حقق الرئيس الصيني شي جين بينغ إنجازاً كبيراً هذا الأسبوع في معركته المستمرة منذ خمس سنوات لإنهاء الفقر المدقع في أنحاء البلاد، لكن لا يبدو أنَّه يحتفل بعد بإنجازه المتمثل في قضاء الصين على الفقر المدقع.
إذ بدا أن هناك ارتباكاً في وسائل الإعلام الرسمية بشأن الاحتفال بالهدف الذي أعلنه الرئيس الصيني بالاحتفال بالقضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2020 في الذكرى المئوية لإنشاء الحزب الشيوعي، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
واحدة من أفقر دول العالم
كانت الصين طوال سنوات واحدة من أفقر دول العالم، وكان القضاء على الفقر المدقع أحد أهداف السياسة المهمة للرئيس شي. وتعهَّد الزعيم الصيني بتحقيق هدفه بنهاية العام 2020، وتأسيس "مجتمع مزدهر بصورة مقبولة" قبيل الذكرى السنوية المئة لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في يوليو/تموز من العام المقبل.
تُعرِّف الحكومة الصينية الفقر المدقع بأنَّه العيش على أقل من 2300 يوان (350 دولاراً) سنوياً. وانتقلت الصين على مدار السنوات الأربعين الماضية من كونها اقتصاداً زراعياً في المقام الأول إلى واحد من أسرع البلدان تحضراً في العالم.
وترك الاندفاع نحو المدن المناطق الريفية تعاني من تقلص السكان وقلة فرص العمل. وفي وجه هذا التراجع، ركَّزت سياسات شي للحد من الفقر على الريف.
فبدأت بكين العمل على القضاء على الفقر المدقع في 832 مقاطعة "فقيرة" في أرجاء الصين منذ عام 2014 على الأقل.
وأعلنت وكالة الأنباء التي تديرها الدولة "Xinhua" (شينخوا) الإثنين الماضي، 23 نوفمبر/تشرين الثاني، إزالة آخر 9 مقاطعات من القائمة، كلها تقع في إقليم قويتشو الجنوبي الغربي، وهو ما لا يترك أي مقاطعة في حالة فقر مدقع رسمياً على صعيد البلاد، وبمثابة تحقيق لهدف قضاء الصين على الفقر المدقع .
لكن على الرغم مما يبدو إنجازاً كبيراً قد تحقق عبر قضاء الصين على الفقر المدقع، يبدو أنَّ هناك بعض الارتباك في وسائل الإعلام التي تديرها الدولة وبين الخبراء حول ما إن كان هذا يعني نهاية الفقر في الصين أم لا.
فاحتفت محطة CGTN التلفزيونية التي تديرها الدولة على موقعها بتحقق هدف قضاء الصين على الفقر المدقع "قبل شهر من الموعد النهائي الذي حددته لنفسها".
لكنَّ آخرين كانوا أكثر حذراً. فنقلت صحيفة Global Times التي تديرها الدولة عن خبراء قولهم إنَّ الحكومة الصينية بحاجة إلى "مراجعة شاملة" لنتائج الحد من الفقر، وعلى الأرجح ستعلن نتيجة في النصف الأول من 2021.
بدا كذلك أنَّ وكالة شينخوا ناقضت نفسها بنقلها عن شيا غينغشينغ، نائب مدير مكتب الحد من الفقر في الصين، قوله إنَّ العمل لإنهاء الفقر لم "يكتمل تماماً".
وطبقاً لشينخوا، قال شيا إنَّه سيتعين أولاً وجود عمليات "تفقُّد عشوائية" و"تعداد للسكان"، وبعد تلبية كافة المعايير، سيكون الأمر منوطاً باللجنة المركزية للحزب الشيوعي لإعلان "الفوز بالمعركة ضد الفقر".
النهضة الهائلة خلَّفت انقساماً وطنياً
وسواء كان الهدف تحقق رسمياً أم لا، يقول خبراء إنَّه ليس من شك في أنَّ الحكومة الصينية ستعلن في غضون أشهر أنَّها حققت هدفها بالقضاء على الفقر المدقع بحلول نهاية 2020.
وعلى الرغم من الضرر الاقتصادي الذي سببته جائحة فيروس كورونا، لم يتراجع شي وحكومته عن أهدافهم للحد من الفقر، حرصاً على تحقيق هدفهم قبل مئوية الحزب الشيوعي.
وفي حين أشاد خبراء الفقر حول العالم بعمل الصين في المساعدة على إنهاء الحرمان في البلاد، كانت هناك أيضاً انتقادات لأهداف بكين ووسائلها لتحقيقها.
فعلى سبيل المثال، يبلغ خط الفقر الصيني نصف معيار البنك الدولي الذي يقل بقليل عن 700 دولار سنوياً.
وللمقارنة، بلغ نصيب الفرد من الدخل المحلي الإجمالي الصيني في 2019 وفقاً للبنك الدولي 10410 دولارات. مع ذلك، يخفي هذا الرقم التباين الكبير بين الدخل في المدن والريف.
فوفقاً للمكتب الوطني الصيني للإحصاء، بلغ نصيب الفرد من الدخل المتاح التصرُّف فيه للأسر الريفية في عام 2019 مستوى 16021 يواناً (2440 دولاراً)، مقارنةً بـ42359 يواناً (6450 دولاراً) في المناطق الحضرية.
والانقسام ليس فقط بين المراكز الحضرية والريفية، بل كذلك بين المدن نفسها. ففي حين شهدت المراكز السكانية الكبرى مثل بكين وشنغهاي، وخاصةً على الساحل الشرقي، مكاسب سريعة في الثروة ومستويات المعيشة، تتخلَّف الكثير من مدن الدرجة الثانية والثالثة عن الركب.
وحتى لو جرى القضاء على الفقر في الصين، سيظل هناك أناسٌ يعيشون على أقل القليل في مناطق شاسعة من البلاد. فقال رئيس الوزراء الصيني وثاني أبرز مسؤول في البلاد، لي كه تشيانغ، في مؤتمر صحفي في مايو/أيار الماضي إنَّ نحو 600 مليون صيني، أو قرابة 40% من السكان، يجنون متوسط 1000 يوان فقط (150 دولاراً) شهرياً.
قضاء الصين على الفقر المدقع رسالة أمل لا تخلو من الكوارث
والخبراء أيضاً منقسمون بشأن مدى نجاح الإجراءات الفردية لمكافحة الفقر على الأرض في مناطق الصين الفقيرة، وإلى مدى يمكن اعتبار أن تجربة قضاء الصين على الفقر المدقع هي مثال يحتذى.
قال ماتيو ماركيزيو، المدير القطري للصين في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة، إنَّه رأى خلال فترة عمله على الأرض في المناطق الفقيرة الوكالات الحكومية تُمهِّد طرقاً جديدة وبنية تحتية لتوفير الكهرباء والمياه النظيفة للقرى الريفية.
وأضاف: "قد تكون هناك تساؤلات بشأن ما إن كان جرى تحديد خط الفقر عند مستوى منخفض جداً أم لا.. لكنَّني أعتقد أنَّ الرسالة لبقية العالم هي أنَّ القضاء على الفقر، وإخراج الناس من الفقر، ممكن. إنَّها حقاً رسالة أمل".
لكنَّ وسائل أخرى للحد من الفقر كانت أكثر إثارة للجدل. فقالت وسائل الإعلام الحكومية الصينية إنَّه جرى في بعض المناطق الريفية إعادة توطين ملايين الأشخاص من قراهم إلى مناطق حضرية جديدة، وهو ما يتركهم في كثير من الأحيان يشعرون بالانفصال عن مجتمعاتهم.
قال جون دونالدسون، خبير الفقر والأستاذ المساعد بجامعة سنغافورة للإدارة: "كنتُ في قرى فقيرة في نهاية 2019، وما رأيتُه كان أنَّ بعض الأمور كانت عظيمة وبعض الأمور الأخرى كانت كوارث مطلقة، كانت أسوأ من اللاشيء".
هل اكتمل الحد من الفقر؟
مع استثمار الكثير للغاية من الوقت والمال في حملة الحد من الفقر– ناهيكم عن ذكر رأس المال السياسي الشخصي للرئيس شي- يقول الخبراء إنَّ تأجيل الإعلان سيشير على الأرجح إلى رغبة بكين لضمان أنَّ كل شيء صحيح قبل الإعلان.
وفي ظل الصمت من قيادة الحزب الشيوعي والرد المتكتم من صحيفة People's Daily، الناطقة بلسان الحزب، يبدو أنَّ وسائل الإعلام الأخرى ربما تعجَّلت وحسب.
لكن على الرغم من الارتباك في الإعلام الحكومي، يبدو أنَّها مسألة وقت فقط قبل صدور إعلان بنجاح الحد من الفقر.
والآن يتحول خبراء الفقر لبحث سؤال ماذا يحدث تالياً. ووفقاً لمحطة CCTV الصينية الحكومية، قال شي خلال زيارة إلى مقاطعة هونان في سبتمبر/أيلول الماضي إنَّ القضاء على الفقر المدقع هو مجرد البداية في معركة جديدة لتحسين حياة الناس.
لكنَّ شي وحكومته لم يحددا كيف بالضبط ينوون الحفاظ على الزخم بعد نهاية حملة القضاء على الفقر أو البناء على هذه النجاحات حتى الآن.
قال ماركيزيو إنَّ بكين يتعين عليها أولاً ضمان إمكانية الحفاظ على نجاحاتها في الحد من الفقر بمجرد أن تتوقف الحكومة الصينية عن استثمار مبالغ ضخمة من الأموال العامة في المناطق الريفية.
وقال خبير الفقر دونالدسون إنَّه يأمل أن ترفع الحكومة الصينية الآن خط الفقر إلى مستوى أعلى وإعلان هدفها زيادة سبل العيش لشعبها أكثر، لكنَّ الرسالة السياسية المتمثلة في "القضاء على الفقر" جعلت ذلك صعباً.