قبل أيام من اغتيال عالم نووي إيراني في طريق مهجور بالقرب من طهران، كان وزير الخارجية الأمريكي -ابن الإدارة التي أوشكت على الرحيل- على متن رحلة بطائرة مروحية اتجهت إلى مصنع نبيذ يهودي مقام على أرض فلسطين المحتلة. فيما كانت رحلة جوية ليست سرّية قد تحركت من تل أبيب إلى المملكة العربية السعودية. وكان ذلك هو المشهد الذي فسّره العديد من مراقبي الحياة السياسية في إسرائيل، بأن الأسبوعين الماضيين قد أطلقا صافرة البدء للحملة الانتخابية غير الرسمية لبنيامين نتنياهو.
ما الذي يريد نتنياهو قوله للجميع؟
تقول صحيفة Financial Times البريطانية، إنه بالتزامن مع التساؤلات التي أثارها انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة بشأن مكانة إسرائيل كقوة أجنبية مفضلة للولايات المتحدة -والمحادثات التي تلوح في الأفق مع إيران بشأن برنامجها النووي- استضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي مايك بومبيو. إذ جاء وزير الخارجية حاملاً هدايا انتخابية؛ حيث وصف حركات المقاطعة بأنها معادية للسامية، ووصف المنتجات المصنّعة في المستوطنات غير الشرعية بأنها إسرائيلية.
ولاحقاً، استقل نتنياهو طائرته متجهاً إلى السعودية، في أوّل زيارة من هذا القبيل لمسؤول سياسي إسرائيلي. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قُتل في إيران العالم الإيراني محسن فخري زادة، الذي وصفه نتنياهو بأنه العقل المدبّر لبرنامج إيران النووي العسكري المزعوم. واتهمت طهران إسرائيل بتدبير الاغتيال.
لم تعلّق إسرائيل على الأمر، إلا أن الخبراء المحللين في البلاد قد توصّلوا إلى النتيجة ذاتها.
إذ قالت داليا شنايدرلين، خبيرة استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي أدارت ثماني حملات انتخابية إسرائيلية: "كان هذا اغتيالاً قُصِد منه البعث برسالة، وثمة جمهوران مستهدفان بتلك الرسالة؛ أحدهما جو بايدن، والآخر هو الجمهور الإسرائيلي، إذ كان الحادث بمثابة تذكير لهم في صيغة: أنا وحدي من يحافظ على سلامتكم، أنا الوحيد الذي يجرؤ على فعل ما يتعيّن فعله".
ولا شك في أن حكومة الوحدة الإسرائيلية -التي شكلها الرئيس رؤوفين ريفلين بعد ثلاثة انتخابات تقطعت بها السبل- على وشك الانهيار. إذ يقول أحد حلفاء نتنياهو باللجنة المركزية للحزب: "هذا ليس خيار الليكود، بل لأجل حماية البلاد من الخلل الوظيفي، ربما تكون الانتخابات هي ما يتطلّبه الأمر".
هل يتجهز نتنياهو لانتخابات جديدة؟
سيصوّت الساسة الإسرائيليون، يوم الأربعاء الثاني من ديسمبر/كانون الأول، على اقتراح برعاية المعارضة لحلّ الكنيست العاجز عن العمل. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أن حزبه "أزرق ـ أبيض"، سيصوت على حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة.
ورغم أن نتنياهو يعارض تفضيل حكومة الوحدة، لكن أفعاله تُبدي العكس تماماً. وثمة أمثلة دالة على ذلك: أولاً، رفض نتنياهو الموافقة على الميزانية حتى بالتزامن مع إطاحة فيروس كورونا بالاقتصاد. وإذا رفض القبول بالميزانية قبل أعياد الميلاد، سيتعيّن تلقائياً إجراء الانتخابات.
وثانياً، أبقى نتنياهو على حلفائه في الحكومة الائتلافية -ومن بينهم وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء بيني غانتس- مُغيّبين عمّا يجري. وجاءت آخر الوقائع الدالة على نهجه إزاءهم حين سافر إلى السعودية.
وأخيراً، مع اقتراب موعد الحصّة الأثقل من محاكمة نتنياهو بتهم الفساد -حيث سيتعين على رئيس الوزراء الحضور بنفسه إلى إحدى قاعات المحاكم في القدس في فبراير/شباط، كثّف رئيس الوزراء هجومه على القضاء ومحامي الدولة.
وقال زعيم المعارضة يائير لابيد، يوم الإثنين 30 نوفمبر/تشرين الثاني، في تصريحات حثّ بها غانتس على الانفصال أخيراً عن كنف نتنياهو والتصويت لصالح انعقاد انتخابات جديدة: "حان الوقت للتوقف عن شراكة نتنياهو، كانت لديك نوايا حسنة لكن الأمر لم ينجح، وحان وقت تعويض ما سلف".
السياسة الخارجية مفتاح نجاة نتنياهو
وبينما يقبع مصير الاقتصاد في أيدي صانعي اللقاحات، ويستقر مستقبل محاكمة نتنياهو في أيدي مدّعين عامين مستقلين وقضاة غير متعاطفين، عزز رئيس الوزراء نفوذه في الساحة الوحيدة التي يفرض عليها سيطرةً لا جدال فيها: وهي السياسة الخارجية.
وتقول داليا: "بالفعل، ترجّح استطلاعات الرأي كفّة نتنياهو، إذ خارت قوى غانتس بينما يتمتع حليف نتنياهو نفتالي بينيت بدعم محدود. ويشعر اليمينيون بالتوتّر إثر الخلل الوظيفي المصاحب لفيروس كورونا".
وهذا يجعل نتنياهو على عرش كتلتي يمين الوسط واليمين المتشدد المرجح أن تشكل إحداهما الحكومة الجديدة. وتابعت أن نتنياهو قد تألق في خضم الفوضى والخلل الوظيفي.
وأردفت داليا: "(هذا) هو وعد نتنياهو للناخبين: أنا الوحيد الذي يمكنه تحقيق ذلك. خاصةً عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. فالأمر لا يتعلق باعتقادهم بأن السياسة الخارجية متماسكة، بل بأنه رجل دولة يعرف كيف يدير علاقات إسرائيل مع العالم على النحو الأفضل".