أسياس أفورقي، رئيس إريتريا الملقب براسبوتين إفريقيا يلعب دوراً كبيراً في تأجيج الحرب الأهلية في إثيوبيا لأغراضه الخاصة، فما قصة تحالفه مع آبي أحمد؟
مجلة National Interest الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "راسبوتين إفريقيا: لماذا انضمَّ رئيس إريتريا إلى الحرب الأهلية الإثيوبية"، رصد التاريخ الدموي لأفورقي واستراتيجيته المزعزعة للاستقرار في القرن الإفريقي.
يتولَّى الرئيس الحالي غير المُنتَخَب لإريتريا السلطة منذ عام 1991. لقد تفوَّق الديكتاتور على خصومه السياسيين في القرن الإفريقي على مدار ثلاثة عقود. لفهم الأزمة الحالية في القرن الإفريقي، وعلى الأخص ما يحدث في إثيوبيا حالياً، من الضروري فهم دور إريتريا والطموح السياسي لأسياس أفورقي "راسبوتين إفريقيا".
يرادف شرق إفريقيا عدم الاستقرار والمجاعات والجهات الفاعلة غير الحكومية والدول الفاشلة. ومع ذلك، فإن أهم مساهمة قدَّمها القرن الإفريقي هي إنتاج ديكتاتوريين جيِّدين مثل هيلا سيلاسي، ومنجيستو هيلا مريام، وميليس زيناوي، وإسماعيل عمر جيله، وعمر البشري، وأسياس أفورقي. وإذا كانت هناك لعبة عروش لـ"ديكتاتور الديكتاتوريين"، فإن أسياس أفورقي سيفوز بلا منافسة.
نجا راسبوتين إفريقيا من اغتيالاتٍ في الداخل، وحربٍ في اليمن عام 1995، وحربٍ مع إثيوبيا من 1998 إلى 2000، ومن حركاتٍ ديمقراطية في السودان وإثيوبيا، وتغيير نظامٍ من جهاتٍ فاعلة إقليمية ودولية، وعقوبات من الأمم المتحدة، ومن الربيع العربي كذلك.
من هو أسياس أفورقي؟
كان أسياس أفورقي العقل المُدبِّر للجماعة المتمرِّدة شديدة السرية والمركزية المسماة الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، وتمكَّنَت هذه الجماعة المتمرِّدة من إنزال الهزيمة بالجيش الغربي، المدعوم من الاتحاد السوفييتي السابق، ما أدَّى في نهاية المطاف إلى استقلال إريتريا، بمساعدةٍ من جبهة تحرير شعب تيغراي، ويُعَدُّ أفورقي ماركسياً صريحاً تلقَّى تدريبه العسكري ورسخت عقيدته الماوية في الصين خلال الثورة الثقافية.
اشتهرت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بكونها جبهة تحرير ماركسية. وخلال النضال من أجل الاستقلال قامت الجبهة الشعبية بترجمة أعمال ماركس وماو وإنجلز ولينين إلى اللغة التيغرينية، وهي لغة العمل الإريترية، من أجل ترسيخ هذه الأفكار والتعبئة عليها. وعلاوة على ذلك، كان أفورقي قائداً لامعاً ومحترفاً في فنون التخريب عسكرياً وتكتيكياً. وهو حالياً أحد آخر الديكتاتوريين المتبقين في القرن الإفريقي وأكثرهم وحشية.
ومن المفارقات أن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وَصَفَ أفورقي بأنه "زعيمٌ لنهضة إفريقيا". ومع ذلك، فإن أفورقي لم يغيِّر أيديولوجيته السياسية أو قسوته ضد المعارضين السياسيين والناشطين والشخصيات الدينية والشعب الإريتري. أفورقي ديكتاتورٌ متلاعب وذو كاريزما وذكيٌّ للغاية ويُعرَف عنه الانتقام.
توقَّفَت تطلُّعات الشعب الإريتري لدولةٍ ديمقراطية تتمتَّع باقتصاد السوق، في 18 سبتمبر/أيلول 2001، حين استغلَّ أفورقي العمل الإرهابي المُروِّع في 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه. في غضون ستة أيام، وجد فرصةً سانحةً لسجن الوزراء الأوسع نفوذاً في حركة مجموعة الـ15 الإصلاحية، وترسيخ ديكتاتورية الحزب الواحد، مع وضع نفسه مرشداً أعلى. ولا يزال أعضاء مجموعة الـ15، وهم الوزراء الذين انشقوا عن المسار الاستبدادي لأفورقي فيما يتعلَّق بالحرب العبثية مع إثيوبيا من 1998 إلى 2000، مسجونين دون محاكمة إلى أجلٍ غير مسمى.
لا يمكن لـ"أسدين" الطواف في مرتفعات إثيوبيا
يمكن أن نعزو عدم الاستقرار في القرن الإفريقي، لاسيما في الصومال وإثيوبيا، إلى التأثير الخبيث للنظام الإريتري، وثأر أفورقي ضد ميليس زيناوي، آخر ديكتاتور خيِّر لإثيوبيا ومؤسِّس جبهة تحرير شعب تيغراي ككيانٍ عسكري وسياسي.
كان أفورقي وزيناوي حليفين مخلصين ورفيقين في السلاح أثناء نضالهما لإطاحة منجيستو هيلا مريام، الديكتاتور الشيوعي المُتعطِّش للدماء في إثيوبيا. بعد استقلال إريتريا، أصبح الزعيمان منافسين أيديولوجيَّين على النفوذ الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي في المنطقة. وأدَّى العداء بين البلدين والقائدين إلى حربٍ أودت بحياة ما يتراوح من 70 إلى 120 ألف شخص. وانتهت الحرب باتفاق الجزائر بمنح بلدة بادم لإريتريا.
يُعَدُّ أفورقي أيضاً قائداً مرناً وانتهازياً، وعنيداً ومتشدِّداً في المعارك، وكان يتلاعب في القرن الإفريقي ضد زيناوي منذ عقود. كان هدف أفورقي هو زعزعة استقرار إثيوبيا داخلياً من خلال تسليح ودعم جماعاتٍ متمرِّدة مختلفة، على أمل تحقيق هدفه المتمثِّل في تغيير النظام في أديس أبابا.
على سبيل المثال، دَعَمَ أفورقي جينبوت 7، وهي جماعة متمرِّدة مسلَّحة مقرها أسمرة، يقودها برهانو نيغا، أستاذ الاقتصاد بجامعة باكنيل، الذي تحوَّلَ إلى قائدٍ متمرِّد. وأضفى النظام في أسمرة اللامركزية على جهوده في تنظيم عملية تغيير النظام في إثيوبيا من خلال تنويع دعمه للجماعات المتمرِّدة، حيث تسليح جبهة تحرير أوروميا وجبهة تحرير أوجادين الوطنية.
دفعت كراهية أفورقي لزيناوي وجبهة تحرير شعب تيغراي إلى تسليح وتمويل واحدة من أكثر المنظمات دمويةً في إفريقيا، وهي حركة الشباب. غزت إثيوبيا الصومال في العام 2006 للإطاحة باتحاد المحاكم الإسلامية، بالتحالف مع الحكومة الوطنية الانتقالية في الصومال، ومن ناحيته دَعَمَ أفورقي حركة الشباب لخلق مزيدٍ من عدم الاستقرار في مقديشو.
من غير التقليدي تماماً أن يقوم زعيمٌ شيوعي بتمويل وتسليح منظمة إرهابية سنية تحتقر القيم والمعايير الأيديولوجية للماركسية. ومع ذلك، بالنسبة لأفورقي، كانت حركة الشباب أداةً لمحاربة القوات الإثيوبية في الصومال. وفَرَضَ المجتمع الدولي عقوباتٍ على إريتريا، حيث قرار الأمم المتحدة رقم 1907، لدعمها حركة الشباب في عام 2009، ورُفِعَت العقوبات في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مع تبني قرار الأمم المتحدة رقم 2444.
إثيوبيا في أزمة
أقام آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي غير المُنتَخَب والحائز جائزة نوبل للسلام، تحالفاً مع أحد أكثر الديكتاتوريين قسوةً في العالم، لمنع جبهة تحرير شعب تيغراي من الحصول على أيِّ تمثيلٍ سياسي في إثيوبيا. وقبل أفورقي غصن الزيتون من أديس أبابا في عام 2018، ليس فقط لإعادة السلام بين إثيوبيا وإريتريا وإنهاء الحرب الباردة بينهما، بل أيضاً لإنهاء ما بدأه منذ عقودٍ مضت، حيث القضاء على جبهة تحرير تيغراي.
استغلَّ أفورقي الفرصة لإعادة العلاقات مع آبي، لأنه كان يعلم أن آبي ونظام جبهة تحرير شعب تيغراي، الذي كان في السلطة لأكثر من عقدين سوف يتصادمان. كانت حسابات أفورقي دقيقةً للغاية. والأزمة الحالية التي تجتاح إثيوبيا تُطبَع عليها آثار أقدام أفورقي قادمةً من ميكيلي، عاصمة منطقة تيغراي، إلى أديس أبابا.
وجد آبي أحمد في أسمرة حليفاً يمكنه المساعدة في ترسيخ نظامه في إثيوبيا. ولا تقوم الشراكة الحالية على تطبيع العلاقات بين البلدين، ولكن على اتفاقٍ مُتبادَل المنفعة بأن نظام جبهة تحرير تيغراي يجب أن يتلاشى من الوجود بأمرٍ من كلا الطرفين.
أدَّت الخطوة الاستراتيجية التي اتَّخَذها أفورقي للوقوف وراء آبي إلى ثلاث نتائج: أولاً، رفعت الأمم المتحدة عقوبات حظر توريد الأسلحة إلى إريتريا. ثانياً، وطَّدَت يده الحديدية في إريتريا. وثالثاً، أنشأ تحالفاً ضد عدوه اللدود، جبهة تحرير تيغراي.
وليست هذه هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يغيِّر فيها أفورقي تحالفاته لأغراضٍ استراتيجية. ويُعَدُّ تخلي النظام عن قطر بعد تحالف المقاطعة الذي تقوده السعودية ضد الدولة الصغيرة لهو مثالٌ آخر وَجَدَ فيه أفورقي رعاته الجدد في الرياض.