كنا جميعا ننتظر أن يتوصل العلماء للقاح كورونا بفارغ الصبر، وأخيراً توصلوا لعدد من اللقاحات، صيني وأمريكي وبريطاني وروسي، فلماذا ثار كل هذا الجدل بشأن اللقاحات، وكيف نقرر أيها نتناوله؟ هذا التقرير لا يحمل قراراً علمياً، بل يرصد أسباب ومسببات هذا الجدل.
كورونا ونظريات المؤامرة
ظهر فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19 أواخر العام الماضي 2019، في مدينة ووهان في الصين، ومنها انتشر حول العالم، وأعلنته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية يوم 11 مارس/آذار 2020. وحتى اليوم الخميس 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، أصابت عدوى كورونا 74 مليوناً و650 ألف شخص حول العالم، تعافى منهم نحو 52.5 مليون، وفقد نحو 1.65 مليون شخص حياتهم، بحسب موقع وورلدميترز كورونا.
واتَّخذت دول العالم، بناء على توصيات منظمة الصحة العالمية إجراءات إغلاق متنوعة الدرجات للنشاط الاقتصادي، أدت إلى خسائر غير مسبوقة منذ الكساد الاقتصادي العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، وفقد مئات الملايين من البشر وظائفهم، وتغيرت كثير من العادات الاجتماعية، وظهرت مصطلحات "التباعد الاجتماعي"، و"المسافة الآمنة"، وغيرها مما يطلق عليها مصطلحات كورونا.
وبالتوازي ظهرت أيضاً كثير من نظريات المؤامرة المرتبطة لفيروس كورونا، فمنها ما ينفي وجود الفيروس من الأصل، ومنها ما يُزعم أنه فيروس مخلق في معمل صيني، أو أنه مرتبط بتقنية الجيل الخامس من تقنية شبكات المحمول وغيرها.
وفي هذا السياق أيضاً يبدو أن التوصل للقاحات كورونا وبدء إنتاجها وتوزيعها قد غزّى نظريات المؤامرة، وأضاف لها بُعداً جديداً، وهو ما نتج عنه هذا الجدل بشأن جدوى تناول اللقاحات ومدى فاعليتها. ولا يقتصر ذلك الجدل على مجتمع بعينه أو ثقافة بذاتها؛ ففي ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة والبرازيل وكندا ودول الشرق الأوسط تتراوح حدة الجدل بين منشورات على منصات التواصل الاجتماعي إلى مظاهرات وتخريب لمراكز توزيع اللقاحات.
كم لقاحاً تم إقراره وبدأ تناوله بالفعل؟
لكن بعيداً عن نظريات المؤامرة ومَن يقف وراءها، المعلومات التي تتعلق بفيروس كورونا ولقاحاته مصدرها المراكز العلمية الرسمية والمعتمدة، والتي تنشر أبحاثها ومعلوماتها في المجلات العلمية المعروفة عالمياً، ومن هذا المنطلق هناك حتى الآن عدد من اللقاحات، تم اعتماد بعضها بشكل نهائي، والبعض الآخر في مراحله النهائية.
لقاح فايزر-بيونتيك: شركة فايزر للأدوية هي شركة أمريكية عالمية تتخذ من مدينة نيويورك مقراً رئيسياً لها، وتعتبر واحدةً من أكبر شركات الأدوية في العالم، ويرجع تأسيسها لعام 1849، وأعلنت عن الانتهاء من مراحل تطوير لقاح كورونا من خلال شركة بيونتيك الألمانية، وأن نسبة فاعلية اللقاح 95%، وتم اعتماد اللقاح بالفعل من جانب هيئة الأغذية والدواء الأمريكية الأسبوع الماضي.
اعتماد هيئة الأغذية والدواء الأمريكية (الجهة الرسمية الوحيدة لإقرار الأدوية واللقاحات) للقاح فايزر/بايونتيك، من خلال ما يُعرف بالموافقة الطارئة. والمقصود بالموافقة الطارئة هو مسار أكثر سرعة لإجراءات التأكد من سلامة المنتج الدوائي، وهو إجراء ضمن الإجراءات المتبعة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يقلل أو يخفض من الضمانات المتخذة للتأكد من سلامة وفاعلية اللقاح، بحسب بيان الهيئة على موقعها الرسمي.
وبعد حصول اللقاح على موافقة هيئة الأغذية والدواء، بدأت الحكومة الأمريكية بالفعل توفير اللقاح للفئات الأكثر حاجة، وعلى رأسها العاملون في القطاع الطبي وكبار السن من أصحاب الأمراض المزمنة، وذكرت وسائل الإعلام أن ممرضة أمريكية من أصل إفريقي كانت أول من تلقى لقاح فايزر/بايونتيك.
نفس اللقاح بدأ أيضاً تناوله في بريطانيا، وكانت السيدة مارغريت كينان ذات الـ90 ربيعاً أول بريطانية تتلقى لقاح فايزر/ بايونتيك، بعد أن حصل اللقاح أيضاً على موافقة طارئة من جانب هيئة الدواء البريطانية. أما باقي دول الاتحاد الأوروبي فلم تبدأ بعد في إعطاء اللقاح لمواطنيها انتظاراً لموافقة هيئة الدواء الأوروبية، التي لا يوجد ضمن إجراءاتها موافقة طارئة على اللقاحات والأدوية، وبالتالي فإن أمر الموافقة على اللقاح يستغرق وقتاً أطول.
وربما يتبادر إلى ذهن البعض سؤال: إذا كان لقاح فايزر/بايونتيك (أو أي لقاح آخر) قد تم اعتماده في دولة وتناوله البعض بالفعل، فما الداعي لانتظار إقراره في دولة أخرى؟ وحقيقة الأمر أن مثل هذه النوعية من الأسئلة تمثل أحد العناصر لدى أصحاب نظريات المؤامرة بالفعل، لكن الإجابة ببساطة تتعلق بالإجراءات التي تطبقها كل دولة وهيئتها لإقرار الأدوية، ولا علاقة لها بمدى فاعلية أو سلامة اللقاح.
وهذه النقطة المتعلقة بطريقة الموافقة على اللقاحات مذكورة بالتفصيل على موقع منظمة الصحة العالمية باللغات المختلفة ويتم تحديثها باستمرار.
لقاح ساينوفارم الصيني: ساينوفارم شركة أدوية مملوكة للصين، أنتجت لقاحين من بين خمسة لقاحات صينية، ووصلت اللقاحات الصينية الخمسة إلى المراحل النهائية من التجارب السريرية -شأنها شأن اللقاحات الأخرى حول العالم- لكن تلك التجارب السريرية للقاحات الصينية تتم خارج البلاد بسبب انخفاض تفشي الفيروس هناك.
وساينوفارم واحدة من شركتي الأدوية الرئيسيتين في الصين، والأخرى الأكبر هي شركة ساينوفاك، وأنتجت كل منهما لقاحاً مضاداً لفيروس كورونا، يقوم على الوسيلة التقليدية في إنتاج الأمصال، والتي تعتمد على استخدام جرعات من الفيروس الميت لتحفيز الجسم البشري على إنتاج أجسام مضادة للفيروس.
وهذا النوع من اللقاحات يكون أكثر صعوبة في تصنيعه من اللقاحات الأخرى، التي تعتمد على نسخ حية من الفيروس، كما أنها قد تؤدي إلى ردة فعل غير متوازنة لجهاز المناعة في الجسم البشري، ولكن هذا النوع من اللقاحات أثبت نجاحه تاريخياً.
لقاح سبوتنيك (الروسي): أقرت روسيا اللقاح بالفعل، وبدأت حملة قومية لتطعيم مواطنيها به، وكانت فاعليته 70%، وارتفعت تلك النسبة إلى 90% مع اكتمال التجربة السريرية للمجموعة التي حصلت على نصف الجرعة في البداية، ثم جرعة كاملة بعد أربعة أسابيع.
وهناك أيضاً لقاح موديرنا الأمريكي، الذي أعلنت هيئة الأغذية والدواء أنها بصدد منحه موافقة طارئة للاستخدام، على غرار ما حدث مع لقاح فايزر، إضافة إلى لقاح أوكسفورد البريطاني (أسترازينكا)، وهو ما يجعل هناك وفرة في اللقاحات جعلت الأوساط الطبية تتوقع انحسار جائحة كورونا عالمياً بحلول فصل الشتاء القادم 2021.
وهناك ما يشبه الإجماع في الأوساط العلمية حول العالم بأن السرعة التي تم بها التوصل للقاحات فيروس كورونا تعتبر إنجازاً علمياً بكل المقاييس، ساهم فيها توفير التمويل لعمليات البحث والتطوير للقاحات، وهو العنصر الأساسي في تطوير اللقاحات، إضافة إلى التطور التكنولوجي الهائل الذي شهدته البشرية في السنوات الأخيرة.
وبالتالي فإن الجدل المتعلق بهل نتناول اللقاح أم ننتظر، وأي اللقاحات أكثر فاعلية وأماناً؟ يبدو وكأنه بلا أرضية علمية من الأساس، ويمكن اعتباره جزءاً من نظريات المؤامرة التي ارتبطت بظهور فيروس كورونا من جانب، ودخول سياسيين على خط قضية علمية وصحية لتحقيق أهداف ومصالح سياسية من جانب آخر.