"تكنولوجيا استخلاص الماء من الهواء" مدخل جديد تحاول إسرائيل إغراء العرب به للتطبيع، بعد إعلان شركة "ووتر جين" الإسرائيلية عن توقيع اتفاق مع شركة إماراتية لتزويدها بهذه التقنية، فما هي فكرة هذه التكنولوجيا وهل هي إسرائيلية فقط أم من ابتكار دول أخرى؟
قالت صفحة إسرائيل بالعربي إن هذه التكنولوجيا الإسرائيلية في خدمة الدول العربية، بعد الإعلان عن توقيع شركة "ووتر جين" الإسرائيلية التي طورت تقنية تنتج مياه شرب نظيفة من الهواء اتفاقية مع شركة "الظاهرة" الإماراتية لنقل حلول المياه التي طورتها إلى الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في المنطقة.
ويبدو أن إسرائيل تحاول إغراء العرب جميعاً بالتطبيع معها عبر هذه التكنولوجيا، وكأنها ستحول صحاريهم إلى أنهار جارية، فما هي فكرة تكنولوجيا استخلاص الماء من الهواء، وهل هي قاصرة على إسرائيل، أو هل يحتاج العرب إلى إسرائيل حصراً للوصول إلى تكنولوجيا استخلاص الماء من الهواء.
تفاصيل تكنولوجيا استخلاص الماء من الهواء
هواء العرب يتحول لأنهار جارية.. حقيقة تكنولوجيا استخلاص الماء من الهواء التي تستغلها إسرائيل للتطبيع ومن المتفوق بها؟
وتعتمد تكنولوجيا استخلاص الماء من الهواء على ما يعرف بمولد المياه في الغلاف الجوي
(AWG) وهو جهاز يستخرج الماء من الهواء المحيط الرطب. يمكن استخلاص بخار الماء في الهواء عن طريق التكثيف- تبريد الهواء أو تعريض الهواء لمجففات، أو ضغط الهواء.
على عكس مزيل الرطوبة، يتم تصميم أجهزة استخلاص الماء من الهواء لجعل المياه صالحة للشرب، وتكون مفيدة عندما يكون من الصعب أو المستحيل الحصول على مياه الشرب النقية، نظراً لوجود كمية صغيرة من الماء في الهواء يمكن استخلاصها دائماً.
ويحتوي الغلاف الجوي فقط على نسبة تعادل 0.001% من إجمالي المياه في العالم. قد تبدو نسبة ضئيلة، ولكن من الناحية النسبية فإنها تمثل طوفاناً، إذ إنها ستة أضعاف كمية المياه الموجودة في أنهار العالم، وبالتالي يمكن أن تمثل مصدراً رئيسياً لمياه الشرب، خاصة في المناطق الصحراوية.
ويعمل العلماء وعدد متزايد من الشركات التي تصنع أجهزة استخلاص الماء من الهواء على حصاد المياه من الغلاف الجوي بطرق عملية وفعالة وغير مكلفة.
لكن استخراج الرطوبة من الهواء ليس بالأمر الهين، ويتفق العلماء على أنه لن تكون هناك تقنية واحدة هي الأفضل لكل منطقة.
تكنولوجيا تختلف بين المناطق الرطبة والضبابية والصحراوية
في المناطق الضبابية قد تكون الإجابة هي وضع أنظمة يمكنها جذب قطرات الماء المعلقة في الهواء.
في المناخات الرطبة، حيث يكون الهواء كثيفاً مع بخار الماء ولكن البخار لا يتحول إلى قطرات، قد تكون الأجهزة التي يمكنها تكثيفه وتجميعه هي الأفضل.
وفي المناطق الجافة يجب تطوير آلات متخصصة يمكنها امتصاص الرطوبة القليلة الموجودة حولها، غالباً عبر مواد ماصة للرطوبة من الهواء، ثم إعادة تجميعها كمياه.
وبصفة عامة فإن هناك حالتين بارزتين لهذه التقنية، الأولى ما يعرف باسم جامع أو صائد الضباب، وهي آلية تستخدم في المناطق ذات الرطوبة العالية خاصة الباردة، وهي عملية أرخص تقليدياً، بسبب وفرة المياه في الهواء الضبابي، وعدم الحاجة لتبريد كثيف (في المناطق الباردة).
ولكن أنظمة حصاد الضباب والندى تعمل فقط عند مستويات الرطوبة النسبية التي لا تقل عن 50%.
والآلية الثانية تستخدم في المناطق الصحراوية الحارة الجافة، وهي عملية أكثر تكلفة.
قد يتطلب استخراج المياه من الغلاف الجوي مدخلات كبيرة من الطاقة.
بعض تقنيات تكنولوجيا استخلاص الماء من الهواء لا تستهلك طاقة، وتعتمد على الاختلافات الطبيعية في درجات الحرارة، ولا تتطلب أي مصدر طاقة خارجي.
وأظهرت دراسات محاكاة الطبيعة أن الخنفساء Stenocara gracilipes والنباتات لديها القدرة الطبيعية على أداء هذه المهمة.
وفي كثير من المناطق يعمل العلماء على محاكاة طرق استخلاص المياه في النباتات المحلية.
من يتفوق في هذه التكنولوجيا؟
على الرغم من عدم وجود شركة رائدة في السوق، إلا أن العديد من الشركات تبيع حالياً آلات تعمل بالماء من الهواء.
الهواء الصالح للشرب، على سبيل المثال هناك شركات تصمم وحدات صغيرة للاستخدام في المنزل إلى أجهزة بحجم المقطورة يمكن أن يوفر ما يكفي من المياه لفندق كبير، أي حوالي 150000 لتر في اليوم.
يوضح مايكل بورغون، مدير تطوير الأعمال الدولية بشركة Drinkable Air الأمريكية: أن شركته تعتمد على آلة لسحب الهواء من خلال مرشح إلكتروستاتيكي يزيل الغبار والجزيئات الأخرى. ثم يمر الهواء فوق السطح البارد للمكثف المغطى بمادة تشحيم آمنة للاستهلاك.
يتجمع البخار على سطح المكثف في صورة ماء سائل يسقط في خزان تجميع. يعمل نظام تنقية الأوزون الخاص بهواء الشرب الحاصل على براءة اختراع على تنقية المياه بشكل أكبر. قبل أن يصبح الماء جاهزاً للشرب، ينتقل عبر مرشح كربون وخرطوشة معدنية تضيف الكالسيوم والمغنيسيوم والكبريتات لجعل المياه أكثر قلوية وتحسّن مذاقها.
أغلى من تحلية المياه، ولكن أرخص من المياه المعبأة
يقول بورغون إن تكلفة التكنولوجيا حالياً تصل إلى حوالي 6 سنتات لكل لتر من الماء. هذا يعادل ستة أضعاف تكلفة لتر من المياه المحلاة، ولكنه أقل بكثير من المياه المعبأة في زجاجات، والتي تتراوح من 21 سنتاً للتر في تركيا إلى 1.25 دولار للتر في الدنمارك.
ويأمل جوناس وامستاد، الرئيس التنفيذي لشركة حصاد المياه Drupps، أن تبرز شركته التي انبثقت عن شركة Airwatergreen السويدية للتحكم في الرطوبة في عام 2017، من المنافسة، وذلك بفضل نوع مختلف من تقنية تجميع المياه.
في الشرق الأوسط، يشير إلى أن تقنيات حصاد المياه القائمة على التبريد لا تعمل بشكل جيد لأن الرطوبة النسبية منخفضة خلال النهار، لذلك هناك كمية أقل من المياه لتجميعها. تكون الرطوبة أعلى بعد الغسق، لكن درجات الحرارة المنخفضة ليلاً تجعل طاقة أنظمة التبريد غير فعالة لأنه يتعين عليك تبريد المكثفات لخفض درجات الحرارة.
يوضح وامستاد أن تقنية Drupps لا تستخدم التبريد ولكنها تعتمد بدلاً من ذلك على مجفف سائل لسحب الرطوبة من الهواء (مادة سائلة تمتص الرطوبة من الهواء).
يتم وضع هذا الملاط (المجفف) في وحدة واحدة من الجهاز بحجم حاوية الشحن تقريباً، لكي يمتص المجفف الرطوبة من الهواء.
ينتقل المجفف المليء بالماء إلى وحدة ثانية، حيث يتم غلي الماء لكي يستخلص من المادة الماصة، ثم تبرد المياه أما المادة الماصة للمياه فبعد تجفيفه من الماء، تعود هذه المادة السائلة إلى الوحدة الأولى لتكرار العملية.
يقول وامستاد: "اعتماداً على طبيعة المناخ وعدد الوحدات، يمكن أن يكون لدينا نظام ينتج ما يصل إلى 700000 لتر من المياه يومياً". هذه التقنية، تعمل في معظم الأماكن على وجه الأرض باستثناء الصحراء الأكثر جفافاً، وتكلف حوالي 2 سنت لكل لتر من الماء.
لا تزال تقنية Drupps مثل المكثفات، نظاماً يستخدم الطاقة بكافة. ولكن يمكن تزويده بالطاقة الحرارية- حرق القمامة على سبيل المثال- بدلاً من الكهرباء، مما يعني أنه يمكن استخدامه في الأماكن التي لا تتوفر فيها إمكانية الوصول إلى الشبكة الكهربائية.
طور مختبر إيفلين وانغ أستاذة الهندسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نموذجاً أولياً لجهاز استخلاص الماء من الهواء، والذي يمكنه جمع المياه حتى في الصحراء.
كما طورت إيفلين وانغ، أستاذة الهندسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مؤخراً نظاماً لتجميع المياه يستخدم مادة مجففة لسحب المياه من الهواء.
يتكون المجفف الذي طورته مجموعة عمر ياغي في جامعة كاليفورنيا من بلورات بحجم الغبار من إطار معدني عضوي يُعرف باسم MOF-801. يتم تضمين البلورات في طبقة مسامية حيث يتم طلاء الجانب العلوي باللون الأسود ويعمل كممتص للطاقة الشمسية. توجد هذه البلورات داخل غرفة مفتوحة للهواء. عندما يتدفق الهواء عبر الحجرة، يرتبط الماء بـ MOF.
يقوم ضوء الشمس بعد ذلك بتسخين الإطار المعدني، مما يدفع الماء إلى مكثف، حيث يبرد ويسقط في المجمع.
يمكن للجهاز تجميع المياه حتى عندما تكون الرطوبة النسبية للهواء منخفضة تصل إلى
%20 – وهو مستوى أقل مما قد تجده في الصحراء الكبرى.
التحدي الأكبر في توسيع نطاق هذا النموذج الأولي هو توافر MOF-801. يقول وانغ: "من الصعب صنع المادة على نطاق واسع بما يكفي، مما يجعلها أيضاً باهظة الثمن"، وهناك محاولة لابتكار جهاز لتجميع المياه في الغلاف الجوي يمكنه توفير 2000 لتر من المياه يومياً بتكلفة قدرها 2 سنت لكل لتر باستخدام الطاقة المتجددة فقط.
يمكن للجهاز الذي يمكنه استخراج المياه من الهواء الجاف تقريباً باستخدام حرارة أشعة الشمس أن يساعد في توفير مصدر مستدام للمياه في المناطق النائية ذات الوصول المحدود إلى الكهرباء.
تقول ألينا لابوتين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "في المناطق التي تمثل فيها ندرة المياه مشكلة، من المهم التفكير في التقنيات المختلفة التي توفر المياه، خاصة أن تغير المناخ سيؤدي إلى تفاقم العديد من مشكلات ندرة المياه".
الجهاز الذي طورته لابوتين وزملاؤها، يحتوي بداخله على مادة ممتصة تسمى الزيوليت، والتي تجمع بخار الماء من الهواء ليلاً. خلال النهار، تعمل الحرارة الناتجة عن الشمس المتجمعة على لوحة "امتصاص الطاقة الشمسية" على إطلاق الماء من المادة بحيث تكون مناسبة للاستخدام.
أي أنها لا تحتاج إلى مصدر طاقة خارجي.
ونظراً لأن الزيوليت مسامي للغاية وله مساحة سطح داخلية كبيرة، فإنه يمكن أن يمتص الكميات الصغيرة من الماء الموجودة في الهواء الجاف تقريباً، كما تقول لابوتين.
تتنبأ النمذجة التي تستند إلى الاختبارات الأولية لجهاز فريقها أنه يمكن أن ينتج الماء من الهواء مع رطوبة نسبية منخفضة تصل إلى 20%، وهي مستويات الرطوبة الموجودة في الصحاري.
ما الأماكن التي تحتاج لهذه التقنية؟
تقول لابوتين: "على عكس تقنيات تحلية المياه، فإن استخلاص المياه من الهواء هو استراتيجية في حالة عدم توفر المياه السائلة".
وتضيف أنها مناسبة أيضاً في المناطق التي لا توجد بها بنية تحتية مركزية لإنتاج المياه.
أي أنها مناسبة للمناطق الصحراوية البعيدة عن المحيطات والبحار، لأن تكلفة التحلية ما زالت أرخص، وهي أكثر فعالية في المناطق القليلة السكان مثل الواحات والتجمعات البدوية (قد لا تكون فعالة مع مدن كبيرة نسبياً مثل دبي وأبوظبي (حيث مازالت تحلية مياه البحر أقل تكلفة).
خلال الاختبارات، تمكنت لابوتين من إنتاج 0.77 لتر من الماء يومياً لكل متر مربع من امتصاص الطاقة الشمسية. تقول لابوتين إن فريقها يبحث في طرق زيادة كمية الماء التي يمكن أن تمتصها المادة الموجودة داخل الجهاز، لزيادة كفاءته بشكل أكبر.
تقول: "يتم تطوير مواد جديدة تتمتع بقدرة استيعاب أعلى". "سيؤدي دمج هذه المواد في أجهزتنا إلى إظهار أداء أفضل".
يلاحظ أن العديد من هذه الأبحاث والتكنولوجيات تقوم بها جهات أمريكية وأيضاً تبرز السويد في هذا المجال، أما شركة ووتر جرين الإسرائيلية فتبدو لاعباً رئيسياً ولكن ليس وحيداً في السوق.
وتتحدث مواقع إسرائيلية عن كيف تزود Watergen الأيتام الأوزبكيين بالماء من الهواء، في محاولة للترويج للشركة.
ولكن الواضح أن هذه التقنية لا تحتاج فقط إلى شركات تأتي من الخارج بقدر ما تحتاج إلى جهد من الباحثين والشركات المحلية، لأنه ليس هناك فكرة أو طريقة واحدة تصلح لكل مكان، بل إنه يجب أن تكون هناك تجارب محلية تراعي الظروف الجغرافية والمناخية والسكانية ودراسة الجدوى لكل منطقة.
أما افتراض أن الإسرائيليين سيأتون بحلول جاهزة تحول هواء العرب إلى أنهار تفيض فهو ليس إلا دعاية سياسية.