للمرة الرابعة خلال عامين، تستعد إسرائيل بكامل طاقتها لانتخابات أخرى. وللمرء أن يتساءل عن السبب الذي قد يؤدي إلى نتائج مختلفة هذه المرة عن الانتخابات الثلاثة الأخيرة في إسرائيل، التي انتهى المطاف بها إلى هيئة محلفين معلقة، ولكن تجدر الإشارة إلى ثلاثة عوامل لم تكن مهمة في ثلاث حملات سابقة تعود إلى مارس/آذار عام 2019 ولكن قد يكون لها تأثير قوي هذه المرة: فيروس كورونا، والرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وإيران.
الانتخابات الإسرائيلية ومحاكمة نتنياهو.. لا جديد
ولكن قبل تفصيل هذه العوامل الجديدة، من المهم أيضاً أن نضع في الاعتبار عاملاً أزلياً سيهيمن على هذه الحملة، كما هيمن على الحملات الثلاث الأخيرة: بنيامين نتنياهو، تقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
ستؤدي محاكمة نتنياهو مرة أخرى دور البطولة في الحملة المقبلة، إذا استكملت العملية، التي بدأت بالفعل بتصويت الكنيست لحل نفسه يوم الأربعاء، مسارها حتى النهاية وأُجريت انتخابات جديدة.
وسوف يدفع معارضو نتنياهو- مرة أخرى- بأن التهم الموجهة إليه لا بد أن تحرمه تولِّي أرفع منصب منتخب في البلاد، وأن هذا ببساطة "لا يمكن تصوره".
وفي المقابل، سيدفع أنصار نتنياهو- مرة أخرى- بأنه ضحية مطاردة قانونية يقودها أولئك من يدركون أنه لا يمكن هزيمة نتنياهو في صناديق الاقتراع، ولا بد من إطاحته بالتقاضي. وسيقول أنصاره إن توليه المنصب ليس فقط أمراً يمكن تصوره، بل مرغوباً فيه.
ولا جديد في كل ذلك، إذ تسببت مشكلات نتنياهو القانونية في إرباك البلاد منذ بدأت الشرطة التحقيق معه رسمياً قبل أربع سنوات، في ديسمبر/كانون الأول عام 2016.
فما الذي تغير هذه المرة في إسرائيل ويمكن أن يؤثر على الانتخابات؟
أولاً فيروس كورونا
حين ذهبت إسرائيل إلى صناديق الاقتراع في سبتمبر/أيلول عام 2019، لم يكن كورونا سوى اسم بيرة مكسيكية. وحين صوتت إسرائيل في مارس/آذار عام 2020، كان الفيروس قد اخترق حدودها بالفعل، لكن معظم الناس لم يتخيلوا أنه سينشر هذا الخراب الطبي والاجتماعي والاقتصادي.
لكن الأمور في هذه الانتخابات ستكون مختلفة جذرياً. فهذه المرة سيذهب الناس إلى صناديق الاقتراع- رغم أن الطريقة التي سيُجرى بها التصويت الآمن لم تتضح بعد- وفيروس كورونا الذي قلب حياتهم رأساً على عقب في أذهانهم.
ومن المرجح أن تطغى على الانتخابات هذه المرة المشكلات الصحية والاقتصادية، التي لم تكن سوى عوامل هامشية في الانتخابات الثلاثة الأخيرة.
وإذا كان نتنياهو قد نجح في الانتخابات السابقة جزئياً بفضل الحجة القائلة بأنه نجح في حماية البلاد من "الإرهاب" إلى حد ما، ففي هذه الانتخابات سيقول خصومه إنه لم ينجح في حماية البلاد من الفيروس. وانتظروا من معارضي نتنياهو ترديد الفكرة القائلة بأن فيروس كورونا قضى على أرواح في أقل من عام أكثر مما فعل الإرهاب في أكثر من ثلاثة عقود.
والطريقة الأخيرة التي قد يؤثر بها الفيروس على الحملة الانتخابية هي أنه سيسلب نتنياهو واحدة من أقوى الأدوات في صندوق أدوات حملته: ظهوره الشخصي في التجمعات الانتخابية الكبيرة.
فقُرب نهاية حملته الأخيرة، جاب نتنياهو طول البلاد وعرضها، وتحدث في حوالي اثنين أو ثلاثة تجمعات في الليلة، لتنشيط قاعدة مؤيديه وإلهاب حماسة الحشود. فهو ناشط مثالي في حملاته، وسر نجاحه في هذه الحملات هو تواصله مع الناخبين في التجمعات. ويُعزى حضوره القوي في مارس/آذار عام 2020 عن سبتمبر/أيلول عام 2019 إلى هذه التجمعات.
لكن هذه المرة، بعد حظر الفعاليات العامة الكبيرة بسبب الفيروس، لن يتمكن من إقامة هذه التجمعات. وسيتحول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي يتمتع فيها بحضور قوي، لكن التأثير لن يكون نفسه.
ثانياً جو بايدن
أما العامل الثاني الجديد الذي يجب أخذه في الاعتبار هذه المرة والذي لم يكن حاضراً في الانتخابات الثلاثة السابقة فهو الرئيس المنتخب جو بايدن.
جرت انتخابات 9 إبريل/نيسان عام 2019، وهي الأولى من ثلاثة انتخابات أجريت في 18 شهراً، قبل أسبوعين من إعلان بايدن رسمياً ترشحه للرئاسة. وجرت انتخابات 2 مارس/آذار عام 2020 بعد يومين فقط من نقطة التحول في الحملة- فوز بايدن الساحق في الانتخابات التمهيدية في ولاية كارولينا الجنوبية. وبعبارة أخرى، لم يكن بايدن يشغل بال أي ناخب إسرائيلي وهو في طريقه للإدلاء بصوته.
لكن هذه المرة، من المرجح أن تُجرى الانتخابات بعد أسابيع قليلة من تنصيب بايدن. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه عام 2009، صوت الناخبون الإسرائيليون لنتنياهو وتحالف يميني بعد أسابيع فقط من انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، وعام 2013 أعادوا انتخاب نتنياهو بعد فترة وجيزة من فوز أوباما بولاية ثانية.
فما الدرس المستفاد من هذا؟ أن الطريقة التي تصوت بها أمريكا لا تؤثر على تصويت الإسرائيليين، ولا يصوت الإسرائيليون وفقاً لمن يحمل النظرة الأقرب إلى نظرة الرئيس الأمريكي، ومن يبدو أنه سيكون قادراً على إقامة علاقة أفضل معه.
وهذا لا يعني أن بايدن لن يكون من العوامل المؤثرة في الانتخابات المقبلة. بل سيكون كذلك بمقدار ما أن بايدن ليس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولن يكون في البيت الأبيض من يقدم لنتنياهو هدايا قبل الانتخابات على أمل أن يساعده ذلك في الصناديق.
إذ منح ترامب نتنياهو هديتين ثمينتين قبل اثنين من الانتخابات الثلاثة الأخيرة- الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتل قبل انتخابات مارس/آذار 2019، و"صفقة القرن" قبل تصويت مارس/آذار عام 2020. فهل ساعده ذلك؟ ظهر نتنياهو في أسوأ حالاته قبل انتخابات سبتمبر/أيلول عام 2019 التي لم يتلقّ فيها هدايا من ترامب.
ثالثاً انتقام إيران
أما العنصر الأخير الذي قد يؤثر في انتخابات هذه المرة، أكثر مما أثر في الانتخابات الثلاثة الماضية، فهو إيران.
ورغم أن إيران كانت دوماً عاملاً أساسياً بحكم أنها جزء من التهديد الأمني الذي يحيق بالبلاد، والأمن- أو بالأحرى، من سيضمنه على أفضل وجه- هو تلقائياً العامل الرئيسي الحاسم لكيفية تصويت الإسرائيليين، فعاملها، هذه المرة، بعد اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة وإمكانية إقدام إيران على رد انتقامي، قد يزداد أهمية.
ويتوقع كثيرون أن القادة الإيرانيين قد يؤجلون الرد الانتقامي الذي توعدوا به إلى ما بعد خروج ترامب من منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، لحرمان الرئيس الأمريكي ذريعة لشن هجوم أو اتخاذ خطوة عسكرية كبيرة أخرى. ومن الحكمة أيضاً أن يأخذ الإيرانيون تقويم الانتخابات الإسرائيلية في حسبانهم كذلك.
لماذا؟ لأنه إذا هاجمت إيران إسرائيل الآن، فنتنياهو- الذي أثبت خلال أكثر من 14 عاماً في منصبه أنه ليس مغامراً عسكرياً أو متهوراً- قد يميل إلى التذرع بالهجوم لضرب إيران بشكل أقوى مما فعلت إسرائيل يوماً في الماضي، أولاً لردعها ودفعها للتنازل عن برنامجها النووي، وثانياً لأن هذا قد يعود عليه بفائدة سياسية.
وهذا لا يعني أن نتنياهو سيخاطر بشن مثل هذا الهجوم للفوز بانتخابات، ولكنه قد يكون عنصراً آخر يضاف إلى الجانب الإيجابي من دفتر الإيجابيات والسلبيات عند دراسة الرد على أي إجراء انتقامي إيراني.
هل يبدو هذا جنونياً؟ في 7 يونيو/حزيران عام 1981، قصفت إسرائيل المفاعل النووي العراقي قيد الإنشاء في أوزيراك. وكان رئيس الوزراء مناحم بيغن هو من أعطى الأمر بقصفه. وذهبت إسرائيل إلى صناديق الاقتراع بعدها بـ 23 يوماً.
فهل هاجم بيغن مفاعل أوزيراك بسبب الانتخابات؟ كلا، رغم أن بيريز- خصمه في ذلك الوقت- انتقد هذا الهجوم ووصفه بأنه "حيلة سياسية". على أن انتقاد بيريز لما رأى معظم الإسرائيليين أنه مُبرَّر وصفقوا له بحرارة ساعد بيغن، وفي النهاية هزم حزب الليكود بقيادة بيغن حزب بيريز بفارق مقعد واحد وواصل تشكيل الحكومة التالية.