انتهت السلطات المصرية من تجديد ميدان التحرير بوسط القاهرة، رمز ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي قامت على الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولكن التجديدات تثير غضب فئتين من المجتمع المصري لدوافع مختلفة لكل منهما.
فقد تسبب تجديد ميدان التحرير الذي وقف شاهداً على التحولات السياسية التي اجتاحت البلاد في العقد الماضي في إثارة غضب الثوار المناهضين لمبارك وقلق علماء الآثار، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
إذ يقول عصام رسلان، أحد آلاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع عام 2011، لموقع Middle East Eye: "كان ينبغي أن يظل الميدان كما كان بعد الثورة. كان ينبغي أن يظل شهادة حية على أحلام المصريين في الحرية والكرامة".
ولكن ليس ثوار يناير/كانون الثاني فقط هم الغاضبين من عملية تجديد ميدان التحرير، الذي اعتصموا به 18 يوماً من 25 يناير/كانون الثاني، حتى رحيل مبارك في 11 فبراير/شباط 2011.
تجديد ميدان التحرير يثير قلق علماء الآثار وثوار يناير معاً.. لماذا؟
وفي حين اُتهمت هذه الجهود الحثيثة لتغيير مظهر الميدان الشهير في القاهرة بمحاولة محو تاريخ حديث، يُحذِّر علماء الآثار أيضاً من أن التاريخ القديم الذي تسعى هذه التغييرات إلى إبرازه تهدده أيضاً هذه التجديدات.
وبدأت عملية تجديد ميدان التحرير، وهي الأولى منذ الثورة، في سبتمبر/أيلول عام 2019 بناء على تعليمات من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وساهم في هذا المشروع عدد كبير من المؤسسات الحكومية والشركات المملوكة للقطاع الخاص.
وكان محور هذه التجديدات مسلة عمرها 3500 عام تعود لعصر الملك رمسيس الثاني جُلبت من دلتا النيل فضلاً عن أربعة تماثيل من معبد الكرنك في الأقصر.
ويقول علماء الآثار إن المسلات الشاهقة رمز مصري قديم يعبر عن القوة.
ويقول مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بوزارة السياحة والآثار، لموقع Middle East Eye: "وهي أيضاً رمز كرامة قدماء المصريين. والمسلة والتماثيل تضفي على الميدان اللمسة الأثرية التي يستحقها".
يُشار إلى أن السلطات المصرية أنفقت حوالي 150 مليون جنيه مصري (حوالي 9.4 مليون دولار) على تحديث الميدان.
وشملت عملية التجديد أيضاً طلاء واجهات المباني المطلة على الميدان- وبعضها يعود تاريخه إلى عشرات السنين- وإدخال نظام إضاءة جديد يركز على المسلة والتماثيل. وزرعت السلطات مئات من أشجار النخيل في الشوارع المؤدية إلى الميدان.
وتقول السلطات المصرية إن تحديث ميدان التحرير جزء من خطة أكبر لإصلاح وسط القاهرة وتحويله إلى وجهة سياحية.
الآثار في خطر
لكن تجديد ميدان التحرير قوبل بالرفض والقلق، لا سيما من بعض علماء الآثار في البلاد ومحبي التاريخ، الذين أبدوا تحفظهم على نقل المسلة والتماثيل من أماكنها الأصلية.
ويقولون إن ميداناً ملوثاً ومزدحماً لا يمكن أن يكون المكان المثالي لآثار ثمينة مثل المسلة التي يبلغ ارتفاعها 19 متراً ووزنها 90 طناً والتي نُقلت إلى وسط العاصمة من محافظة الشرقية بدلتا النيل والتماثيل المنقولة من مدينة الأقصر الأثرية في جنوب مصر.
يقول أحمد إدريس، عضو لجنة السياحة والآثار بمجلس النواب، لموقع Middle East Eye: "نقل التماثيل من بيئتها الأصلية ليس سليماً بالمرة. والظروف الجوية والتلوث الذي يملأ الميدان سيكون له أثر مدمر عليها".
يريدون محو آثار الثورة
وثوار عام 2011 منزعجون أيضاً من التغييرات التي طرأت على الميدان.
فمن خرجوا إلى الشوارع منذ ما يقرب من 10 سنوات ينظرون إلى هذه التجديدات الحالية على أنها محاولة لمحو آثار نضال المصريين للوصول إلى الديمقراطية، الذي دفع الكثير من المصريين حياتهم ثمناً له.
وقال رسلان، الذي كان عضواً في "تحالف شباب الثورة" المناهض لمبارك في ذلك الوقت، إن هذا التجديد الكامل للميدان يهدف إلى شيء واحد فقط: محو كل آثار ثورة 2011.
وقال رسلان: "لقد مُحيَت بالفعل جميع آثار الثورة الأخرى، بما فيها رسومات الرموز الثورية على جدران المباني المحيطة بالميدان، ونصب تذكاري لشهداء الثورة".
لكنه قال إن ذكرى الثورة ستظل حية في عقول وقلوب من شاركوا فيها.
وقال رسلان: "وستظل حية في عقول وقلوب ذوي الشهداء أيضاً".