو، فإن العام الأخير كشف عن قلق كبير على ما يبدو يشعر به بوتين.
فقد أمضى بوتين معظم عام 2020 في عزلة اجتماعية اتقاءَ الإصابة بفيروس كورونا، فإن هذا العام كان عاماً حافلاً بالعمل للرئيس الروسي فقد غيّر الدستور الروسي ليسمح لنفسه بالبقاء في السلطة حتى عام 2036، كما أجرى تحركات للاحتفاظ بنفوذه على "الخارج القريب" مع اندلاع الاحتجاجات في بيلاروسيا واشتعال الصراع في ناغورنو قره باخ، علاوة على أنه، وفقاً لعدد كبير من الأدلة التي نُشرت هذا الأسبوع، أمر باغتيال خصمه السياسي البارز بسلاح كيميائي.
وبحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية الآن، مع ورود أنباء عن إحدى أكبر وأشد عمليات الاختراق الإلكترونية لبيانات الحكومة الأمريكية في التاريخ، وبروز روسيا مشتبهاً رئيسياً، يبدو أن بوتين وأجهزة استخباراته ربما استحضروا بهذا الهجوم شهيتهم في اتخاذ خطوات جريئة ومثيرة للجدل، بعد ست سنوات من ضم القرم وأربع سنوات من التدخل المزعوم لمساعدة حملة دونالد ترامب الانتخابية.
محاولات اغتيال المعارضين تنذر بشيء ما!
من جهة أخرى، ومع انتهاء فترة وجود ترامب في البيت الأبيض، يدخل بوتين عامه الثاني والعشرين بوصفه الشخصية السياسية الأبرز في روسيا. ومع ذلك، فإن الهجوم الذي شنه على زعيم المعارضة، ألكسي نافالني، الذي نجا، يشي بزعيم قلق ونظام متوتر، ويفتقر إلى أي ثقة على الإطلاق بشأن المستقبل.
يعتبر بوتين سياسياً أكثر ذكاءً وشعبية من الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، لكن السرعة التي تلاشى بها إجماع التأييد الذي كان يحظى به الأخير في الدولة المجاورة لروسيا أثار نوعاً من عدم الارتياح بين أوساط صانعي القرار في الكرملين. إذ حتى وإن كانت الحركة الاحتجاجية المتماسكة في مدينة خاباروفسك الواقعة في أقصى شرق البلاد قد تراجعت، فإنها مع ذلك دقّت أجراس الخطر بشأن احتمال اندلاع اضطرابات في مناطق أخرى.
علاوة على ذلك، يأتي كل هذا وسط جائحة كورونا، حيث لم يعد الاقتصاد الروسي معزولاً عن الأضرار أكثر من غيره، كما تهاوت معدلات تأييد بوتين إلى مستويات لم نشهدها منذ ما قبل عام 2014.
على الجانب الآخر، عمل العلماء الروس بجدٍّ على تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا في غمار المنافسة الدولية للقضاء على الوباء. وعلى الرغم من الضغوط التي فُرضت لتسريع الإعلان عن اللقاح باعتباره الأول عالمياً والتقارير التي تفيد بإجبار موظفين حكوميين على المشاركة في تجارب يفترض أنها تطوعية، فإن البيانات المتوفرة تشير إلى أن اللقاح الروسي قد يكون ناجحاً. (مع ذلك، ورغم الإعلان عن الإنجاز، فإن بوتين رفض تلقيه حتى الآن).
البحث عن سمعة روسيا
يعود الاسم، "سبوتنيك في" Sputnik V، الذي أطلق على اللقاح، إلى زمن التنافس الفضائي السوفيتي الأمريكي، ما يعد إشارة واضحة إلى أن بوتين يأمل في أن يكون اللقاح معززاً لسمعة روسيا الدولية. وهو ما سبق أن أشار إليه كيريل ديميترييف، الرجل الذي كلفه بوتين بالترويج للقاح دولياً، في مقابلة مع صحيفة The Guardian في وقت سابق من هذا العام، قائلاً: "إن إنقاذ العالم جزء من العقلية الروسية".
مع ذلك، وحتى لو نجح اللقاح الروسي، فمن المرجح أن الهجوم الكيميائي على المعارض الروسي نافالني سيبقى حاضراً بوصفه القصة الطبية الروسية الأكثر لفتاً للانتباه في عام 2020، تماماً كما طغت أخبار ضم شبه جزيرة القرم على خطط بوتين الكبيرة لدورة الألعاب الأولمبية في سوتشي 2014 لتكون معرضاً لعودة روسيا المبرَّزة إلى الساحة العالمية.
اتُّهم الكرملين بارتكاب عديد من جرائم القتل من قبل، لكن في قضايا مثل اغتيال ألكسندر ليتفينينكو ومحاولة اغتيال سيرغي سكريبال، وكلاهما تسمم في بريطانيا، كان المستهدفان منشقين، وهي مجموعة سبق أن وضعها بوتين في فئة مختلفة عن المعارضين من داخل البلاد. ومن ثم إذا كانت المزاعم التي ذكرها موقع الصحافة الاستقصائية Bellingcat حول محاولة اغتيال نافالني صحيحةً، فربما يكون النظام الروسي قد دخل مرحلة جديدة وأشد خطورة.
الخطاب السنوي وما جاء فيه
بطبيعة الحال، رفض بوتين بعنف تلك المزاعم خلال المؤتمر الصحفي الطويل التقليدي يوم الخميس 17 ديسمبر/كانون الأول، والذي عُقد هذه المرة في ظل ظروف التباعد الاجتماعي. وقال الرئيس الروسي: "إذا كنا نريد [تسميم نافالني]، لكنا قد أتممنا المهمة على الأرجح"، وذلك في نفي غير مقنع.
كما تطرق بوتين إلى عدد من موضوعاته القديمة المفضلة خلال الجلسة التي استمرت أربع ساعات، ووعد المتصلين من مواطني البلاد بأنه سيتناول مشكلاتهم مع القادة المحليين، متحسراً على غياب التقدير الدولي للانتصار السوفيتي في الحرب العالمية الثانية، ومهاجماً نفاق أولئك الغربيين الذين يُحاضرونه عن الحقوق والحريات.
وفي هذا السياق، ردَّ بوتين على مراسل BBC الذي كان قد سأله عما إذا كانت روسيا تتحمل المسؤولية عن تدهور العلاقات مع الغرب في الآونة الأخيرة، بالقول: "بالمقارنة معكم، فنحن رِقاق ولطفاء".
وعندما سُئل بوتين عما إذا كان قد غيّر الدستور لأنه يريد حقاً البقاء في السلطة حتى عام 2036، أو لأنه لا يريد أن يكون "البطة العرجاء" [التي تنتظر التضحية بها] مع اقتراب نهاية فتره الحالية، قال إنه لم يقرر بعد ما إذا كان يريد الاستمرار أم لا.
وأضاف مدافعاً: "هناك قاعدة عالمية ما، هل ستكون لمصلحة بلدنا؟ إذا كانت كذلك، فعلينا أن نلتزم بها، وإذا لم تكن، فلا ينبغي لنا الالتزام بها".
مع ذلك، يُفترض أن منطقاً مشابهاً لذلك ينطبق أيضاً على القرارات المتخذة بشأن القرم، وفيما يتعلق بهجمات القرصنة ومحاولات الاغتيال بالسم، لكن هنا تبرز مشكلة في جميع الحكام الذين لا يعبأون كثيراً بالضوابط والتوازنات الكبيرة، ولأنهم يقضون وقتاً أطول من اللازم بكثير في المنصب، تبدأ مفاهيم ما هو في مصلحة البلد وما هو من مصلحة الحاكم في الامتزاج، حتى تصبح شيئاً واحداً.