المسلمون في فرنسا يخشون حتى الكلام.. هل يصبح ماكرون نسخة أوروبية من ترامب؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/18 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/18 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
الرئيسان إيمانويل ماكرون ودونالد ترامب مع المستشارة أنجيلا ميركل/رويترز

"الدعوة لمنع البوركيني هي تقسيم للمجتمع الفرنسي"، كانت هذه كلمات المرشح إيمانويل ماكرون لمنافسته في الانتخابات السياسية اليمينية المتطرفة ماري لوبن، اليوم تطالب نائبة في حزبه بحظر بيع الحجاب والملابس الطويلة للفتيات الصغيرات.. يبدو أنه تدريجياً يضيق الفارق بين ماكرون وترامب.

بل يبدو أن ماكرون أصبح حامل لواء الترامبية وينشرها في أوروبا بعدما بات رئيساً، ويواجه مأزقاً في الانتخابات القادمة.

هل تجوز المقارنة بين ماكرون وترامب؟

قد تبدو المقارنة بين ماكرون وترامب ظالمة للأول، الرئيس الليبرالي الشاب الوسيم المدافع عن الحريات والعولمة.

ولكن الواقع أن معاناة المسلمين جراء سياسات ماكرون قد تكون أكبر من معاناة مسلمي أمريكا من سياسات ترامب رغم عنصريتها.

فعندما بدأ ترامب سياسته التمييزية ضد المسلمين جابه جزء كبير من المجتمع الأمريكي بل والعالم ذلك بالرفض وعرقلت محاكم أمريكية أحياناً قراراته، وشعر المسلمون في الولايات المتحدة بتعاطف من حولهم.

وبعد قرار ترامب منع دخول مواطني ست دول مسلمة، وحين وصل العشرات من حاملى التأشيرات من الجنسيات التى شملها الحظر إلى مطارات الولايات المتحدة المختلفة، وقف عشرات الأمريكيين فى استقبالهم برسائل ترحيب ولافتات اعتراض ضد قرار ترامب.

وأبدى ناشطون في مجال حقوق المهاجرين ومحامون آنذاك استعدادهم لوضع خبراتهم أمام القادمين من هذه البلدان في منافذ الدخول الرئيسية وأنهم سيضمنون دخول من يحملون تأشيرات صالحة.

في مناطق كثيرة في أمريكا والعالم، وفي أحوال متعددة، كان ترامب وأنصاره هم المحاصرين.

ورغم أنف ترامب نجحت بالكونغرس الأمريكي أول سيدة محجبة إلهان عمر، والتي دخلت مع ترامب في مشادات علنية، لا يستطيع أي ناشط مسلم في الأغلب في فرنسا أن يفعلها، بعدما أصبحت حتى المنظمات التي تطارد الإسلاموفوبيا مهددة بالحل في فرنسا.

ميركل تتساوق مع سياسات ماكرون/رويترز

وأشارت جمعية مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، في آخر تقرير لها، إلى زيادة مطردة في الأعمال المعادية للمسلمين في السنوات الأخيرة، خاصة بعد هجمات باريس الإرهابية.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، وصل عدد هذه الهجمات إلى "ما يقرب  من 800 هجمة في عام 2019″، وذلك بزيادة قدرها 77% في غضون عامين.

وأصبحت الكراهية والرعب يحاصران حياة المسلمين بفرنسا، بتعبير بعض الفرنسيين، وأصبح المسلمون يمتنعون حتى عن الاحتجاج عن الخطط التي تستهدفهم والتي ستشمل منع الطعام الحلال في المدارس، ومحلات البقالة، ومنع تخصيص أوقات منفصلة للنساء في حمامات السباحة لإجبارهن على الاختلاط مع الرجال بها.

في باريس، رَفَضَ كثير من المسلمين الذين الإجابة على أسئلة موقع Middle East Eye البريطاني، حول الجدل المُثار حول الرسوم الكاريكاتيرية. 

قال مالكو مكتبةٍ إسلامية في الضاحية الحادية عشرة بالمدينة، باقتضابٍ في الرد: "لا نريد التعليق على هذا. ليس لدينا ما نقوله". 

كان ذلك هو رد الفعل نفسه من مدير الاتصال بمسجد باريس، الذي قال إن المسجد لا شأن له بالأحداث الجارية في فرنسا. 

وتشير الردود القلقة إلى مناخٍ عام من التوتُّر والتشكُّك المُوجَّه إلى المجتمع المسلم بفرنسا. بعدما تعهَّدَت الحكومة الفرنسية بقمع "الانفصالية" داخل الأمة، مشيرةً إلى المسلمين في فرنسا، وازداد التوتر بعد مقتل معلم فرنسي عرض الرسوم المسيئة على طلابه. 

أليس هذا وضعاً أسوأ كثيراً من حياة المسلمين تحت حكم ترامب؟ 

والأسوأ أنه لا أحد تقريباً يدافع عن المسلمين في فرنسا، باستثناء بعض الشخصيات الفرنسية مثل  زعيم اليسار الفرنسي الراديكالي جان لوك ميلينشون الذي وصف توجهات ماكرون أنها تستهدف المسلمين، إضافة إلى منظمات حقوقية قليلة مثل العفو الدولية التي انتقدت مشروع قانون فرنسي يناقش حالياً يجرّم تداول صور المسؤولين على وسائل التواصل.

وعلقت العفو الدولية قائلة: فرنسا ليست نصيرة حرية التعبير كما تزعم.

وأضافت العفو الدولية، في بيان، أن ذلك يأتي بعدما "أدانت محكمة فرنسية رجلين بتهمة "الازدراء" بعد أن أحرقا دمية تمثّل ماكرون. وحالياً يناقش البرلمان قانوناً يجرّم تداول صور المسؤولين على وسائل التواصل"، مُعتبرة أنه "من الصعب التوفيق بين هذا التوّجه وبين دفاع فرنسا الشرس عن حق تصوير النبي محمد في رسوم ساخرة".

ولكن الغريب أنه بينما تصدى العالم بما فيه أوروبا لعنصرية ترامب، فإن أوروبا تنساق وراء استنساخ ماكرون للترامبية ومحاولة نشرها في القارة التي تباهي العالم بليبراليتها.

وتعاون فرنسا في ذلك النمسا التي يحظي اليمين المتطرف تقليدياً بوزن نسبي كبير فيها.

ولكن الأغرب أن ألمانيا بزعامة أنجيلا ميركل التي لقبت بماما ميركل لاستقبالها اللاجئين، تتساوق مع هذه التوجهات.

إيطاليا ترفض ربط الإسلام بالإرهاب

وخلال اجتماع عقده الاتحاد الأوروبي مؤخراً حول التطرف كانت فرنسا وألمانيا والنمسا مصرة على ربطه بالإسلام، ومطالبة الوافدين بتعلم لغات دولهم الجديدة "وكسب عيشهم بأنفسهم"، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وأزيلت النقاط الثلاث بسبب رفض دول مثل هولندا والسويد ولوكسمبورغ، إضافة إلى إسبانيا وإيطاليا، ربط مكافحة الإرهاب بالهجرة والتركيز الواضح على "الإسلاموية".

ومن المعروف أن إسبانيا وإيطاليا وهما من الدول المتوسطية التي ينظر لها على أنها أقل حضارة من دول شمال أوروبا الغنية، المفارقة أن ماكرون كان يهاجم الحكومة الإيطالية باعتبارها حكومية يمينية متطرفة.

كما  حذف من البيان الإشارة لعقوبات ضد أولئك الذين فشلوا في الاندماج، فقد شمل بدلاً من ذلك تحذيراً للمنظمات غير الحكومية التي يتبين أنها تنتهك القانون.

لماذا لا يتحذون نفس الإجراءات مع اليمين المتطرف؟

تزامن ذلك مع شن النمسا حملات على المنظمات الإسلامية، بهدف استئصال الإسلام السياسي، ومن المعروف أن أبرز الأحزاب النمساوية هو حزب الشعب اليميني الذي كان زعيمه يورج هايدر منبوذاً في أوروبا.

وبينما أكدت ميركل وماكرون أن الحملة لا تستهدف الإسلام، وتقول النمسا وفرنسا إلى أن الحملة تستهدف الإسلام السياسي فقط، فإن المفارقة أن ميركل هي زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، وتفاخر بأيديولوجيتها المسيحية الديمقراطية وهي أيديولوجيا سياسية تجمع بين المبادئ المسيحية والديمقراطية، وهي أيديولوجيا ظهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر تحت تأثير المحافظة والتعاليم الاجتماعية الكاثوليكية، بل إن هناك كتلة برلمانية مسيحية ديمقراطية في البرلمان الأوروبي.

الأهم إذا كان ماكرون والنمسا يطاردان ما يسميانه الإسلام السياسي ويحاسبان منتسبيه المحتملين على نواياهم، فلماذا لا يحظران أحزاب اليمين المتطرف في بلادهما، وهي خطر أكبر على الديمقراطية باعتراف ماكرون نفسه حينما كان مرشحاً رئاسياً.

ولماذا تحظر النمسا التمويل الأجنبي للمؤسسات الإسلامية بينما مازال مسموحاً به للمجتمعات المسيحية واليهودية.

تحميل المزيد