تأجيل انتخابات إثيوبيا أشعل حرب تيغراي، فهل حسمها آبي أحمد أم أن مستقبله مهدد؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/15 الساعة 09:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/18 الساعة 11:15 بتوقيت غرينتش
رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد

لم يصل آبي أحمد إلى رئاسة وزراء إثيوبيا من خلال انتخابات عامة، وبالتالي فإن الانتخابات المقررة منتصف العام المقبل تمثل تحدياً خاصاً لمستقبله السياسي، فكيف ستؤثر حرب تيغراي على نتائج تلك الانتخابات؟

آبي أحمد يستعمل القبضة الحديدية

كان رئيس الوزراء الإثيوبي الحاصل على جائزة نوبل للسلام يدرك جيداً خطورة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" عسكرياً، خاصة من حيث تفوقها العددي وصعوبة التضاريس التي تعرف دروبها جيداً، وامتلاكها سلاح الصواريخ، لذلك عمد إلى حصارها منذ بداية المعركة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

ومن المهم هنا ذكر سيطرة جبهة تيغراي على الحكم في إثيوبيا من 1991 حتى 2018، وخلال تلك الفترة الطويلة زادت الجبهة من تسليح قواتها المحلية، التي يتراوح عدد عناصرها بين 200 ألف و250 ألف فرد، في حين أن الجيش الاتحادي لا يتجاوز تعداده 140 ألفاً.

تيغراي
الصراع في تيغراي / رويترز

وتضاريسياً، ينقسم الإقليم إلى جزأين؛ شرقي ويضم تيكيلي ويتميز بجباله وتضاريسه الوعرة التي تناسب حرب العصابات، وغربي يتميز بسهوله المنبسطة التي تتواءم مع الحروب التقليدية.

لذلك لم يستغرق إسقاط عاصمة إقليم تيغراي ميكيلي سوى 24 يوماً بعد إطلاق الجيش الاتحادي عملية عسكرية لإخماد التمرد في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن ذلك لم يحسم الحرب ولم يسكت أصوات البنادق.

التحالف مع إريتريا

سيطر الجيش الاتحادي على شريط الحدود بين تيغراي والسودان، لقطع أي إمداد خارجي قد يصل المتمردين، خاصة أن الجبهة أنشأت قواعد خلفية بالسودان خلال حربها ضد حكم مينغستو هيلا ماريام في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

اضطهاد التيغراي في إثيوبيا
آبي أحمد مع رئيس إريتريا أسياس أفورقي الذي يتعاون معه ضد التيغراي/رويترز

كما تحالف آبي أحمد مع أسمرة، لغلق الحدود الشمالية الطويلة مع تيغراي، وتحركت قواته من إقليم الأمهرة (من الجنوب الغربي)، الذي له نزاعات مع تيغراي، وبذلك أطبق على المتمردين من كل الجهات.

وكان من الغريب عدم تحرك القوات الإثيوبية من محوري الشرق أو الوسط، القريبين من ميكيلي، لكنها ركزت على المحور الغربي لتضاريسه السهلة المناسبة لتحرك الدبابات والمدرعات، ثم تقدمت القوات الحكومية من الغرب نحو الشمال الشرقي ذي التضاريس الوعرة، لتحاصر المتمردين في معركتها الأخيرة بميكيلي من عدة محاور.

ولعب التفوق الجوي للجيش الاتحادي الدور الرئيسي في هزيمة الجبهة، رغم استعمالها الصواريخ لقصف المطارات البعيدة عن جبهات القتال، لكن دون أن يكون لها دور حاسم في المعركة.

إريتريا ترد الجميل لآبي أحمد

حتى وإن نفت أديس أبابا وأسمرة دخول قوات إريترية الأراضي الإثيوبية للمشاركة في المعارك ضد متمردي الجبهة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية قالت إنها تعتقد أن التقارير عن وجود قوات إريترية في إقليم تيغراي "موثوق بها".

واتهم زعيم متمردي تيغراي الجيش الإريتري بالمشاركة في معظم القتال الجاري بالإقليم، حتى بعد سقوط عاصمة الإقليم.

ويعود الخلاف بين أسمرة وتيغراي، منذ الحرب التي اشتعلت بين البلدين في عهد رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي (من تيغراي) في 1998، والتي لعب فيها إقليم تيغراي الدور الرئيسي في القتال، ولم تتوقف الحرب إلا بعد تدخل الجزائر عام 2000 للوساطة، وتم حينها توقيع اتفاق سلام.

السيطرة على عاصمة تيغراي لا تعني نهاية الصراع/ رويترز

 لكن إثيوبيا لم تنسحب من بعض المناطق التي نص عليها الاتفاق إلا بعد وصول آبي آحمد إلى السلطة في 2018، مما ساعد على تطبيع العلاقات بين البلدين، وكان ذلك سبباً في فوزه بجائزة نوبل للسلام في 2019.

وجاء تمرد تيغراي كفرصة لآبي أحمد وأسمرة للتخلص من العدو المشترك، لكن ذلك كان مكلفاً على الصعيد الإنساني. إذ سقط آلاف القتلى وفرّ أكثر من 950 ألفاً من رحى الحرب، منهم نحو 50 ألفاً فروا إلى السودان، و96 ألف لاجئ إريتري بالإقليم تقطعت بهم السبل بعدما هربوا من مخيماتهم، وفق الأمم المتحدة.

ويقطن إقليم تيغراي نحو 6 ملايين نسمة، منهم 500 ألف في ميكيلي، ويدين غالبيتهم بالنصرانية، ويمثلون نحو 6.1% من السكان.

انتخابات غير مضمونة النتائج

تأجيل الانتخابات العامة من 29 أغسطس/آب 2020، إلى مايو/أيار أو يونيو/حزيران 2021، كما اقترحت السلطات الإثيوبية كان أحد الأسباب الرئيسية لتمرد قادة جبهة تيغراي.

وتمثل الانتخابات المقبلة تحدياً كبيراً لآبي أحمد، بعد كسره لشوكة تيغراي، واختباراً لمدى نجاح إصلاحاته السياسية والاقتصادية.

ومن الواضح أن آبي أحمد لا يحظى بدعم غالبية الناخبين في تيغراي، الذي يُحمله جزء منهم مسؤولية المآسي التي حلت بالإقليم منذ تأجيله الانتخابات بسبب فيروس كورونا، ومحاولة تقليص دور تيغراي في مؤسسات الحكم، ومتابعة قادتهم بتهم الفساد.

احتجاجات الأورومو ضد آبي أحمد / رويترز

ورغم أن آبي أحمد ينتمي لعرقية الأورومو المسلمة (34% من عدد السكان)، من ناحية والده، فإن مقتل عشرات من الأورومو في احتجاجات عنيفة إثر اغتيال المغني الشهير هاشالو هونديسا، في العاصمة أديس أبابا، في يوليو/تموز الماضي، يطرح تساؤلات عدة حول ما إذا كان يحظى بدعم أكبر قومية في البلاد.

لكن نفوذ آبي أحمد يتركز في إقليم الأمهرة ذي الغالبية المسيحية، الذي ينتمي إليه من ناحية أمه، وزوجته، وثلاثتهم يدينون بالمسيحية، لذلك فهو أقرب إلى الأمهرة منه إلى الأورومو.

والأمهرة ثاني عرقية من حيث العدد (نحو 27%)، ويتوسط إقليمهم الأورومو في الوسط وتيغراي في الشمال، وهذه الأقاليم الثلاثة من ستقرر مصير آبي أحمد في الانتخابات المقبلة.

ونصر آبي أحمد المؤجل في تيغراي قد يحسب له أو عليه، حسب الزاوية التي ينظر منها كل ناخب، لذلك فمن الصعب القول إنه حسم معركة الانتخابات من الإقليم.

فما تزال تقارير إعلامية تتحدث عن اشتباكات بين الجيش الاتحادي وجبهة تيغراي، وهو ما أكده زعيم المتمردين ديبريتسيون جبريمايكل، في 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في رسالة نصية قال فيها إن الاشتباكات جارية في موقعين بالقرب من ميكيلي، واثنين آخرين على بعد 60 كلم شمال المدينة.

وحدد زعيم التمرد تكتيكهم القتالي في المرحلة المقبلة بـ"إلحاق خسائر جسيمة في الأفراد والعتاد والمعنويات بصفوف القوات الاتحادية والإريترية". وقال إننا "نحقق هدفنا". ورغم أن حكومة آبي أحمد تستبعد خوض حرب عصابات ضد متمردي الجبهة، فإن استمرار الاشتباكات ولو على نطاق ضيق لا يؤشر إلى نهاية قريبة للتمرد.

تحميل المزيد