رغم الاعتراضات المتنوعة التي تواجهها صفقة طائرات إف-35 التي وقعتها إدارة دونالد ترامب مع الإمارات، يبدو أن الرئيس المنتهية ولايته يسعى لضمان إتمام مبيعات الأسلحة التي تبلغ 23 مليار دولار قبل مغادرته البيت الأبيض، فهل يتمكن من ذلك؟
اعتراضات قوية على صفقة الإف-35 للإمارات
تتركز الاعتراضات من جانب المشرعين الديمقراطيين في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وكذلك من جانب منظمات حقوقية أمريكية وغير أمريكية في خمسة أسباب رئيسية: أولها استخدام أبوظبي لتلك الأسلحة الفتاكة في حرب اليمن، أو في أي بلد آخر في المنطقة يشهد اضطرابات، مثل ليبيا أو القرن الإفريقي، وثانيها احتمال أن تفقد إسرائيل "تفوقها النوعي في مجال التسليح" في الشرق الأوسط، وثالثها أن تلك الصفقة الضخمة قد تؤدي إلى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، حيث ستصبح الإمارات أقوى وأكثر تأثيراً كلاعب إقليمي.
والسبب الرابع يتعلق بمخاطر تسبب صفقة بهذا الحجم في إطلاق سباق تسلح في منطقة لا تخلو من عدم الاستقرار من الأساس، والسبب الخامس يتعلق برغبة ترامب في إتمام الصفقة التي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار في غضون أشهر قليلة، رغم أن صفقة بهذا الحجم تستغرق في الظروف الطبيعية سنوات حتى تكتمل.
وتشمل الصفقة 50 طائرة إف-35، و20 درون من طراز ريبر، وحوالي 14 ألف قنبلة وذخيرة، اتفق عليها ترامب مع الإمارات، وتم توقيعها بالفعل قبل شهر تقريباً بعد أن أبدت تل أبيب موافقتها عليها، والآن بعد ظهور الصفقة للعلن وسعي الرافضين لها لتعطيلها في الكونغرس، يريد ترامب أن يضمن تمريرها قبل مغادرة البيت الأبيض.
هل يتمكن ترامب من إتمامها؟
وقد نشرت مجلة The National Interest الأمريكية تقريراً بعنوان "هل تتم صفقة الإف-35 للإمارات قبل مغادرة ترامب"، تناول الجدل المحيط بالصفقة وفرص ترامب في ضمان تمريرها قبل يوم تنصيب خليفته جو بايدن، الذي من المتوقع ألا يكون متحمساً لإتمام الصفقة مثل ترامب.
إذ يرى كثير من المراقبين أن إدارة جو بايدن ربما تحاول عرقلة إتمام صفقة الأسلحة لأبوظبي كوسيلة من وسائل إقناع إيران بالعودة لمائدة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، وهذه النقطة تحديداً هي أحد المبررات التي قدمتها إدارة ترامب لبيع الإف-35 للإمارات في المقام الأول.
ففي خطاب موافقة وزير الخارجية مايك بومبيو على الصفقة، والذي أرسله لمجلس الشيوخ، جاءت مواجهة إيران على رأس المبررات: "هذه (الصفقة) هي اعتراف بعلاقتنا الوثيقة وبحاجة الإمارات لقدرات دفاعية متطورة بغرض الردع، وللدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات المتصاعدة من جانب إيران".
لكن أحد كبار المسؤولين عن مبيعات الأسلحة قال لموقع Defense News إنه لا يزال من المحتمل أن يتم التوقيع على الصفقة قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض الشهر المقبل: "لو كان السؤال هل هذا (إكمال الصفقة) ممكن، فالإجابة نعم بالقطع ممكن"، بحسب هايدي غرانت رئيسة هيئة تعاون الأمن الدفاعي رداً على سؤال إذا ما كان ممكناً توقيع صفقة الإف-35 للإمارات بشكل نهائي، قبل 20 يناير/كانون الثاني.
"لكننا لا نسيطر على الأمر. إننا ننتظر تأشيرة الكونغرس ثم سننتظر تحديد موعد التسليم للإماراتيين وهذا أمر يحدده الكونغرس، لكن الأمر ممكن".
ماذا تعني تأشيرة الكونغرس؟
وتأشيرة الكونغرس تعني نهاية فترة إخطار الكونغرس بالصفقة، وهي مطلوبة بحكم القانون عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة، وهي الاتفاقات التي تتم بين واشنطن وأحد حلفائها، والتي يقوم فيها البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) بدور الوسيط بين تلك الدولة وشركات تصنيع الأسلحة الأمريكية.
وقد أرسلت إدارة ترامب بالفعل الإخطار بشأن صفقة الأسلحة للإمارات إلى الكونغرس، يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتنتهي مهلة الإخطار في غضون شهر، أي الخميس 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري. والخطوة التالية بعد إخطار الكونغرس هي خطاب الاتفاق بين حكومتي واشنطن وأبوظبي.
لكن هذا لا يعني أن الأسعار نهائية، فالصفقة التي تبلغ قيمتها 23.37 مليار دولار يمكن أن تتغير قيمتها، حيث إن الأسعار المذكورة تقديرية، وقد تتغير خلال فترة المفاوضات قبل التسليم (الصفقة تشمل 50 طائرة إف-35 بقيمة 10.4 مليار دولار و18 درون قتالية من طراز MQ-9B قيمتها 2.97 مليار دولار، إضافة إلى ما قيمته 10 مليارات دولار من ذخائر صاروخية جو-جو وأرض-جو).
والصفقة بالطبع تمثل مكسباً هائلاً لشركات تصنيع الأسلحة الأمريكية وخصوصاً لوكهيد مارتن، لكنها تثير معركة سياسية شرسة في كابيتول هيل مقر الكونغرس، فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها بيع الإف-35 لدولة غير إسرائيل في الشرق الأوسط، كما أن علاقات الإمارات العسكرية مع روسيا والصين تمثل هاجساً كبيراً، خوفاً من تسرب تلك التكنولوجيا العسكرية الحساسة المستخدمة في الجيل الخامس من الطائرات الشبحية إلى موسكو وبكين.
وفي هذا السياق يمكن استدعاء الرفض الأمريكي لشراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400، واستبعاد أنقرة من برنامج تصنيع طائرات الإف-35 خوفاً من أن تشغيل النظام الصاروخي الروسي قد يكشف نقاط ضعف الطائرة الأمريكية أمام الروس، رغم أن تركيا عضو في حلف الناتو، على عكس الإمارات، وهذا سبب آخر يبرر به المشرعون الديمقراطيون رفضهم للصفقة.
الصفقة إذن شديدة التعقيد، ولا أحد يمكنه التكهن بمصيرها في النهاية، لكن الواضح أن ترامب يريد توقيعها رغم ذلك قبل أن تنتهي ولايته ويتم تنصيب جو بايدن، أما نجاحه في ذلك من عدمه فيظل سؤال الساعة.