عاد مشروع قانون "جرائم المعلوماتية" إلى الواجهة في العراق، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مثيراً عاصفةً من الجدل في الأوساط السياسية والشعبية والجهات المعنية بحرية التعبير.
فبعين الريبة الشديدة، ينظر قانونيون وناشطون ومدوِّنون على منصات مواقع التواصل الاجتماعي إلى مشروع القانون، خصوصاً أنه يتضمن نصوصاً عامة فضفاضة تحتمل التأويل، ما قد يسهِّل استخدامها من جانب السلطة لتصبح بمثابة سيف مسلط على الرقاب.
للمرة الأولى، تم طرح مسودة مشروع القانون عام 2007، ثم ظهر في 2010، إلا أن الانتقادات والرفض الواسعين حالَا دون تمريره داخل البرلمان في المرتين.
"يعاقب على النوايا"
بعد إجراء تعديلات، تم طرح أحدث نسخة لمشروع القانون، لكن تلك التعديلات لم تخفف حدة المخاوف من استخدامه لإسكات الأصوات المعارضة.
وقال علي التميمي، محامٍ وخبير قانوني، إن "مشروع القانون يتكون من 22 مادة مع الأسباب الموجبة له، إلا أن التعريفات الواردة فيه مقتضبة وتحتاج أن تُعرف.. مواد القانون قليلة لا تتناسب مع أهميته".
وأضاف التميمي، الذي اطلع على المسودة، أن "العقوبات الواردة في المشروع تصل إلى السجن 10 أعوام، والغرامات إلى 15 مليون دينار (أكثر من 12 ألف دولار أمريكي)".
لكن الأخطر، وفق التميمي، يتمثل في نقطتين، هما أن "المشروع يعاقب المحرّض حتى وإن لم تتم الجريمة، وهذا يخالف مبدأ العقوبة لانتفاء الركن المادي، فلا عقوبة على النوايا".
أما النقطة الثانية، فهي أن "المشروع جاء بمواد غير مفهومة، منها عقوبة المساس بالقيم الدينية والأسرية والاجتماعية أو الأمن الوطني"، بحسب التميمي.
"يخدم العراقيين"
قال حسن شاكر الكعبي، النائب عن تحالف "الفتح" (ثاني أكبر كتلة برلمانية بـ48 من أصل 329 مقعداً)، إن "البرلمان سيناقش مشروع القانون بعد استشارة قانونيين من كل الجوانب، وبعدها يقوم بإقراره".
وأضاف الكعبي أن "هناك تصوراً لدى الشارع العراقي بأن القانون يحاسب كل من يتشاجر بين الأصدقاء والأقارب على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الرأي غير صحيح".
واعتبر أن "القانون جاء لخدمة العراقيين، ويعمل على محاسبة كل من يضر بسمعة وخصوصية المواطنين ويستفز العراقيين، وبالتالي فإن هذا القانون يعتبر السند الضامن لهم".
"يضمن الحريات"
متفقاً مع الكعبي، رأى كاطع الركابي، عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان، وهي المعنية بإعداد مسودة القانون، أن "قانون جرائم المعلوماتية يضمن الحقوق لجميع العراقيين".
وشدد على أن "لجنة الأمن والدفاع بحثت القانون بشكل مفصل لكي يضمن الحقوق والخصوصيات الإلكترونية للعراقيين".
وتابع: "البرلمان استضاف العديد من الجهات الحكومية، مثل وزارات التعليم والدفاع والداخلية ومجلس القضاء الأعلى ومنظمات حقوق الإنسان، لضمان الحصول على قانون عادل".
وأردف: "كل ما يُقال في مواقع التواصل الاجتماعي بشأن هذا القانون غير صحيح ومجانب للحقيقة".
ورأى أن "القانون سيعالج قضايا عديدة تهم المواطن العراقي، كالقضايا الاجتماعية، وعلى رأسها الابتزاز الإلكتروني".
وشدد الركابي على أن "البرلمان مُصر على تمرير القانون لحماية العراقيين، وهو لا يحد من حرية التعبير التي يضمنها الدستور".
تعديلات واسعة
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تمت قراءة مشروع القانون في البرلمان، وواجهته ملاحظات عديدة من النواب.
وقال البرلمان، في بيان، إن النواب طالبوا "بمراعاة التوازن بين صيانة الحريات وبين حفظ الأمن الاجتماعي العام، وضرورة التناسب بين الجريمة والعقوبة المحددة لها".
كما طالب النواب بـ"عدم استخدام القانون بشكل خطر يمس بالحريات العامة، مع وجود عقوبات مبالغ فيها، والدعوة لتشريع قانون يحافظ على هيبة الدولة، مع المحافظة على خصوصيات الحريات العامة".
وورد في مداخلات النواب أيضاً "عدم القبول بالعبثية التي تجري حالياً في مواقع التواصل الاجتماعي، والاستعانة بخبراء الجرائم الجنائية ومجلس القضاء الأعلى للاستشارة بمسألة العقوبات المنصوصة بالقانون، والمطالبة بتوضيح أكثر في بنود القانون، وأن لا تكون صياغته فضفاضة تؤدي إلى تكميم الأفواه".
وإثر المداخلات، قرر البرلمان "إجراء تعديلات واسعة في بنود مشروع القانون تتناسب مع المقترحات المقدمة وما ينسجم مع حرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور".
كما دعا رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، خلال الجلسة، إلى "عدم المساس بالحريات التي كفلها الدستور، خاصة حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، والإعلان والتمييز بين من يقدح ويشتم ويسب وبين من يدلي بنقد بناء، وأن يكون قانوناً لحفظ الحريات"، وفق البيان.
"وسيلة للقمع"
اعتبر زياد العجيلي، مدير مرصد الحريات الصحفية (مؤسسة غير حكومية)، أن "مشروع القانون مجرد وسيلة لقمع وإسكات الأصوات المخالفة للسلطة".
وتابع العجيلي أن "المشروع يجرم الآراء، وهو ما يناقض الدستور العراقي، الذي يضمن حرية التعبير".
وأضاف أن "المسودة تحتوي على بنود غامضة، وأخرى تجرم الآراء التي تُضر بالمصلحة السياسية بالدرجة الأساس".
ورأى العجيلي أن إعادة طرح المشروع مرتبطة بالاحتجاجات الشعبية الواسعة التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وأجبر المحتجون حكومة عادل عبدالمهدي على الاستقالة، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2019، حيث يتهمون النخبة الحاكمة منذ 2003 بالفساد والتبعية للخارج.
وتتواصل الاحتجاجات على نحو محدود للضغط على حكومة مصطفى الكاظمي، لمحاكمة قتَلة متظاهرين وإجراء إصلاحات.
واستطرد العجيلي: "هذا القانون مرفوض جملةً وتفصيلاً.. وستصدر قائمة سوداء بجميع النواب والكتل السياسية التي ستعمل على تمريره".
وأعرب المرصد، في بيان مؤخراً، عن رفضه لمشروع القانون، محذراً من أنه يهدد بسجن نصف الشعب العراقي.