الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أشعل حرباً تجارية مع الصين. خليفته جو بايدن ربما يجد إعلان الحرب ضد بكين أمراً لا مفر منه في حالة إقدام الصين على غزو تايوان، فما القصة؟
ترامب يخطط لعقوبات قبل الرحيل
على الرغم من رفض ترامب حتى الآن التسليم بهزيمته في الانتخابات والسماح لفريق جو بايدن بالبدء في إجراءات نقل السلطة للإدارة الجديدة، يظل ترامب رئيساً للبلاد حتى ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل وبالتالي يمتلك سلطات إصدار القرارات بشكل كامل.
وفي هذا السياق، نشر موقع Axios الإخباري الأمريكي اليوم الإثنين 16 نوفمبر/تشرين الثاني تقريراً بعنوان "ترامب يخطط لفرض عقوبات كاسحة على الصين في آخر لحظة"، كشف عن وجود خطط بالفعل لفرض عقوبات اقتصادية بحق المزيد من الشركات والمسؤولين الصينيين، نقلاً عن مصادر قريبة من البيت الأبيض.
هدف ترامب من خطة فرض تلك العقوبات هو ترسيخ إرثه الرئاسي فيما يتعلق بالصين من ناحية وجعل تراجع بايدن عن سياسة العداء المعلن بين البلدين مستحيلاً من ناحية أخرى، خصوصاً أن بكين تتبع سياسة عدائية ومتحدية للولايات المتحدة سواء في الهند أو هونغ كونغ أو تايوان، في وقت تقترب الموجة الثانية من وباء كورونا من فرض إغلاق تام مرة أخرى.
وقد تحدث مدير المخابرات الوطنية في إدارة ترامب جون راتكليف علانية في الأيام الأخيرة عما وصفه بمعلومات استخباراتية مفصلة تظهر أفعالاً صينية تستهدف المصالح الأمريكية داخل البلاد وليس فقط حول العالم.
وترتكز خطة العقوبات المفترض، بحسب التقرير، فرضها في الأسابيع القليلة المتبقية للرئيس ترامب على استهداف المزيد من الشركات الصينية والمؤسسات الحكومية والمسؤولين تحت دعاوى التورط في انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم شينغيانغ ضد أقلية الإيغور المسلمة وكذلك في هونغ كونغ إضافة إلى استهداف الأمن القومي الأمريكي.
وقد علق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون إليوت للموقع قائلاً: "ما لم تعكس الصين طريقتها الحالي وتصبح لاعباً مسؤولاً على المسرح الدولي، سوف يجد أي رئيس أمريكي قادم أن تخليه عن قرارات ترامب التاريخية بمثابة انتحار سياسي".
هل يفعلها بايدن إذاً؟
من المؤكد أن العلاقات الأمريكية الصينية تحمل في طياتها تداعيات تتأثر بها جميع دول العالم، ففي نهاية المطاف تمثل واشنطن وبكين القوتين الأعظم اقتصادياً وحتى التفوق العسكري الأمريكي لا يعني أن أي مواجهة بين البلدين تعتبر محسومة عسكرياً، وبالتالي فإنه وللمرة الأولى منذ انفراد الولايات المتحدة بالساحة الدولية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثة عقود، يتجه العالم نحو الثنائية القطبية مرة أخرى وما يرتبط بتلك الثنائية من أجواء الحرب الباردة في القرن الماضي.
لذلك من الطبيعي أن ينشغل العالم بالتساؤلات حول النهج الذي قد تتبعه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، فهل ستسير على نفس المسار التصادمي الذي اتبعه ترامب أم سيكون النهج أكثر تصالحاً؟ وقد تناول موقع The National Interest الأمريكي هذا السؤال بالتحديد في تقرير له رصد سيناريوهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين وأي سيناريو قد يفضله جو بايدن.
والقصة هنا أكثر تعقيداً مما قد يعتقده البعض، فصحيح أن شخصية ترامب التصادمية ربما تكون أحد أسباب تصاعد التوتر بين البلدين لمستويات غير مسبوقة في السنوات الأربع الماضية والوصول إلى حرب تجارية مفتوحة وتبادل الإجراءات العقابية وفرض الرسوم والتعريفات الجمركية، لكن لا يمكن إغفال طموحات الصين تحت زعامة شي بينج والتي لم تعد خافية وهو العنصر الذي سيظل ثابتاً في معادلة السياسة تحت إدارة بايدن.
وفي ظل العقوبات التي فرضها ترامب على الصين وتلك التي يخطط لفرضها قبل مغادرته البيت الأبيض سيكون من الصعب على جو بايدن التراجع واتباع مسار التهدئة مع بكين ما لم يقدم "شي" ما يظهر استعداده للتفاوض بشأن الملفات المتنازع عليها بين البلدين.
العقدة في ملفي هونغ كونغ وتايوان
والمتابع للإعلام وردود الفعل الرسمية في تايوان على نتائج الانتخابات الأمريكية وفوز بايدن يرصد مدى القلق الذي يغلف تايبيه من العودة إلى السياسات الخارجية لحقبة أوباما والتي تعني نهجاً أكثر تصالحاً تجاه الصين وأقل دعماً لتايوان مقارنة بما كانت عليه الأمور في حقبة ترامب، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية بعنوان "هل يشن بايدن حرباً لمنع الصين من غزو تايوان؟".
ويرى كثير من المحللين أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة قد تخطت بالفعل مرحلة التأثر بتغيير الإدارة الأمريكية بعد أن تخلت بكين عن السياسة التي اتبعتها على مدى عقود وهي إخفاء قوتها والابتعاد عن الظهور اللافت على المسرح الدولي والتحول بوضوح تحت زعامة شي إلى تأكيد نفوذها إقليمياً ودولياً، وإعلان شي أن توحيد تايوان والصين مرة أخرى هو أول بند على سياسته الخارجية، وتأكيده أن ذلك سيتم ولو بالقوة.
وفي هذا السياق، يرصد المراقبون السياسة التي اتبعها الرئيس الديمقراطي جون كينيدي أثناء الحرب الباردة وهي تأكيد نفوذ الولايات المتحدة على المسرح الدولي ولو بالقوة كما حدث في أزمة الصواريخ الكوبية، ويرون أن جو بايدن على الأرجح سيجد نفسه مضطراً لاتباع السياسة ذاتها، أي "دفع الثمن أياً كان" لتأكيد وقوف واشنطن في صف تايوان والدفاع عن استقلالها عن الصين.
والأمر نفسه ينطبق على موقف واشنطن من محاولات الصين ضم هونغ كونغ والسيطرة عليها، وبالتالي فإن موقف إدارة بايدن من هذين الملفين بالتحديد سيكون رهناً بتصرفات الصين وليس بالتراجع عن إرث ترامب كما قد يظن البعض، ففي حالة إصرار بكين على إعادة تايوان إلى بر الصين الرئيسي كما تعهد شي على الأرجح، سيجد بايدن نفسه في موقف تنحصر فيه خياراته وربما لا يكون أمامه إلا شن الحرب لمنع الصين من غزو تايوان.