التهرب الضريبي بشقّيه الجنائي والمدني، والتشهير بسيدات اتهمنه بالاغتصاب والتحرش.. ماذا ينتظر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بعد أن تسقط عنه حصانة البيت الأبيض؟
قضايا مؤجلة بسبب الحصانة
منذ تولَّى الرئيس دونالد ترامب المنصب، في يناير/كانون الثاني 2017، وهو محاصَر بقضايا مدنية وتحقيقات جنائية تلاحق دائرته المقربة، لكن الآن بعد أن خسر الانتخابات، بحسب ما أظهرته نتائج الانتخابات حتى الآن، وفوز منافسه الديمقراطي جو بايدن بالمنصب، فمن المرجح أن تزداد أهوال ترامب القانونية صعوبةً وعمقاً، بعد 20 يناير/كانون الثاني المقبل، بسبب فقدانه للحماية التي يوفرها النظام القانوني الأمريكي لساكن البيت الأبيض، بحسب ما قاله مدّعون سابقون لرويترز، في تقرير بعنوان "المواطن ترامب يواجه أهوالاً قانونية".
وتوجد حالياً قائمة طويلة من الدعاوى المدنية والتحقيقات الجنائية المفتوحة، التي قد تجعل حياة ترامب أكثر صعوبةً بمجرد أن تنتهي ولايته.
مدع عام في نيويورك
النائب العام في مقاطعة مانهاتن، بولاية نيويورك، سايروس فانس، فتح تحقيقاً جنائياً منذ أكثر من عامين يتعلق بأنشطة ترامب وأنشطة مؤسسته، وبدأ التحقيق في الأصل بالتركيز على أموال دفعها محامي ترامب السابق مايكل كوهين لامرأتين؛ كي تلزما الصمتَ بشأن ممارسات جنسية مع الرئيس، وهي الادّعاءات التي نفاها ترامب.
فانس الذي يتولى التحقيق ديمقراطي -أي أنه من أعضاء الحزب الديمقراطي وليس ديمقراطياً بالمعنى العام للكلمة- وقدم مؤخراً مستندات للمحكمة توضح أن التحقيق الذي يُجريه قد أصبح أكثر اتساعاً، وقد يركز أيضاً على اتهامات بالنصب على البنوك والضرائب والتأمين، إضافة إلى تزييف سجلات أعمال.
ومن جانبه، اتّهم ترامب الجمهوري فانس الديمقراطي، بأن تحقيقه ليس إلا مضايقات تكمن خلفها دوافع سياسية، لكن القضية نفسها اجتذبت الكثير من الاهتمام والمتابعة، بسبب محاولات فانس الحصول على ثماني سنوات من عوائد الضرائب الخاصة بترامب، وفي يوليو/تموز الماضي، رفضت المحكمة العليا طلب ترامب الحفاظ على سرية عوائده الضريبية، قائلة في حيثياتها إن الرئيس ليس محصّناً ضد التحقيقات الجنائية، لكن بإمكان الرئيس أن يستخدم حججاً أخرى للدفاع، رداً على طلبات استدعاء فانس له.
ويقول خبراء القانون إن فانس على الأرجح سوف ينجح في النهاية في محاولاته الحصول على سجلات ترامب المالية؛ فبينما قالت وزارة العدل إنه لا يمكن إدانة رئيس أثناء وجوده في المنصب، فإن فانس لا يخضع لتلك السياسة لأنه ليس محققاً فيدرالياً، لكن رغم ذلك ظلَّ فانس متردّداً في توجيه اتهامات رسمية لترامب بسبب عدم وضوح مدى دستورية القصة، بحسب ما قاله هاري سانديك، وهو مدعٍ عام سابق في نيويورك.
"هذه المخاوف سوف تختفي بالطبع ما إنْ يغادر ترامب البيت الأبيض ويصبح مواطناً مرة أخرى"، بحسب سانديك، ويتفق معه أستاذ العلوم السياسية في جامعة براون، كوري بريتشنايدر، في كون تحقيق فانس يمثل تهديداً للمواطن ترامب.
"حقيقة أنهم أصدروا استدعاءات قانونية وواصلوا مسارات التقاضي، وصولاً إلى المحكمة العليا، يعني أن هذا تحقيق جنائي خطير للرئيس".
هل هناك تحقيق في وزارة العدل؟
لكن ربما يكون التهديد الأخطر الذي يواجهه المواطن دونالد ترامب مصدره وزارة العدل الأمريكية نفسها التي سيتولاها نائب عام جديد، وهناك شواهد على أنه سيتم فتح تحقيق جنائي، بحسب بعض خبراء القانون الذين يقولون إن ترامب قد يواجه اتهامات فيدرالية بالتهرب الضريبي، بالإشارة لتقرير صحيفة نيويورك تايمز، الذي كشف أن الرئيس سدَّد 750 دولاراً فقط كضرائب عام 2016، ونفس المبلغ في 2017.
وعن هذه النقطة تحديداً، قال نيك أكرمان، المدعي السابق والمحامي الحالي: "لدينا ما كشف عنه تقرير نيويورك تايمز، الذي يحمل كل معطيات جريمة الغش في قصة الضرائب"، محذراً أنه لا بد أولاً من الاطِّلاع على جميع الأدلة قبل إصدار الأحكام.
ترامب كان قد غرَّد نافياً ما جاء في تقرير الصحيفة الأمريكية، قائلاً إنه سدَّد للضرائب ملايين الدولارات، لكنه استفاد من الإعفاءات الضريبية كأي رجل أعمال آخر، ونظراً للجدل الكبير الذي قد يثيره توجيه وزارة العدل في إدارة جو بايدن اتهامات لرئيس سابق بالتهرب الضريبي، حتى في ظل وجود أدلة دامغة، قد تمتنع وزارة العدل عن فتح تحقيق جنائي بحقِّ الرئيس ترامب بعد مغادرته لمنصبه.
وقد كان بايدن حذراً للغاية في هذه النقطة تحديداً، وقال إنه لن يتدخل في عمل وزارة العدل، مضيفاً في حوار إذاعي في أغسطس/آب الماضي، أن توجيه اتهامات جنائية بحق سلفه سيكون أمراً "غير عادي بالمرة.. كيف أصيغ ذلك؟ لن يكون أمراً جيداً أبداً بالنسبة لدولة ديمقراطية".
تحقيق مدني في نيويورك
لكن فتح تحقيق جنائي من جانب وزارة العدل ليس الخطر الوحيد الذي ينتظر ترامب ما إنْ يغادر المنصب، حيث إنَّ هناك تحقيقاً مدنياً بشأن الغش والتهرب الضريبي مفتوح بالفعل من جانب النائب العام في ولاية نيويورك، لاتيتا جيمس، متهم فيه ترامب وأسرته ومنظمته.
وفتحت جيمس ذلك التحقيق بعد أن أخبر محامي ترامب السابق، كوهين، الكونغرس أن الرئيس كان يرفع من قيمة أصوله، ليضمن الحصول على قروض وأموال تأمين، ويخفض من قيمة نفس الأصول كي تنخفض قيمة الضرائب العقارية المفروضة على نفس الأصول.
وقد رفضت منظمة ترامب القضية تحت ذريعة أنها تحمل دوافع سياسية، لكن التحقيق هنا طبيعته مدنية وليست جنائية، وهو ما يعني أن الإدانة سينتج عنها غرامات مالية دون خطر عقوبة السجن.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قد تم استجواب إيريك ترامب، نجل الرئيس الذي يتولى منصب نائب الرئيس التنفيذي لشركة ترامب، بسبب ما وصفه النائب العام بتورط إيريك المباشر في صفقة أو صفقات تتم مراجعتها حالياً.
قضية جين كارول
جين كارول كاتبة سابقة في مجلة إيلي، رفعت قضية تشهير عام 2019 ضد ترامب، بعد أن نفى الرئيس ادعاءاتها بأنه اغتصبها في تسعينات القرن الماضي، في أحد مباني نيويورك، واتهمها بالكذب كي ترفع من مبيعات كتابها.
وفي أغسطس/آب الماضي، سمح قرار لقاضي بأن تستمر القضية، وهو ما يعني أن محامي كارول سوف يطلب عينة دي إن إيه من ترامب، لمضاهاتها بفستان قالت كارول إنها كانت ترتديه وقت حادثة الاغتصاب.
وقد رفض قاضٍ فيدرالي طلباً من وزارة العدل، لاستبدال المدعى عليه في القضية من ترامب بشخصه إلى الحكومة الفيدرالية، وقال القاضي لويس كابلان إن ترامب لم يدلِ بتصريحاته بشأن كارول، في إطار مهام وظيفته كرئيس للبلاد.
وتوقعت باربرا ماكويد، أستاذة القانون في جامعة ميشيغان، أن وزارة العدل في عهد بايدن لن تتدخل لحماية ترامب في تلك القضية، على عكس وزارة العدل في عهد دونالد ترامب.
وأضافت ماكويد، التي عملت مدعيةً سابقةً، أنه من غير المرجح لدى وزارة العدل أن تواصل "ما أرى أنه معاملة تفضيلية"، بعد أن تتسلم الإدارة الجديدة مهامها.
قضية سومر زيرفوس
سومر زيرفوس كانت متسابقة في برنامج تلفزيون الواقع، الذي كان يقدمه ترامب، ورفعت قضية تتهم الرئيس بأنه "قبَّلها رغماً عنها" عام 2007، خلال اجتماع، ثم تحرَّش بها جنسياً في وقت لاحق في أحد الفنادق.
وبعد أن وصفها ترامب بالكاذبة، رفعت سومر قضية تشهير، وقال ترامب وقتها إنَّ منصبه كرئيس يجعله محصناً ضد الإدانة في القضية، فماذا حدث فيها؟ لا تزال القضية معلّقة بعد أن راجعتها محكمة استئناف في ولاية نيويورك، لدراسة قرار بشأن مدى قانونية محاكمة ترامب وهو في البيت الأبيض، ومع انتهاء ولايته كرئيس تسقط عنه تلك الحصانة، ويزول الجدل القانوني.