بينما وقف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يملي شروطه على قادة المنظمات الإسلامية في فرنسا والتي يحدد بها المسلم الملائم للنموذج الفرنسي، كانت السيدة إلهان عمر، المحجبة الصومالية الأصل، تحتفل بانتصارها المدوي في الكونغرس بعدما اشتهرت بمشادتها مع الرئيس دونالد ترامب.. مشهدان يمثلان الفارق بين أمريكا وأوروبا في التعامل مع الإسلاموفوبيا.
عندما فاز دونالد ترامب في عام 2015، بالانتخابات بعد توعده بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وبناء سور على الحدود مع المكسيك، شعرت العديد من الأقليات وعلى رأسهم المسلمون، بأن هذه نهاية حياتهم الطبيعية في الولايات المتحدة.
في ذلك الوقت كانت ميركل يحتفى بها في العالم كنموذج للزعيمة الإنسانية التي استقبلت نحو مليون لاجئ سوري، (والحقيقة أنها خدمت بلادها أكثر، لأنها وفرت أعداداً كبيرة من العمالة للاقتصاد الألماني الذي يواجه نقصاً خطيراً في الوظائف، خاصةً التكنولوجيا والصحة).
وبعدما فاز الرئيس إيمانويل ماكرون في مواجهة السياسية اليمينية المتطرفة ماريان لوبان، بشَّر بعهد جديد انتقد فيه تشدد العلمانية الفرنسية مع المسلمين ورافضاً انتقاد لوبان للبوركيني في المناظرة الرئاسية بينهما، باعتبار أن هذا الحديث يقسم المجتمع.
الفارق بين أمريكا وأوروبا في التعامل مع الإسلاموفوبيا
اليوم يتبنى ماكرون خطاب لوبان، وينتقد وزيرُ داخليته المتشدد بيع المنتجات الحلال في المتاجر، وتخطط فرنسا لتوسيع حظر الحجاب ليشمل القطاع الخاص بعدما فُرض في مؤسسات الحكومة، كما تريد منع بيع الطعام الحلال في المقاصف بالمدارس، ومنع تخصيص أوقات لنزول أحواض السباحة للنساء المسلمات بعيداً عن الرجال، فيما تطالب نائبة في حزب ماكرون بمنع بيع الحجاب والملابس الطويلة للفتيات الصغيرات.
لم تنحدر فرنسا الماكرونية إلى المستوى الذي كان يُخشى معه أن تصل إليه أمريكا في عهد ترامب، بل تبدو سياسات فرنسا تجاه مسلميها أقرب إلى ممارسات الإبادة الثقافية التي تقوم بها الصين مع الإيغور.
فالآن هناك حديث حول أن التعليم المنزلي سيقود للسجن في فرنسا.
هل تشعر بأن هناك ما يختلف كثيراً عما تفعله الصين بالإيغور.
وفي النمسا الوضع لا يقل سوءاً، أما ألمانيا فرغم أن الإجراءات التي تنفذها أقل وطأة، فإن المفارقة أنها كانت انضمت إلى فرنسا والنمسا، في محاولة لإصدار بيان أوروبي يربط الإرهاب بالإسلام حصراً، وينتقد المهاجرين، ويضع بذوراً لسياسات لإجبارهم على تعلم لغات البلدان التي يعيشون فيها، والمفارقة أن إيطاليا التي اتُّهمت حكومتها بالعنصرية كانت إحدى الدول الأوروبية التي عارضت هذا المطلب وأفشلته.
الأمريكيون أجبروا ترامب على وقف التحريض العنصري
المفارقة أن دونالد ترامب توقف نسبياً عن خطاب التحريض العنصري ضد الأقليات، وهناك مؤشرات على ارتفاع نسبة التصويت من قِبل الأفارقة واللاتين له، بعدما تحدث عن دوره في إنعاشهم اقتصادياً.
ورغم ذلك هُزم ترامب وحصل بايدن على أكبر عدد من الأصوات نالها رئيس أمريكي من قبل، وواحد من أكبر الفوارق في الأصوات مع المرشح الخاسر بالتاريخ الأمريكي.
ولم يحاول بايدن في حملته الانتخابية أن يداعب مشاعر الناخبين البيض المحافظين، بل العكس فإن الحزب الديمقراطي والإعلام الأمريكي أدانا سياسات ترامب العنصرية، منذ اليوم الأول لولاية هذا الرئيس الجمهوري.
ورفضوا وصم الأفارقة بالعنف، بينما لا فرق بين ماكرون ولوبان
وحتى عندما اندلعت احتجاجات وصلت إلى أعمال عنف أحياناً عقب مقتل جورج فلويد، لم يحاول الديمقراطيون ولا الإعلام الأمريكي وصم الأفارقة أو اليساريين بهذا العنف، ولم يقللوا من مسؤولية ترامب عن الاحتقان الإثني في البلاد، (رغم أن ترامب فعلياً لا سيطرة له على شرطة الولايات).
في المقابل فإن الناخب الفرنسي، عندما يذهب للإدلاء بصوته في الانتخابات القادمة عام 2022، لن يجد أي اختلاف يُذكر بين خطاب لوبان المتطرف وخطاب ماكرون الليبرالي المعولم الذي يدافع عن المهاجرين والمسلمين.
وبالتالي، فلن يكون غريباً أن يفضِّل عددٌ أكبر من الناخبين الفرنسيين الإدلاء بصوتهم للوبان الأصلية وليس لوبان التقليد (ماكرون).
فماكرون من خلال تركيزه عبر سياسته التي وصفها سياسيون فرنسيون بأنها تستهدف الفرنسيين، أثبت صحة رواية اليمين المتطرف الكاذبة، بينما العكس حدث في أمريكا فالخطاب الهجومي على عنصرية ترامب وضعه في موقع دفاعي جعله يتخلى جزئياً عن هذا الخطاب.
واليوم بينما يتوارى كثير من مؤيدي ترامب خجلاً ولا يبدون تأييدهم علناً للرئيس الموصوم بالعنصرية، فإن المسلمين في فرنسا لايجرؤون على انتقاد سياسة ماكرون وأصبح عليهم قبولها أو اعتبارهم مواطنين غير كاملي المواصفات.
الفارق بين أمريكا وأوروبا في التعامل مع الإسلاموفوبيا، هو أنه إذا لمت الضحية سواء أكانوا مسلمين أم أفارقة فإنك تجعل اتجاه الخطاب الأساسي محابياً لخطاب اليمين المتطرف، فتنتقل أطروحاته من أطراف المجتمع إلى قلبه.
وهذا الانتقال يعطي شرعية لليمين العنصري، ويبالغ في صورة الأضرار التي ألحقها بالأقليات، وتخلق لدى الأغلبية البيضاء مخاوف وهمية من ضياع هوية المجتمع التقليدية.
أما إذا وجهت خطابك الانتقادي للعنصريين، فإن هذا يجعلهم لا يكسبون أرضاً جديدة.
اللافت أن مشكلات الأقليات في الولايات المتحدة بطبيعة البلاد أكبر من مشكلة الأقليات في أووربا، فنسبة الأقليات من الأفارقة واللاتين والمسلمين والآسيويين أعلى بكثير في أمريكا من أوروبا.
والهجرة اللاتينية ضاغطة بحكم الجوار الجغرافي، بينما يفصل المتوسط بين أوروبا، والعالم العربي وإفريقيا.
ولكن الواقع أن أزمة المهاجرين والأقليات بأنواعها أزمة في الأذهان قبل أن تكون أزمة على الأرض، نعم هناك مشكلات تنتج عن الهجرة، ولكن الحجم الذي تأخذه هذه المشكلات لدى الرأي العام يكون نتيجة للخطاب الإعلامي والسياسي، كما تؤكد كثير من الدراسات الإعلامية ذلك.
وقرار الحكومات الأوروبية المزايدةَ على اليمين المتطرف في إبراز هذه المشكلات هو الذي يحوُّلها إلى أزمات.
كما أن تضييق هذه الحكومات للحريات الدينية والشخصية لأبناء الأقليات توجُّه ليست له نهاية، بدأ اليوم بالطعام والشراب، وقد يصل يوماً إلى الدعاء في الصلاة.
الأهم أنَّ تجاهل الحكومات الأوروبية إبراز الأهمية الاقتصادية الكبيرة للمهاجرين له دور أساسي في تفاقم العنصرية، رغم أن هذه الحكومات نفسها تعلم كيف ملأ المهاجرون فجوات وظيفية كبيرة كما بدا واضحاً في دورهم الكبير بالقطاع الصحي خلال أزمة جائحة كورونا.