نقطة التقاء ثقافة الغرب والجنوب الأمريكيين المعادية للأفارقة والمكسيكيين، والليبراليين قد تحدث مفاجأة، نعم على حين غرة أصبحت تكساس ولاية متأرجحة بالانتخابات الرئاسية يتطلع الديمقراطيون للفوز بها حتى أنهم أرسلوا نائبة المرشح الديمقراطي كامالا هاريس إلى هناك قبل يوم من الانتخابات.
كانت تكساس كما نراها في أفلام الغرب الأمريكي، موطناً للثقافة الأمريكية التقليدية المعادية لليبراليين والأقليات، أرض بارونات النفط والقطن ورعاة البقر الأقوياء الواثقين من أنفسهم.
الولاية التي كانت جمهورية مستقلة اقتطعها المغامرون الأمريكيون القساة من المكسيك قبل قرن ونصف، كانت أرضاً مضمونة للجمهوريين بل معقلهم الأساسي.
موطن حراس أمريكا البيضاء الفخورين بسلاحهم، الولاية التي تشكو من وطأة الهجرة اللاتينية التي غازلها ترامب بفجاجة عبر سوره المانع العظيم على الحدود مع المكسيك.
بعد أربعين سنة من هيمنة الجمهوريين على الانتخابات الرئاسية بتكساس، الآن لم تعد الولاية مضمونة لترامب كما كانت في السابق، رغم المضايقات التي يتعرض لها الناخبون الديمقراطيون بها.
وتكساس لديها ثاني أكبر عدد من الأصوات في المجمع الانتخابي بعد كاليفورنيا باعتبارها ثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكان، إذ لديها 38 صوتاً في هذا المجمع من بين 538 صوتاً هم إجمالي أعضاء المجمع.
مضايقات لمؤيدي بايدن والناخبين
في عدة حالات خلال الأيام القليلة الماضية عطل مؤيدو الرئيس ترامب حركة المرور. في تكساس يوم الجمعة، حاصر أنصار ترامب حافلة حملة بايدن.
وانتقدت نائبة بايدن العراقيل على الناخبين من الأقليات والنساء، خاصة ما حدث في مناطق بهيوستن من خلال تخصيص مركز واحد لأعداد كبيرة من الناخبين في مناطق الأقليات، وركزت على تشجيع الأقليات والنساء على التصويت.
لكن رغم هذه العراقيل النابعة من الهيمنة الجمهورية على الولاية، فإن تكساس اكتسبت أهمية خاصة للديمقراطيين.
فحتى قبل ذهاب هاريس لهناك، زارت جيل بايدن، زوجة بايدن، تكساس في وقت سابق من هذا الشهر للاحتفال باليوم الأول للولاية للتصويت المبكر. حشدت الناخبين في إل باسو ودالاس وهيوستن، وأخبرتهم أن فرصة تاريخية في متناول اليد.
وقالت جيل بايدن في إل باسو: "لأول مرة منذ فترة طويلة الفوز بتكساس ممكن". "ليس فقط لجو، ولكن لمجلس الشيوخ ومجلس الولاية أيضاً. وإذا فزنا هنا فلا يمكن إيقافنا".
قبل ذلك أمضى زوج هاريس، دوغلاس إمهوف، يومين يجول في الولاية.
لماذا يمكن اعتبار تكساس ولاية متأرجحة؟
لا يجب المبالغة في التقييم، لم تُدرج تكساس في قائمة ولايات المعارك من الدرجة الأولى مثل بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن ونورث كارولينا وفلوريدا وأوهايو التي تعرف باسم الولايات المتأرجحة.
لكنها اكتسبت فجأة قوة جذب حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة هامشاً ضيقاً في الفروق بين ترامب وبايدن، مع تذبذب نتائج الاستطلاع ذهاباً وإياباً بين ترامب وبايدن. تُظهر أحدث البيانات أن تقدم ترامب ضعف في تكساس بعدما كان حقق 9 نقاط مئوية كفارق في انتخابات 2016.
وتأتي زيارة نائبة ترامب في الوقت الذي تتوقع فيه استطلاعات الرأي حدوث سباق رئاسي محكم في تكساس. وفقاً لآخر استطلاع أجرته جامعة تكساس، تكساس تريبيون، يتقدم ترامب على بايدن في الولاية بنسبة 5 نقاط مئوية. فاز ترامب بولاية تكساس بفارق 9 نقاط في 2016.
جذب السباق المحتدم انتباه الديمقراطيين على المستوى القومي الأمريكي وكذلك المراقبين السياسيين والاستراتيجيين، الذين يرون فرصة لبايدن في الأيام الأخيرة من الحملة.
وقال إل بيير دوبوا، وهو محلل سياسي جمهوري مخضرم: "لبعض الوقت كان الجميع يتوقع أن يتزايد تقدم ترامب، وسينمو إلى 5 أو 6%". "بدلاً من ذلك تستمر استطلاعات الرأي في التغيير، لتظهر أن تكساس تلعب دوراً حقيقياً معركة الرئاسة وأنها ليست مضمونة لترامب كما كان يعتقد في السابق".
مع استطلاعات الرأي التي أظهرت أن بايدن يتقدم بقوة على المستوى الوطني وفي الولايات المتأرجحة اختارت حملته والمنظمات الديمقراطية الأخرى الاستثمار في تكساس على أمل تحقيق نصر مفاجئ مع تقديم المساعدة للديمقراطي إم جي هيغار في سباق مجلس الشيوخ الأمريكي وغيرهم من المرشحين للكونغرس.
قبل يوم من الانتخابات وفي اليوم الأخير من التصويت المبكر، قامت كامالا هاريس المرشحة لمنصب نائب الرئيس الديمقراطي بزيارة تكساس.
تهدف هاريس إلى تشجيع إقبال الناخبين المؤيدين للديمقراطيين، على الرغم من أن عدداً غير مسبوق من تكساس سيكون قد أدلى بالفعل بأصواته في وقت مبكر.
اعتباراً من يوم الثلاثاء أدلى 8.1 مليون ناخب بأصواتهم في وقت مبكر أو بالبريد، وهو ما يمثل 48% من الناخبين المسجلين في الولاية البالغ عددهم 16.9 مليون. ألغت ولاية تكساس سمعتها السيئة كولاية ذات مشاركة منخفضة للناخبين من خلال قيادة أمريكا بإقبال مبكر على التصويت يمثل 80% من إجمالي أصوات الولاية في عام 2016.
قال ريتشارد موراي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هيوستن "كانت هناك سلسلة من الظروف التي لا يمكن التنبؤ بها والتي حولت تكساس إلى حالة تنافسية غير متوقعة"، مشيراً إلى عوامل مثل ازدراء الناخبين الديمقراطيين لترامب وإدارته للجائحة.
لماذا تشهد تكساس هذا التغير؟
تغيير تركيبة الناخبين
أدى إلى زيادة نسبة المشاركة توسع القاعدة الديمقراطية بسبب التحولات الديموغرافية وهجرة الأمريكيين من كاليفورنيا الليبرالية إلى تكساس المحافظة.
قال موراي: "مواقف الناس السياسية لا تتغير حتى عندما ينتقلون عبر حدود الولايات".
تقول كيمبرلي راتكليف الديمقراطية التي انتقلت من نيويورك لإدارة مرزعة في تكساس: "ينتقل الناس إلى هنا من ولايات أخرى وهم يجلبون وجهات نظرهم الليبرالية إلى هنا".
كما استمر نمو عدد السكان اللاتينيين لسنوات، ولكن جنباً إلى جنب مع موجة الوافدين الجدد، التي يجتذبها انخفاض تكاليف الحياة في تكساس وفرص العمل، ولذا فإن مدن تكساس والضواحي المحيطة بها تزداد انحيازاً للديمقراطيين، وفقًا لموراي، الذي يبحث في تأثير التحولات الديموغرافية في سياسة الولاية.
انتقلت مقاطعات مثل Fort Bend في منطقة هيوستن ومقاطعات Denton وCollin في منطقة Dallas-Fort Worth ومقاطعة Hays بالقرب من أوستن أو تنتقل من الجمهوريين إلى الديمقراطيين.
الدافع وراء هذا التحول هو الزيادة في عدد السكان الآسيويين، لا سيما المنحدرين من أصل هندي، الذين توافدوا على هذه الضواحي ويميلون إلى الديمقراطيين.
وقال موراي: "كولين هو الأكبر من بين كل هذه المقاطعات، وحصل الديمقراطي أورورك على 47% من الأصوات هناك في عام 2018″، وذلك في تحد للسناتور الأمريكي الجمهوري تيد كروز. خسر أورورك الانتخابات لكنه قلص الهامش إلى 2.56%.
موقف النساء بعد ازدراء ترامب لهم
كما تساعد النساء الديموقراطيات، ولا سيما نساء الضواحي، اللائي ينفصلن عن السياسة التي يتبعها ترامب ويشكلن كتلة تصويتية هائلة، ويخرجن بمعدل أعلى من الرجال، وفقاً للحزب الديمقراطي في تكساس.
وقالت بريتاني سويتزر، مديرة العلامة التجارية للحزب: "تستمر النساء في قيادة الحزب الديمقراطي في تكساس وستكون مفتاحاً للفوز".
يتوقع موراي أن 9 ملايين من سكان تكساس سيصوتون مبكراً وسيصوت ما مجموعه 12 مليوناً في هذه الانتخابات. وقال موراي بالنظر إلى ثقل التصويت في المدن والضواحي، "لدى بايدن فرصة جيدة للغاية – سيكون السباق قريباً جداً".
ومع ذلك كان الجمهوريون على مستوى الولاية أيضاً متحمسين في وقت مبكر من الناخبين ومن المتوقع أن يتبعوا التقاليد ويظهروا بأعداد كبيرة في يوم الانتخابات.
قال براندون جيه روتنجهاوس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هيوستن: "لقد توسع الناخبون الديمقراطيون بشكل مطرد في السنوات القليلة الماضية، واستقر الإقبال على الجمهوريين في السنوات القليلة الماضية". "لكي يفوز الجمهوريون يحتاجون إلى جمهوريين متشددين للتصويت، ولكن أيضاً يحتاجون إلى تحالف من النساء والمتعلمات في الجامعات والناخبات الريفيات للظهور في القوة".
يمكن أن تكون المدن الأصغر في الولاية مثل ميدلاند ولوبوك وواكو، بالإضافة إلى الامتداد الشاسع للمقاطعات الريفية، مرة أخرى نقطة تحول بالنسبة للديمقراطيين. هذا هو المكان الذي تم فيه تعثر المرشح في انتخابات أورورك في عام 2018.
استثمارات الديمقراطيين
قال أنجل في الدورات الانتخابية السابقة، كان الديمقراطيون يعانون من عيوب في التمويل.
لكن هذا العام أصبح الديمقراطيون ينفقون بغزارة، مما يقلق الجمهوريين. ومن بينهم السناتور الأمريكي جون كورنين، الذي قال للصحفيين إن "الإنفاق الخاطف" المتأخر من قبل الجماعات الديمقراطية سيعني "أننا سنضطر إلى أن ننفق أكثر".
يشمل استثمار الديمقراطيين في تكساس تخصيص حملة بايدن لأكثر من 6 ملايين دولار لجهودها في تكساس، ومساهمة قدرها 28 مليون دولار بقيادة أثرياء وادي السيليكون لحملة هيغار وتبرع بقيمة 15 مليون دولار من الملياردير مايكل بلومبرغ لإنفاقها على حملات إعلانية في تكساس وأوهايو.
وأعلن مؤسس مشروع لينكولن، وهو مجموعة من الاستراتيجيين السياسيين الجمهوريين الذين يعملون الآن لانتخاب الديمقراطيين، عن زيادة استثماراتها من مليون دولار في حملة بايدن إلى 4 ملايين دولار، حسبما صرح المؤسس المشارك مايك مدريد مؤخراً للصحفيين في تدوينة صوتية.
والمنظمة المعروفة بإعلاناتها التلفزيونية التي تصور وجهة نظر انتقادية لأمريكا ترامب، تنفق أموالها في المناطق الريفية من ولاية تكساس.
وقال مدريد: "نحن ننتقل إلى المناطق الريفية في تكساس لجذب بعض من هؤلاء الناخبين الجمهوريين". "إذا تحركنا بنسبة 1 أو 2% أخرى فمن المحتمل أن تكون اللعبة قد انتهت خاصة أقبل الأمريكيون اللاتينيون على الانتخابات".
ولكن الجمهوريين لا يردعهم جهود الديمقراطيين في اللحظة الأخيرة والإنفاق الخاطف.
وقالت سامانثا كوتون، المتحدثة باسم حملة النصر لترامب "بينما يقوم متطوعونا بإجراء ملايين الاتصالات مع الناخبين ونشر أجندة الرئيس ترامب أمريكا أولاً، يقوم بايدن بحملة لتدمير صناعة الطاقة (صناعة مهمة في تكساس)"، وأضافت "من الآمن القول إن الرئيس ترامب على وشك الفوز في تكساس".
كورونا أحد أسباب تراجع ترامب
مع الإشارات على انتشار أكبر في العديد من مناطق ولاية تكساس لفيروس كورونا، لا يزال الوباء يحتل المرتبة الأولى في أذهان الناخبين في وقت من العملية الانتخابية حيث يمكن أن تؤدي أخبار مفاجئة إلى تغيير الأمور.
صدمت الحالة التي خلفتها الجائحة العديد من سكان الولاية، الذين عانوا من البطالة والمرض منذ Covid-19 تناوبوا على إصابة أفراد أسرهم خلال موجة الوباء في الوادي هذا الصيف.
بدأت زيارة هاريس إلى تكساس قبل يوم الانتخابات مباشرة في فورث وورث، ثم إيدنبرغ، ثم هيوستن.
المقاطعات الثلاث التي تضم تلك الأماكن، تارانت وهيدالغو وهاريس على التوالي، تظهر بشكل بارز على قائمة تكساس القاتمة الأكثر تأثراً بجائحة كورونا.
قالت كامالا هاريس وهي تستعد لتقرير الصحفي بوب وودوارد إن الرئيس حُذر من خطر الفيروس على أمريكا في 28 يناير ، في وقت أبكر بكثير من الجمهور، وتعمد التقليل من شأنه: "لم يكن من الضروري أن يكون الأمر بهذا السوء".
هل تحسم تكساس الانتخابات الأمريكية؟
قال عضو الكونغرس خواكين كاسترو: "لدينا فرصة لأخذ هذا البلد في اتجاه مختلف، لأخذ سياسة تكساس في اتجاه مختلف، والاستعداد لاستبدال القيادة الجمهورية على مستوى الولاية في عام 2022".
صعد شقيقه التوأم جوليان كاسترو إلى المنصة وأعلن: "للمرة الأولى منذ أكثر من جيل، ستصبح تكساس ديمقراطية ليلة الثلاثاء".
وقال بيتو أورورك، وهو منافس رئاسي آخر لعام 2020: "استمعوا إليّ، أيها الناس، لقد أظهرت استطلاعات الرأي أن دونالد ترامب وجو بايدن متعادلان في تكساس، هذا المجتمع يمكن أن يضع 38 صوتاً في الهيئة الانتخابية قد ينهي هذا الكابوس الوطني في 3 نوفمبر/تشرين الأول".
أوضح أورورك سبب أهمية الإقبال بشكل خاص هذا العام، حيث قال لصحيفة The Guardian البريطانية: "أعتقد أن ريو غراندي، مثل مسقط رأسي في إل باسو، كانا دائماً يستحقان اهتماماً لم يحصلا عليه من الديمقراطيين، لأنهما زرقاوان (ديمقراطيان) بشكل موثوق".
وأضاف أورورك إن الوادي لديه إقبال منخفض من الناخبين وأهمل الحزب الديمقراطي القيام بحملة هناك- ولكن ليس هذا العام. إنهم ينظرون إلى الصورة الكبيرة بينما يتنامى الدعم الديمقراطي في جميع أنحاء الولاية يمكن أن تكون الولاية سبب انتزاع الديمقراطيين للرئاسة.
وأشار حوله، ثم قال: "يمتلك الوادي المفتاح لتقرير كيف ستعمل تكساس. وتكساس لديها المفتاح في تحديد من سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة، لذلك أعتقد أن كل شيء هنا".
بحلول ليلة الجمعة كان 9.6 مليون من تكساس قد صوتوا مبكراً، وهو بالفعل أكثر من تصويت تكساس بأكمله في عام 2016، ويمثلون 57% من الناخبين المسجلين على مستوى الولاية.
مع بقاء بضعة أيام على الذهاب وربع الناس في المقاطعة في العادة ينتظرون التصويت حتى يوم الانتخابات نفسه، رأت هاريس وفريقها بوضوح أن الحملة الانتخابية في إدنبرغ تستحق العناء.
وقالت: "إذا حصلنا على ستة من كل 10 ناخبين، فلن يقتصر الأمر على كسر الوادي لكل سجل إقبال للناخبين تم تحديده على الإطلاق، ولكنه يضع تكساس في المقدمة بالنسبة لجو بايدن".