تغيرات مهمة مرتقبة قد يشهدها الشرق الأوسط بعد فوز الرئيس المنتخب جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، وأبرز دول الإقليم التي ستعيد رسم سياستها الخارجية تركيا، التي تسعى إلى إصلاح علاقاتها مع الحلفاء الغربيين التقليديين والسعودية؛ إذ إنَّ الخلافات مع روسيا، وفوز بايدن والتهديد بفرض عقوبات أوروبية، تفرض جميعاً على أنقرة إعادة التفكير في السياسة الخارجية.
بعد أن أدى الرئيس رجب طيب أردوغان اليمين الدستورية منذ أكثر من عامين، اتخذ خطوة محورية عالية المخاطر للتحول بعيداً عن السعي لتوثيق العلاقات مع الغرب. ومالت تركيا أكثر فأكثر نحو موسكو؛ مما أدى إلى توتر علاقاتها مع الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
الحسابات التركية تغيرت
لكن تقول المصادر إنَّ الأحداث الأخيرة غيَّرت حسابات أنقرة.
ويزداد تعارض مصالح أنقرة مع مصالح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين. إذ كانت روسيا وتركيا على طرفي نقيض في الحرب الليبية قبل الاتفاق على هدنة، ولهما أهداف متضاربة في الصراع السوري. ثم بدأت تركيا تستعرض قواها بالفناء الخلفي لروسيا في منطقة القوقاز بدعمها لأذربيجان في الحرب التي استمرت 44 يوماً، مع القوات الأرمينية حول إقليم ناغورني قره باغ.
ثم هناك الولايات المتحدة، حيث يغادر البيت الأبيض الرئيسُ دونالد ترامب، الذي كان يدعم تركيا أثناء مع أوروبا، التي من المقرر أن يناقش قادتها معاقبة تركيا على استكشافها بمفردها الطاقة في المياه المتنازع عليها بالبحر المتوسط، في اجتماع للاتحاد الأوروبي يبدأ في 10 ديسمبر/كانون الأول.
وتُهدِد هذه العقوبات تعافي الاقتصاد التركي من قيود جائحة كورونا، بعد أسابيع فقط من شروع فريق جديد من كبار المسؤولين في محاولات للسيطرة على العملة.
التصالح مع الحلفاء
وتبدو نبرة القيادة التركية تصالحية. إذ قال الرئيس رجب طيب أردوغان، الأحد 22 نوفمبر/تشرين الثاني: "ليست لدينا مشاكل مع أية دولة أو مؤسسة لا يمكن حلها من خلال السياسة والحوار والمفاوضات"، حاثّاً الاتحاد الأوروبي على المساعدة في التغلب على العقبات التي تعيق محاولة تركيا الانضمام إلى الكتلة، والالتزام بالاتفاقيات المتعلقة بالجمارك والسفر بلا تأشيرة. وأضاف: "نعبر عن الرغبة نفسها في العلاقات مع حليفتنا أمريكا".
ولمَّح مسؤولون إلى أنَّ تركيا، في محاولة لتجنُّب العقوبات الأمريكية، ستفصل أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع عن صواريخ "إس-400" الروسية الصنع التي اشترتها واختبرتها. وأرسل أردوغان مبعوثه إلى بروكسل؛ لتهدئة التوترات مع الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فإنَّ إصلاح العلاقات المتوترة أيضاً بسبب الدعم الغربي للمقاتلين الأكراد في سوريا والاتهامات الأمريكية ضد بنك تركي كبير بخرق العقوبات، لن يكون سهلاً.
فقد وصف بايدن، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أردوغان بأنه مستبد وتعهد بتعزيز معارضته الداخلية، في حين أثار التعاون العسكري لأنقرة مع روسيا قلق قوى الناتو التي يُتوقَّع أن تدفع بصفقة صعبة قبل عودتها لتقبُّل تركيا بالكامل مرة أخرى. إلى جانب أنَّ تنقيب تركيا عن الغاز في البحر المتوسط أثار غضب اليونان وقبرص، وتشاجر أردوغان كذلك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن تعليقات الأخير على الإسلام.
وعلَّق ترامب مشاركة تركيا في إنتاج أجزاء المقاتلة "إف-35" بعد صفقة الصواريخ الروسية، لكن الكونغرس يضغط من أجل عقوباتٍ أشد. وهو ينظر في تشريع يجبر الرئيس على فرض عقوبات على تركيا؛ لتقربها من موسكو عسكرياً.
بايدن قد يساعد في تجاوز الخلاف
ووفقاً للمصادر التي ناقشت تغيير موقف تركيا، تعتقد أنقرة أنَّ ثقة بايدن الراسخة بالمؤسسات متعددة الجنسيات والعلاقات عبر الأطلسي ستساعدانها في إصلاح الأضرار مع شركاء الناتو وتحسين احتمالية إبرام صفقات أسلحة طال انتظارها. وقالوا إنَّ بصمة تركيا في مناطق القتال بالشرق الأوسط تعزز قدرة التحالف على احتواء روسيا التوسعية.
وترغب تركيا في تطوير صناعتها الدفاعية، وتُفضِّل أن يكون ذلك من خلال إنتاج الدبابات والصواريخ والطائرات الحربية مع حلفاء الناتو. وقالت المصادر إنَّها تحثُّ كندا على إنهاء حظر تصدير بعض تقنيات الطائرات من دون طيار، وتريد أن توافق فرنسا على الإنتاج المشترك لصواريخ يوروسام. وأشارت المصادر إلى أنَّ روسيا فشلت حتى الآن في تلبية التوقعات بنقل التكنولوجيا المستخدمة في صواريخ "إس-400" المتطورة أو الشروع في الإنتاج المشترك. كما أفسدت مطالب مماثلة من تركيا جهودها لتأمين صواريخ باتريوت أمريكية الصنع.
عودة العلاقات مع السعودية
ووفقاً لمصادر الوكالة الأمريكية فقد أعرب أردوغان خلال مكالمة هاتفية مع العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، عن رغبتهما في تحسين العلاقات مع بعضهما. واقتربت العلاقات بين البلدين من الانهيار بعد أن قتل عملاء سعوديون الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، بالقنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.
وأضافت المصادر أنَّ تركيا، التي وجَّهت اتهامات إلى اثنين من كبار مساعدي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على خلفية إصدار أمر القتل، بذلت كل ما في وسعها لتسليط الضوء على جريمة القتل، لكن حان الوقت الآن للتركيز على القضايا الثنائية. وأشارت مقابلات في المتاجر بالرياض إلى أنَّ المقاطعة غير الرسمية للسلع التركية، التي بدأتها السلطات السعودية، ربما تكون قد خُفِّفَت بالفعل.