حققت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد الإعلان عن التوصل للقاحات فيروس كورونا، لكن هل يعني هذا أن حرب الأسعار قد انتهت، أم أن أوبك لا تزال تواجه معضلة لا يبدو لها مخرج واضح؟
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "الأمور تتحسن بالنسبة للنفط.. لكن أوبك عليها أن تستمر في قلقها"، رصد الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط مؤخراً بعد الإعلان عن لقاحات كورونا، وكواليس المعضلة التي لا يبدو أن لها مخرجاً سهلاً.
اجتماع أوبك في أجواء احتفالية
حين التقى وزراء النفط من أكبر بلدان الوقود الأحفوري في العالم (أوبك وروسيا والولايات المتحدة) عبر كاميرا الويب، هذا الأسبوع، لاتخاذ قرارات بشأن سوق النفط العالمية في 2021، كان من المفهوم أن ينغمسوا في احتفال مبكر قليلاً.
فقد تضاعفت أسعار النفط تقريباً منذ أن انخفضت إلى أقل من 20 دولاراً للبرميل، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ 21 عاماً في "أبريل/نيسان الأسود"، حين هبطت قيود كوفيد بالاقتصادات الكبرى إلى الأرض، وسبب ما يراه البعض أسوأ شهر في تاريخ صناعة النفط.
وربما يكون المزاج في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أكثر تفاؤلاً بعد ارتفاعٍ في السعر بمقدار الثلث في الشهر الماضي وحده، بعد أن قدمت أخبار تطوير لقاحٍ لفيروس كورونا أول أمل في تعافٍ حقيقي للاقتصاد العالمي. وسعر برميل خام برنت حالياً عند 48 دولاراً، في حين سعر برميل النفط الأمريكي 45 دولاراً.
معضلة مواصلة تخفيض الإنتاج
إذن بحلول نهاية العام، من الممكن العودة إلى مستوى 50 دولاراً للبرميل، لكن الانتصار الذي حققته الدول النفطية في أوبك لم يأتِ دون ثمن، وربما تكون العديد من الدول داخل المنظمة عازمة على التخلص من القيود الإنتاجية التي أسهمت في رفع السعر.
هذه هي المسألة التي ينبغي أن يجيب عنها وزراء النفط هذا الأسبوع، حين يقررون المدى الذي سيذهبون إليه في إرخاء القيود الصارمة، وما مقدار النفط الذي سيُنتج ويُصدَّر العام القادم.
وقد شهدت أسواق النفط أزمة كبيرة، تمثلت في حرب الأسعار التي أشعلها ولي عهد السعودية وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان، مطلع مارس/آذار الماضي، عندما رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموافقة على تخفيضات الإنتاج التي طلبتها الرياض، وهو ما استمر حتى مطلع مايو/أيار، عندما توصلت أوبك وروسيا والولايات المتحدة لاتفاق خفض الإنتاج، الذي أسهم في وقف النزيف واستعادة الأسعار منحناها التصاعدي.
ووافقت أوبك وحلفاؤها على تقليل الإنتاجية بمقدار 9.7 مليون برميل في اليوم، أو 10% من الإنتاج العالمي، لكن الخطة الجديدة لإدخال مليوني برميل إضافية إلى السوق العالمية قد يمثل خطراً على التعافي الهش لأسعار النفط، لكن إبقاء هذه القيود غير المسبوقة على الإنتاجية هذ يضعف اقتصاد الدول الأعضاء في الأوبك التي تعتمد على النفط لملء خزانة الدولة.
متى يعود الطلب على النفط لمستوياته الطبيعية؟
وستحتاج أوبك إلى قراءة متأنية للغاية لاستشراف سيناريوهات تعافي الاقتصادي العالمي، فشركة غولدمان ساكس المصرفية العملاقة في الولايات المتحدة، وهي من أكثر الشركات الموثوق بها في سوق النفط العالمية، ترى أن سوق النفط جاهزة لعودة قوية في 2021، بعد "مطبٍ شتوي" تجددت فيه القيود على كوفيد-19، مع عودة الطلب على الموارد الطبيعية، لكن الآخرين أقل اقتناعاً.
كما حذرت غولدمان أيضاً من أن الاجتماع الذي يستمر على مدار يومين قد يعيد إشعال التوترات داخل المنظمة التي كانت تزداد حدة على مدار العام الماضي، فحرب الأسعار المدمرة التي هددت بالاندلاع بين دولتين من كبار الدول الأعضاء في الربيع أتت بعد وقتٍ قصير من هزة تعرضت لها سلطة المنظمة، على إثر قرار دولة قطر الانسحاب منها، وتشير تقارير هذا الشهر إلى أن الإمارات قد تتبعها في ذلك.
وقال محللو غولدمان في مذكرة هذا الأسبوع: "مع اقتراب اجتماع الأوبك، تتزايد مرة أخرى الشكوك في قرار المجموعة، لكن بخلاف نتيجة الاجتماع المتعلقة بقرارٍ آخر حول حصص الإنتاج، هناك مخاوف متجددة بشأن مستقبل المنظمة".
هل تعود حرب الأسعار؟
صحيح أن الأوبك قد تكون ربحت المعركة في هذا العام، لكن الحرب قد تكون أصعب في العام القادم، والمعضلة التي تواجهها المنظمة تتمثل في كيفية مواصلة مستويات التخفيض الحالية للحفاظ على أسعار النفط، التي من المتوقع أن تصل لمتوسط 50 دولاراً للبرميل، لكن الضغوط التي فرضتها الجائحة على موازنات الدول المنتجة للنفط ستجعل معظم تلك الدول راغبةً في زيادة الإنتاج لمواجهة تلك الضغوط.
لكن زيادة الإنتاج ستؤدي لارتفاع العرض عن الطلب، وهو ما يؤدي لانخفاض الأسعار، وهذا ما يمثل ضلعاً أساسياً من أضلاع المعادلة الصعبة التي تواجهها الأوبك بقيادة السعودية، لكنه ليس الضلع الوحيد في تلك المعادلة.
على الأرجح ستعارض روسيا تمديد التخفيضات الحالية لفترات طويلة، وهو ما يرجح العودة مرة أخرى للمعطيات التي أدت إلى اندلاع حرب الأسعار بين موسكو والرياض، وإن كانت خسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتخابات، واختفاؤه من المشهد، قد تمثل أملاً في عدم الوصول لنقطة التصادم كما حدث في مارس/آذار الماضي.
لكن في جميع الأحوال تواجه منظمة الأوبك ضغوطاً صعبة، يرى بعض المحللين أنها قد تؤدي إلى مزيد من الانسحابات منها، أو على أسوأ تقدير تفككها بشكل كامل، في ظل تغير الظروف وسعي كل دولة لاتخاذ قراراتها المتعلقة بالإنتاج بصورة أكثر استقلالية.