مارات غابيدولين مقاتل روسي ضمن مرتزقة فاغنر الذين يقاتلون في سوريا وليبيا وكشف تقرير أمريكي مؤخراً أن الإمارات تمولهم، أعلن عن نشر مذكرته التي تكشف أسرار جيش بوتين الخاص، لكن المؤلف تراجع في آخر لحظة، فما القصة؟
صحيفة The Times البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "مرتزق روسي يتراجع عن كشف أسرار الجيش الخاص"، ألقى الضوء على كواليس تراجع غابيدولين عن نشر مذكراته التي كان مقرراً لها أن ترى النور هذا الشهر.
في نفس النهر مرتين، بقلم عضو فاغنر سابقاً
كان يُتوقع أن يكون أحد أكثر كتب العام تشويقاً: مذكرات مظلي روسي سابق قاتل في سوريا لصالح مجموعة غامضة من المرتزقة المرتبطين بالكرملين. لكنه، فجأة ودون تفسير، يُسحَب من الأسواق.
كتب مارات غابيدولين (54 عاماً) In the Same River Twice بعد قضائه ما يقرب من عام في القتال مع مجموعة فاغنر، الشركة العسكرية الخاصة التي يُقال إنها مملوكة ليفغيني بريغوزين، رجل الأعمال الروسي المعروف بـ"طباخ بوتين".
ورغم أنه سبق وتحدث مرتزقة عن تجاربهم مع فاغنر، فقد أصروا جميعاً على عدم الكشف عن هوياتهم، كان غابيدولين أول من نشر شهادة باسمه، وكان ذلك محفوفاً بالمخاطر: إذ قُتل ثلاثة مراسلين روس في كمين عام 2018 أثناء تحقيقهم في أنشطة المجموعة في جمهورية إفريقيا الوسطى. ويشك منتقدو الكرملين في أنهم قُتلوا لمنعهم من التعمق في عمليات فاغنر.
دعاية مكثفة وتراجع مفاجئ
ومثل أي كاتب جديد، كان غابيدولين حريصاً على حشد الدعاية قبل نشر الكتاب، الذي كان مقرراً هذا الشهر، فأجرى مقابلة مطولة مع موقع ميدوزا Meduza الإخباري المستقل، تحدث فيها عن عمله في سوريا مع فاغنر وانتقد السرية المحيطة بالمجموعة.
وكانت مجلة Foreign Policy الأمريكية قد نشرت قبل أيام تقرير بعنوان: "البنتاغون يقول إن الإمارات تمول مرتزقة روسيا في ليبيا"، تناول تبعات فضح الدور الإماراتي في تمويل مرتزقة روسيا في المنطقة، بعد تقرير مفتش وزارة الدفاع الأمريكية العام لعمليات مكافحة الإرهاب.
وقال غابيدولين إنه انضم إلى فاغنر عام 2015، بعد أن أمضى خمس سنوات مع القوات الجوية الروسية، وأُرسل إلى سوريا لمساعدة جيش الأسد في تحرير حقول النفط وحمايتها من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وأضاف أنهم حذروه وزملاءه بالقول: "أنتم متجهون للحرب في أماكن توجد بها مصالح لبلادنا. جهزوا أنفسكم لحقيقة أن هذا يمكن أن يضر بكم لدرجة الموت"، مضيفاً أنه نجا من الموت وترقى إلى رتبة قائد وحدة استطلاع، لكنه غادر سوريا بعد إصابته في هجوم تدمر عام 2016.
وتأكد موقع ميدوزا من عضويته في فاغنر من مصادر له ودعم تأكيده بالصور التي قدمها غابيدولين عن الوقت الذي أمضاه في ساحات القتال في سوريا. وازداد الاهتمام بالكتاب.
إلا أنه يوم الأربعاء، بعد أقل من 24 ساعة من نشر المقابلة، انتاب غابيدولين شعور بالخوف فجأة، ولأسباب ما تزال مبهمة، ألغى مشروع الكتاب بأكمله.
وقالت دار النشر Nayemnik التي كان من المقرر أن تطبع كتابه والتي تتخذ من سيبيريا مقراً لها: "المؤلف اتصل بنا هاتفياً اليوم ورفض نشر الكتاب". ولم يعلق غابيدولين.
أسرار تكشف لأول مرة
ورغم عدم وجود دليل على ممارسة أي ضغوط على غابيدولين، كان لمذكراته أن تحرج بريغوزين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال غابيدولين لموقع ميدوزا إن أحد أهدافه من هذا الكتاب كان محاولة دفع الكرملين إلى الاعتراف بوجود المجموعة ومصرع مقاتليها.
وقال: "العسكريون والسياسيون مخادعون فيما يخص موضوع الشركات العسكرية الخاصة. والعالم كله يعرف ولكنكم تخفون الحقيقة عن شعبكم. هل هذا مقبول؟".
ويُشار إلى أنه على عكس جنود الجيش النظامي، لا تُقام جنازات عسكرية لمرتزقة فاغنر ولا يُكرَّمون بعد وفاتهم. ويأتي العديد من مقاتلي فاغنر من مناطق فقيرة ويُستدرجون إلى القتال مقابل رواتب شهرية تتراوح بين حوالي 90 ألف روبل (1209 دولار) و250 ألف روبل (3,373 دولار)، حسب الخبرة.
كما دعا غابيدولين إلى محاكمة مقاتلي فاغنر المزعومين الذين عذبوا وقطع رأس أحد الفارين من الجيش السوري. إذ يُذكر أن مقطع فيديو لمجموعة من الرجال الناطقين بالروسية يمزقون سجيناً ثم يشعلون النار فيه ظهر لأول مرة على مواقع التواصل الاجتماعي عام 2017. وظهر مقطع فيديو آخر للحادث المروع نفسه العام الماضي. وتعرف صحفيون روس على أربعة من المرتزقة، ومع ذلك لم تفتح الشرطة حتى تحقيقاً جنائياً.
قال غابيدولين: "لا بد من تقديم هؤلاء الساديين الأربعة إلى العدالة، ولكن على أي أساس يمكنك أن تفعل ذلك؟، لقد قلت لتوك "إنه لا وجود لهم"".
وتقول ليليا ياباروفا، صحفية ميدوزا التي أجرت المقابلة مع غابيدولين، إن مصادر قريبة من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي FSB، وشركات بريغوزين أخبرتها أن الملياردير غاضب من هذه المذكرات.
وقالت: "ربما يكون السبب وراء ذلك هو أن هذه الشهادة الأولى التي يُعرف صاحبها من شأنها أن تضفي على جميع التقارير الأخرى عن فاغنر شرعية لا رجعة فيها، وقد يجد بريغوزين والكرملين صعوبة في إنكار وجودها". وأشارت ليليا أيضاً إلى أنه من الجائز أن كتاب غابيدولين اُعتبر "خيانة شخصية".
وقال غابيدولين إن بريغوزين قرأ كتابه بل وطبع عدداً من النسخ، لكنه أخبر المؤلف أيضاً أن الوقت لم يحن بعد لإتاحته للجمهور.
وقد تحسب المرتزق السابق لمخاطر الكتابة عن عمله مع فاغنر. إذ قال غابيدولين، قبل أيام فقط من انتهاء مسيرته الأدبية الوليدة: "سيكون من الغباء إرسال أحدهم لمهاجمتي جسدياً لأن ذلك سيقود مباشرة لمن أمر بذلك. ولكنني ما زلت أشعر بالقلق".