هل تنضم الجزائر إلى قطار التطبيع بعد صدمتها من صفقة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/14 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/14 الساعة 14:20 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون/رويترز

بينما كانت هناك صدمة في العالم العربي من قرار المغرب التطبيع مع إسرائيل، كان موقف الجزائر من التطبيع المغربي يحمل صدمتين: الأولى من التطبيع، والثاني من الاعتراف الأمريكي بالصحراء كجزء من المغرب.

بالنسبة للجزائر تحتل القضية الفلسطينية أهمية بالغة، فقدتها لدى كثير من الدول العربية، وعرف دوماً عن الشعب الجزائري الذي خاض حرب نضال دامية أودت بحياة مليون ونصف شهيد تعاطفه الكبير مع القضية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته فإن الجزائر تعتبر قضية الصحراء هي تصفية لإرث استعماري، وتمثل هذه القضية وتنافسه مع الرباط المحور الأساسي للسياسة الجزائرية.

ولذا فإن اعتراف الولايات المتحدة -أكبر دولة في العالم- بسيادة المغرب على الأراضي الصحراوية، يمثل ضربة كبيرة للجزائر، خاصة أن القرار ارتبط بأول تطبيع في منطقة المغرب العربي مع إسرائيل، ومع إطلاق موجة من فتح القنصليات الخليجية تحديداً من الإمارات والبحرين في منطقة الصحراء باعتبارها جزءاً من المغرب.

ويأتي التطور الأخير، في وقت شهدت الصحراء الغربية تجدد الأعمال المسلحة، عندما أطلق الجيش المغربي عملية عسكرية في الكركرات، وهو معبر في أقصى جنوب الصحراء الغربية، داخل المنطقة العازلة التي تحرسها قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

والصحراء الغربية منطقة صحراوية شاسعة على الساحل الأطلسي لإفريقيا ومستعمرة إسبانية سابقة يسيطر المغرب على 80% منها، ويقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادته، في حين تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، باستقلالها.

ويمثل ملف الصحراء الغربية الخلاف الأساسي بين المغرب والجزائر، ولا تزال الحدود البرية بين البلدين مغلقة منذ 1994.

موقف الجزائر من التطبيع المغربي والقرار الأمريكي بشأن الصحراء

جاء موقف الجزائر من التطبيع المغربي والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء حاداً، خاصة فيما يتعلق بالاعتراف بمغربية الصحراء، أكثر من التطبيع.

وقالت الجزائر إن إعلان الرئيس الأمريكي اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء الغربية "ليس له أي أثر قانوني"، مُجددة دعمها لجبهة البوليساريو "ضد منطق القوة والصفقات المشبوهة"، حسب وصف بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية.

وقالت الوزارة إن "النزاع في الصحراء الغربية هو مسألة تصفية استعمار لا يمكن حله إلا من خلال تطبيق القانون الدولي والعقيدة الراسخة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بهذا الخصوص"، مشددةً على أن اعتراف ترامب "يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة، خاصة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء الغربية، وآخرها القرار رقم 2548 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2020، الذي صاغه ودافع عنه الجانب الأمريكي".

موقف الجزائر من التطبيع المغربي
الإمارات هي عراب التطبيع المغربي/رويترز

وفي تلويح إلى إمكانية حدوث تصعيد بالمنطقة، اعتبر البيان أن "هذا الإعلان من شأنه تقويض جهود خفض التصعيد التي بذلت على جميع الأصعدة من أجل تهيئة الطريق لإطلاق مسار سياسي حقيقي وإقناع طرفي النزاع، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، بضرورة الانخراط في الحوار بدون شروط، تحت رعاية الأمم المتحدة وبدعم من الاتحاد الإفريقي".

من جانبه، حذر رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد من أن بلاده "مُستهدفة" عبر "تهديدات حقيقية" حدَّدها في "وصول الكيان الصهيوني" إلى حدودها، في إشارة منه إلى اتفاق إسرائيل مع المغرب على تطبيع العلاقات بينهما، والاعتراف الأمريكي بأن الصحراء الغربية جزء من الأراضي المغربية.

واعتبر أن "الجزائر مستهدفة بالذات"، قائلاً إن عمليات أجنبية "تريد ضرب استقرار البلاد"، مضيفاً: "ها هي الدلائل اليوم، عندما نرى ما يحدث على كل حدودنا".

ضربة ثلاثية، ولكن الجزائر تراهن على الأطراف الأخرى

ومن الواضح أن الموقف الجزائري من التطبيع المغربي والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، أثار غضباً وقلقاً جزائرياً ثلاثياً.

فهو من جهة يمثل ضربة لمواقف الجزائر الداعمة للصحراء، ومن جهة أخرى، فإن التطبيع المغربي قد يعني دوراً خليجياً إسرائيلياً في منطقة المغرب العربي قد يعزز موقف المغرب، خاصة في ضوء صفقة السلاح التي يعتزم المغرب شراءها من الولايات المتحدة وقوامها الأساسي طائرات بدون طيار أمريكية متطورة.

ولكن الجزائر تراهن على أن منطقة شمال إفريقيا تقليدياً ليست الولايات اللاعب الرئيسي فيها، ولكن الاتحاد الأوروبي يمثل الثقل الخارجي الأساسي في المنطقة وهو لا يعترف بمغربية الصحراء، كما أن الصين وروسيا موقفهما أقرب إلى الجزائر في هذا الشأن، إضافة إلى مواقف المنظمات الدولية.

وأقرت محكمة العدل الدولية في لاهاي وجود روابط بين الصحراء الغربية أثناء خضوعها للاستعمار والمغرب وموريتانيا، لكن المحكمة اعتبرت هذه الروابط غير وثيقة لتقضي في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975 بمنح سكان المنطقة حق تقرير المصير.

وتصنف الأمم المتحدة الصحراء الغربية في قائمة "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي" وتراقب بعثة الأمم المتحدة (مينورسو) احترام اتفاق وقف إطلاق النار من خلال دوريات برية وجوية، وتضم البعثة ومقرّها في مدينة العيون نحو 240 موظفاً.

الجزائر تترقب موقف بايدن وقد تتحرك في الاتحاد الإفريقي

ورغم الأهمية البالغة لقرار الدولة الأكبر في العالم، بالاعتراف بمغربية الصحراء، فإنه يجب ملاحظة أن قرار ترامب المثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، وبعض القرارات التي يتخذها في أيامه الأخيرة، هي قرارات ينظر إليها بريبة في الأوساط الدولية، ولن تنعكس في الأغلب على قرارات التجمعات والدول  الكبرى، بل على العكس فإن أغلب القرارات الترامبية تضر بسُمعة الأطراف المستفيدة منها.

كما أنه لا يعرف مدى التزام إدارة بايدن بهذه القرارات خاصة الاعتراف بمغربية الصحراء والذي يمثل توقيت اتخاذه في حد ذاته استفزازاً للإدارة الجديدة.

وقال الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، الصادق بوقطاية لموقع قناة الحرة الأمريكية إن الجزائر قد تتحرك في ملف الصحراء الغربية، من خلال الاتحاد الإفريقي، الذي ينصّ على ألا تعتدي أي دولة على حدود دولة أخرى، وقد اعترف الاتحاد بدولة الصحراء الغربية.

يذكر أن الاتحاد الإفريقي قد أعرب عن قلقه إزاء وقف اختراق وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية الذي بدأ منذ 1991 بين المغرب وجبهة البوليساريو، والذي خرق الشهر الماضي بعدما أرسلت الرباط قوات إلى منطقة عازلة.

من جانبها، أعلنت جبهة البوليساريو أن وقف إطلاق النار "بات من الماضي" بعدما أطلق المغرب عملية عسكرية لإعادة فتح طريق يؤدي إلى موريتانيا المجاورة، ما أثار اشتباكات.

خيارات الجزائر في مواجهة الدور الإماراتي الجديد مع المغرب

وقد يؤدي التقارب البادي بين المغرب والإمارات والتي هي على مايبدو عراب التطبيع المغربي إلى تقارب جزائري مع تركيا وقطر، خاصة في ضوء مطالبة تركيا للمغرب بألا يضر هذا التطبيع بالقضية الفلسطينية.

ولكن الأهم هو تأثير هذه الأزمة داخلياً، إذ يبدو أن النظام الجزائري بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون الذي وصل للرئاسة عبر انتخابات رفضتها المعارضة والحراك، قد يستغل هذه التطورات لتوحيد الشعب الجزائري خلف التهديدات المحتملة للتطبيع المغربي، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

وهو ما ظهر في دعوة رئيس الوزراء إلى "إلى تضامن حقيقي لمجابهة التحديات المحيطة بالبلاد.

أما الخيار الأقل احتمالاً، رغم لا يمكن استبعاده فهو أن تنضم الجزائر إلى قطار التطبيع تجنباً لمحاولة تهميشها ومحاصرتها من قبل الإمارات والولايات المتحدة.

ولكن مما يقلل من هذا الاحتمال أن المكاسب الجزائرية من أي تطبيع محتمل لن تعوض الخسائر من التطبيع المغربي، كما أن القضية الفلسطينية تمثل أهمية خاصة لدى الشعب الجزائري، والجزائر اليوم خارجة لتوّها من حراك كان نشطاً في الشارع، ومن شأن التطبيع المغامرة بإعادة الحراك للشارع.

بل على العكس مكسب النظام من تقديم نفسه كقلعة للتطبيع في شمال إفريقيا أفضل من تقديم نفسه باعتباره الثاني في قطار التطبيع المغاربي.

ولكن يظل أخطر خيارات الجزائر، هو احتمال توجهها إلى تشجيع البوليساريو على الرد على هذه التطورات عسكرياً، وهو خيار من شأنه المخاطرة بمواجهة في المنطقة خاصة في ضوء سباق التسلح بين الجزائر والمغرب.  

تحميل المزيد