يزور جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره، السعودية وقطر هذا الأسبوع؛ في محاولة لتحقيق انتصارات دبلوماسية بالمنطقة قبل مغادرة البيت الأبيض، في مقدمتها حديث عن محاولة كوشنر حل الأزمة الخليجية التي نشبت عام 2017 بين قطر وثلاث من جيرانها الخليجيين بقيادة السعودية.
وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية أمس الأحد، إن كوشنر سيلتقي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة نيوم السعودية وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الأيام المقبلة. وسينضم إلى كوشنر مبعوثا الشرق الأوسط آفي بيركويتز وبراين هوك وآدم بوهلر الرئيس التنفيذي لمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين وخليجيين "لم تسمّهم"، أن هذه الزيارة ستركز خصوصاً على حل الخلاف القائم بين قطر والتحالف الذي تقوده السعودية، لكن قد يكون هناك عدد من القضايا الأخرى على جدول الأعمال.
وذكرت الصحيفة أن كوشنر سيجري الزيارة برفقة آفي بيركوفيتش، مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط، وبراين هوك، المبعوث الأمريكي السابق لإيران.
كيف ستتجاوب السعودية مع محاولة كوشنر حل الأزمة الخليجية؟
وكانت صحيفة "فايننشيال تايمز" نقلت عن مصادر- وصفتها بـ"المطلعة على المحادثات"ـ أن السعودية تكثف جهودها حالياً لحل الأزمة الخليجية، المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وذلك عقب هزيمة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات.
ورفض مسؤول كبير في إدارة ترامب، تحدث لـ"رويترز" بشرط عدم الكشف عن هويته، الإدلاء بمزيد من التفاصيل عن رحلة كوشنر لأسباب أمنية.
وقال المسؤول إن كوشنر التقى في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح. يُنظر إلى الكويت على أنها حاسمة في أي جهد أو وساطة لحل خلافٍ دامَ ثلاث سنوات بين قطر وجيرانها الخليجيين، خاصة السعودية.
كوشنر، البالغ من العمر 39 عاماً، سيذهب أولاً إلى نيوم بالمملكة العربية السعودية، وفقاً لما نقلته وكالة Bloomberg الأمريكية عن شخصين مطلعين على الأمر.
ويأمل فريق كوشنر إحراز تقدم في خلافٍ دامَ ثلاث سنوات، بين قطر وأعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي بشأن مزاعم من المملكة العربية السعودية ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة بأن قطر تدعم الإرهاب، وهي مزاعم نفتها الدوحة.
وبالنسبة لإدارة ترامب التي تستعد لتسليم السلطة رغم عدم صدور إعلان رسمي منها بذلك، فإن تحقيق مصالحة بين قطر والسعودية خاصة، يمثل انتصاراً دبلوماسياً ممكناً يحقق ضربة مزدوجة.
فالأزمة تعرقل جهود إدارة ترامب ضد إيران، كما أن من شأن حلها على يد هذه الإدارة منح ترامب قبل نهاية ولايته انتصاراً دبلوماسياً وحرمان بايدن من هذا الفضل.
وبالنسبة للسعودية، فإن التخلص من الأزمة والحصار سيئ السمعة الذي ارتبط بها، من شأنه المساعدة على تبييض وجه المملكة من سلسلة أزمات تورطت بها في عهد ترامب، أزمات لمّح بايدن إلى احتمال محاسبة السعودية عليها أو على الأقل إطفاء الضوء الأخضر الذي مُنح للرياض من قبل ترامب.
وبينما انتقد بايدن بصورة خاصة، حرب اليمن واغتيال خاشقجي، فإن حل الأزمة القطرية يبدو أسهل، لأن أي تنازلات سعودية في قضيتي اليمن وخاشقجي تبدو أصعب، في ضوء مساس الثانية بالأمير محمد بن سلمان ذاته والمقربين منه، وارتباط الأولى بضرورة تقديم المملكة تنازلات للحوثيين ولإيران، وهي تنازلات قد يصعب على الرياض الاستجابة لها.
كما أن حل أزمة قطر تحت مظلة إدارة ترامب قد يعني شروطاً أفضل للرياض، التي تمتعت دوماً بدعم هذه الإدارة، بشكل لا يُتوقع استمراره في عهد بايدن.
وبالنسبة لقطر فإن حل الأزمة يمثل انتصاراً بعد صمودها أمام الحصار ورفضها للشروط التي وُصفت بالمجحفة والتي فرضتها الدول الأربع: السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
كما أن من الواضح أن الوساطة الأمريكية المحتملة تركز على السعودية، وهو أمر تفضله الدوحة التي تعتبر أن ليس لديها مشكلة حقيقية مع الرياض.
ملفات حساسة أخرى أبرزها التطبيع السعودي المأمول
ولكن زيارة كوشنر، حسب المعلن لا تقتصر على محاولة حل الأزمة الخليجية، فيما يبدو أن الملفات الأخرى أكثر حساسية وحاجة للكتمان وفقاً ما تسرب عن الزيارة.
فزيارة كوشنر الذي يوصف بأنه عراب صفقة القرن تأتي بعد أسابيع قليلة من لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منطقة نيوم السعودية مع وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وساعد فريق كوشنر مؤخراً في التفاوض على ثلاث اتفاقيات تطبيع في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تبرز مناقشات حول صفقة مماثلة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن إغراء السعودية بالدخول في صفقة مع إسرائيل من شأنه أن يدفع الدول العربية الأخرى إلى أن تحذو حذوها.
لكن لا يبدو أن السعوديين على وشك التوصل إلى مثل هذا الاتفاق التاريخي.
وقد ركز المسؤولون في الأسابيع الأخيرة على دول أخرى، مع القلق من نفوذ إيران الإقليمي كعامل موحد يربط الإدارة الأمريكية التي تستعد للرحيل مع إسرائيل وعدد من حلفائها الخليجيين.
إيران الهدف الذي يوحِّد ترامب وحلفاءه الخليجيين الثلاثة
وبالفعل، تأتي الزيارة في أعقاب اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة في طهران، الأمر الذي أدى إلى اضطراب العلاقات الإقليمية مرة أخرى.
واتهمت إيران إسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف وراء الاغتيال وتعهدت بالانتقام، مما أدى إلى تصعيد حاد للتوترات في الخليج العربي في الأسابيع الأخيرة من رئاسة ترامب.
وأكد الاجتماع التاريخي الذي عُقد في نيوم وضم الأمير محمد ونتنياهو وبومبيو بمشاركة رئيس الموساد، وقيل إنه لم يتم إبلاغ الملك سلمان به، كيف أن معارضة طهران تؤدي إلى إعادة ترتيب استراتيجي لدول الشرق الأوسط.
ويخشى الأمير محمد ونتنياهو من أن يتبنى بايدن سياسات بشأن إيران مماثلة لتلك التي تم تبنيها خلال رئاسة باراك أوباما والتي أدت إلى توتر علاقات واشنطن مع حلفائها الإقليميين التقليديين.
وقال بايدن إنه سيعود للانضمام إلى الاتفاقية النووية الدولية مع إيران التي انسحب منها ترامب في 2018- وسيعمل مع الحلفاء لتعزيز شروطها- إذا استأنفت طهران الالتزام الصارم أولاً.
مصالح خاصة
ولكن قد تكون هناك ملفات خاصة مطروحة في الزيارة في ظل العلاقة الوثيقة التي نسجها ترامب وصهره كوشنر مع عدد من قادة المنطقة، بما في ذلك ترتيبات لأفراد مرتبطين بترامب وصهره في إطار السياسة والأعمال في المنطقة.
وأثيرت انتقادات بشأن التداخل المحتمل بين المصالح التجارية لجاريد كوشنر والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
في فبراير/شباط 2018، ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن أجهزة المخابرات الأمريكية كانت قلقة من محاولة أربع دول هي، الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والمكسيك، والصين، التلاعب بكوشنر.
وحتى قبل أن يتولى ترامب منصبه قيل إن القادة السعوديين اكتشفوا أنهم يستطيعون التأثير على كوشنر بسبب افتقاره إلى المعرفة حول الشرق الأوسط وحماسته للتفاوض على اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أرسل الأمير محمد بن سلمان وفداً من المسؤولين السعوديين إلى الولايات المتحدة للقاء كوشنر ومستشاري ترامب الآخرين.
كتب السعوديون تقييماً استشرافياً تم تسريبه لاحقاً إلى صحيفة الأخبار اللبنانية، يقول "الدائرة الداخلية لترامب هي في الغالب من صانعي الصفقات الذين يفتقرون إلى الإلمام بالعادات السياسية والمؤسسات العميقة، وهم يدعمون جاريد كوشنر".