ربما لم يعد السياح إلى شواطئ مصر ومواقعها التاريخية، لكنَّ مستثمري المَحافِظ يعودون، فمنذ مايو/أيار الماضي، تهافت الأجانب للحصول على أكثر من 10 مليارات دولار من الديون بالعملة المحلية، ما يعكس مسار اتجاه الدول العربية للاقتراض الذي برز في الأيام الأولى لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
فهناك حماسة مماثلة في عموم المنطقة، إذ أصدر الأعضاء الستة بمجلس التعاون الخليجي رقماً قياسياً يبلغ 100 مليار دولار من الديون العامة وديون الشركات، في الأشهر العشرة الأولى من السنة، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
وتغازل سندات الخزانة المستثمرين المحليين كذلك، ولو أنَّ ذلك ليس ناجحاً دوماً: واجهت الحكومة التونسية رفضاً حين طلبت من البنك المركزي قيامه بشراء سندات خزانة.
اتجاه الدول العربية للاقتراض بدأ قبل الجائحة
ودخلت الدول العربية في نوبة من الاقتراض، فحتى قبل حلول كوفيد 19، كان الكثير منها يتحصَّل على ديون جديدة لمواكبة انخفاض أسعار النفط والاقتصادات المتثاقلة. ولم تؤدِّ الجائحة إلا لزيادة احتياجات تلك الدول، وبحلول العام المقبل ستكون نسب الدين العام في العديد من تلك الدول عند أعلى مستوياتها في عقدين. واستدانت بلدان المنطقة الـ11 المُصدِّرة للنفط والغاز بمتوسط 25% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2000 و2016.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ النسبة العام المقبل مستوى 47%. وتكون الزيادات أقل حدة في البلدان التي لا تملك موارد طاقة، لكن هذا فقط لأنَّها كانت تملك بالفعل مستويات دين عالية.
وليس هذا مدعاةً للقلق دائماً، إذ ستبلغ نسبة الدين السعودي من الناتج المحلي الإجمالي ما يُقدَّر بـ34% العام المقبل، بارتفاع عن مستوى 17% في عام 2017. وستتضاعف تقريباً مستويات الدين في الكويت والإمارات أيضاً، لتصل إلى 37% و38%. ولا تزال هذه الأرقام منخفضة على نحوٍ مريح. ولدى البلدان الثلاثة بنوك مركزية تتمتَّع باحتياطات جيدة أو صناديق ثروة سيادية وفيرة المال. ورأس المال رخيص؛ إذ بلغت عوائد شريحة من السندات السعودية باليورو، صدرت في يناير/كانون الماضي، لأجل 35 سنة، أقل من 4%.
ولكن هناك بلدان أخرى في أزمة، ديون مصر ترتفع
يبدو وضع الدول الأخرى المنتجة للنفط أكثر تضعضعاً، إذ يُتوقَّع أن تبلغ نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي في البحرين مستوى 131% العام المقبل، بارتفاع من متوسط 34% بين عامي 2000 و2016، وسيبلغ دين عُمان 89%، وكانت أسواق السندات مغلقة إلى حدٍّ كبير أمامهما في وقتٍ سابق من هذه السنة، ولا تقدم أسواق النفط الكثير من الأمل لميزانياتهما؛ إذ دفع تجدد إجراءات الإغلاق في أوروبا وارتفاع عدد الإصابات في أمريكا الأسعار نحو الهبوط أكثر، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأدَّت الجائحة إلى إلغاء نتائج سنوات من الإصلاح في البلدان الأخرى بالمنطقة. فقلَّصت مصر الدعم وفرضت ضريبة القيمة المضافة، بعد اقتراض 12 مليار دولار (على مدار 3 سنوات) من صندوق النقد الدولي في 2016. وقلَّصت العجز من 11% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016 إلى 7% العام الماضي، وكانت في طريقها لخفض نسبة ديونها إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 79% في عام 2021، لكنَّ الجائحة أعادتها مجدداً إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 5.2 مليار دولار. ومن المتوقع أن تقفز ديونها السنة المقبلة مجدداً إلى 91% من الناتج المحلي الإجمالي، وسيكون الأردن خلفها بقليل عند مستوى 89%، وتونس عند 86%.
لماذا يقبل المستثمرون على الدين المصري؟
في الوقت الراهن على الأقل، يشعر المستثمرون بالحماس حيال الدين المصري، فالعوائد مرتفعة –عادت الدفعة الأخيرة من أذونات الخزانة لأجل 6 أشهر بنحو 13.5%- وقضى حكم عبدالفتاح السيسي الاستبدادي على المخاوف بشأن عدم الاستقرار السياسي، لكن يمكن أن تكون المشاعر متقلبة، وتدفق 12 مليار دولار إلى خارج السوق المحلي بين مارس/آذار ومايو/أيار الماضيين.
ويعود كل هذا الاقتراض بعوائد قليلة على الدول العربية. فأكثر من 70% من ميزانية الكويت مخصصة لرواتب القطاع العام والدعم. وهي لا تحصل على القروض لتمويل الإصلاحات، بل للحفاظ على البيروقراطية المتضخمة. وكانت الدول العربية أيضاً بخيلة في حزم التحفيز التي أطلقتها في مواجهة كوفيد 19. فخصصت متوسط 2% من الناتج المحلي الإجمالي للمساعدة المرتبطة بالجائحة، مقارنةً بـ3% لكل الأسواق الناشئة، وسبب هذا جزئياً هو محدودية القوة المالية.
وساعد الاقتراض تلك البلدان على المواكبة، لكنَّه أيضاً يفاقم هذه المشكلة (تنفق مصر بالفعل ما يُقدَّر بـ9% من الناتج المحلي الإجمالي لخدمة الديون). ومن المتوقع أن تبقى أسعار النفط منخفضة العام المقبل، وسيكون تعافي بعض الصناعات الحيوية مثل السياحة بطيئاً. وستحد أعباء الدين الأثقل من المدى الذي يمكن للحكومات العربية من أن تعزز اقتصاداتها المتباطئة به بغرض تنشيطها.