أزمة سد النهضة.. لماذا يجب على أمريكا الوقوف على الحياد بين مصر وإثيوبيا؟ 5 أسباب تشرح ذلك

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/12/04 الساعة 15:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/04 الساعة 15:41 بتوقيت غرينتش
أزمة سد النهضة.. لا تزال الخلافات طويلة الأمد مستمرة بين مصر وإثيوبيا/ عربي بوست

في أغسطس/آب الماضي، قررت الولايات المتحدة قطع جزء من مساعداتها الخارجية لإثيوبيا خلال فترة تشهد أزمة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، التمويل المقتطع يصل إلى نحو 130 مليون دولار. وفي الوقت ذاته تستمر أعمال بناء أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في قارة إفريقيا، المعروف باسم سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل الأرزق، مع توقف المفاوضات بين مصر و إثيوبيا و السودان. وكانت الولايات المتحدة قد تدخلت وسيطاً لحل هذا النزاع في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلا أن البلدان الثلاثة لم تتوصل إلى اتفاق بشأن السد، ما دفع الولايات المتحدة إلى معاقبة إثيوبيا.

تحديات خطيرة تواجه إثيوبيا 

سد النهضة السودان
سد النهضة الإثيوبي/ رويترز

تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية إن منطقة شرق إثيوبيا تواجه بالفعل تحدياً ثلاثياً هذا العام: جائحة فيروس كورونا، ووباء الجراد الصحراوي، والفيضانات التي تضرر منها أكثر من 1.3 مليون شخص. 

وقد سجّلت إثيوبيا أكثر من 110.554 حالة إصابة بفيروس كورونا، ونحو 1709 حالة وفاة، حتى 2 ديسمبر/كانون الأول الحالي. ومن المرجح أن تتسبب أسراب الجراد، التي بدأت في اليمن ووصلت إلى إثيوبيا وكينيا والصومال، في أزمة أمن غذائي إقليمية قد تُفضي إلى تفاقم آثار الوباء.

وخلال الأسابيع الأخيرة، اندلع صراع داخلي في إثيوبيا، حيث أطلقت قوات الحكومة الفيدرالية حملة عسكرية لفرض السيطرة على إقليم تيغراي الواقع في شمال البلاد في 4 نوفمبر/تشرين الثاني. وما لم تتمكن إثيوبيا من إدارة هذا الصراع، فإنه قد يخلق أزمة إقليمية تطال آثارها جميع أنحاء القرن الإفريقي.

الدور الأمريكي في أزمة سد النهضة

وسط هذه التحديات، لا تزال الخلافات طويلة الأمد حول بناء سد النهضة دون حل. ويرى الطرف الإثيوبي أن تخفيض المساعدات الأمريكية لإثيوبيا خلال المفاوضات الحالية لن يساعد في حل الأمور، بل سيفاقم من تعقيد المحادثات. وتحتجّ إثيوبيا بأن الولايات المتحدة لم تتخذ النهج القاسي نفسه تجاه مصر، قائلة إن ذلك سيؤثر على دورها المفترض بأنها وسيط محايد. وتستدل إثيوبيا بأن خبراء وبعض المشرّعين الأمريكيين قد أشاروا إلى أن تعليق المساعدات لا يأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية في المنطقة.

محادثات سد النهضة الثلاثية في البيت الأبيض/ أرشيفية، رويترز

النيل الأزرق هو رافد يبدأ في إثيوبيا ولكنه يوفر نحو 85% من المياه المتدفقة إلى نهر النيل، الذي يمر عبر 11 دولة واقعة على ضفاف النهر. وترجع خطط إثيوبيا لبناء سد لتوليد الطاقة الكهرومائية على النيل الأزرق إلى ستينيات القرن الماضي، غير أن معاهدات المياه التي تحيلها إثيوبيا إلى الحقبة الاستعمارية لطالما تسببت في جدل طويل الأمد مع مصر والسودان، اللتين تقعان على مجرى النهر. وترفض إثيوبيا الاعتراف بمعاهدات تقاسم المياه بين مصر والسودان الموقعة في عامَي 1929 و1959.

نتيجة لذلك، في عام 1999، أنشأت الدول المشاطئة للنهر شراكة حكومية دولية، عُرفت باسم "مبادرة حوض النيل"، ووقَّعت اتفاقية للاستخدام المستدام والعادل لمياه النهر. وكانت مصر والسودان جزءاً من المبادرة، وشاركت إريتريا كمراقب. وبناءً على اتفاقية 1999، بدأت إثيوبيا في بناء مشروع ضخم تصل تكلفته إلى 4.6 مليار دولار في عام 2011، وهو مشروع "سد النهضة".

كان التقدم في مفاوضات سد النهضة بطيئاً، لكن واعداً. وفي عام 2015، اجتمع قادة مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم ووقّعوا ما يُعرف باتفاقية إعلان المبادئ، التي تقول إثيوبيا إنها حلّت محل معاهدات المياه السابقة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية.

في فبراير/شباط الماضي، انسحبت إثيوبيا من الجولة الأخيرة من المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة في واشنطن. وقد تبنى الاتحاد الإفريقي، الذي يشارك حالياً في مفاوضات أخرى جارية، مبدأ "الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية" والذي يسعى إلى الحد من التدخل الخارجي في النزاعات والصراعات الإفريقية.

سد النهضة.. هل يمكن الوصول إلى نتيجة مربحة لجميع الأطراف؟

سد النهضة
مياه النيل تتدفق خلال عملية بناء سد النهضة / رويترز

تقول إثيوبيا إن السد سيؤدي إلى تحسين معيشة الملايين على نحو ملموس في جميع أنحاء المنطقة. وهي تخطط لبيع الطاقة الكهرومائية إلى البلدان المجاورة، ومنها جيبوتي والسودان. ومن ثَم يتعين على إثيوبيا ومصر والسودان والأطراف الأخرى المعنية بالمشاركة في الوساطة أن تدفع باتجاه عدة إجراءات رئيسية تيسّر الوصول إلى نتيجة مربحة للجانبين في المفاوضات الحالية، وهي:

أولاً: يجب على الدول الثلاث وأصحاب المصلحة الآخرين الإقرار بأن تقاسم موارد مياه النيل ليس لعبة صفرية، إذ يمكن الوصول إلى وضع يخرج منه الجميع رابحاً.

ثانياً: يجب أن تظل الولايات المتحدة محايدةً في عملية الوساطة، وإلا تخاطر بفقدان مصداقيتها كوسيط نزيه. النزاهة التي يستند الطرف الإثيوبي في الطعن عليها إلى ما قاله الرئيس الأمريكي ترامب خلال محادثة هاتفية مع قادة السودان وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من أن مصر قد "تفجّر" السد إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن تشغيله.

ثالثاً: يمكن أن تساعد تجارب البلدان الأخرى مع الأنهار العابرة للحدود، مثل حوض نهر كولورادو في الولايات المتحدة والمكسيك، في تقديم حلول والتصدي للمخاوف المتعلقة بإدارة وتشغيل سد النهضة. ويمكن أن يؤدي اتباع نهج علمي وتعزيز موارد المياه الجوفية في مصر إلى تهدئة المخاوف من حدوث جفاف.

رابعاً: سيكون العلم والدبلوماسية والتعاون أموراً مهمة للتخفيف من حدة المخاطر وتعزيز القدرة على الصمود أمام الصدمات المتعددة والمتداخلة، مثل جائحة كورونا والجراد الصحراوي والفيضانات. زمن ثم ترى إثيوبيا أن الولايات المتحدة ينبغي أن تقدم دعماً إضافياً لتسهيل الوصول إلى حل طويل الأمد، وليس قطع المساعدات عنها ومعاقبتها.

خامساً: يشير الطرف الإثيوبي إلى أهمية المساعدات الأمريكية لاقتصاد إثيوبيا، وأن قطْعَها في وقت تواجه فيه البلاد تحديات متعددة أمرٌ تنقصه الحكمة، ويؤثر سلباً على صورة الحكومة الأمريكية في إثيوبيا، ويزيد من التوترات، ويقوض مفهوم الحياد الأمريكي في مفاوضات سد النهضة.

تحميل المزيد