تواجه إثيوبيا احتمال نشوب صراع أهلي مرير ودام بسبب أزمة إقليم تيغراي، بعدما أمر رئيس وزرائها آبي أحمد برد عسكري على "هجوم" شنه الحزب الحاكم في منطقة تيغراي المضطربة على معسكر يضم قوات فيدرالية.
وقال آبي أحمد "قواتنا الدفاعية صدرت لها أوامر بتنفيذ مهمتها لإنقاذ البلاد. تم تجاوز النقطة الأخيرة من الخط الأحمر. وقال آبي "يتم استخدام القوة كإجراء أخير لإنقاذ الشعب والبلد".
واتهم آبي أحمد جبهة تحرير تيغراي الشعبية بمهاجمة معسكر للجيش في المنطقة ومحاولة نهب الأصول العسكرية الفيدرالية الموجودة بالإقليم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي مخاطباً شعبه على شاشة التلفزيون، عن سقوط قتلى في الهجوم الذي وقع في ميكيلي، عاصمة منطقة تيغراي الشمالية، وبلدة دانشا، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في منطقة تيغراي.
إريتريا تقف مع آبي أحمد ضد أولاد عمومتها.. لماذا؟
ومنطقة تيغراي هي خامس أكبر منطقة من حيث عدد السكان والمساحة، والأكثر كثافة سكانياً بين الولايات الإثيوبية التسع، وعدد سكانها بحسب آخر تقدير رسمي (في منتصف عام 2017) كان 5,247,005.
ولغة تيغراي الرسمية هي اللغة التيغراينية، وهي أكبر اللغات انتشاراً في إريتريا أيضاً، ما يجعل أسمرة معنية بالأزمة، خاصة أن الحزب الحاكم في تيغراي كان يسيطر على السلطة في أديس أبابا إبان فترة الحرب بين إثيوبيا وإريتريا.
وأصدرت إريتريا المجاورة للإقليم بياناً رسمياً اتهمت فيه الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعرقلة السلام والاستقرار الإقليميين.
وفي خطاب متلفز لشعب إقليم تيغراي الإثيوبي الشمالي، يوم الإثنين الماضي، قال دبرصيون قبرمكئيل، رئيس إقليم تيغراي، إن الشعب في تيغراي يجب أن يكون مستعداً لحرب شعبية ضد أعدائه الذين يريدون تركيعه، وأهاب بشعبه تسجيل مآثر بطولية كما في الماضي، مهدداً بقبر الشعبية (الجبهة الشعبية الحاكمة في إريتريا)، في حال مسها بأمن وسلامة تيغراي، وسط أنباء عن طلب إثيوبيا مساعدة إريتريا في الأزمة.
وقال إن الحرب لم تكن خيارنا، بل خيارنا كان السلام، ولكن يريدون فرض الحرب علينا من أجل تركعينا، وإننا سوف ننتصر في الحرب لأننا أصحاب قضية عادلة وندافع عن أنفسنا، حسبما نقل عنه موقع راديو إريتريا الدولي.
وأجرى نائب مفوض الخارجية في الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن، جوسيب بوريل، لقاءً مع رئيس الوزراء الإثيوبي وحاكم إقليم تيغراي، في محاولة من الاتحاد الأوروبي لمنع الوضع في إثيوبيا من التدهور إلى حرب شاملة بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم تيغراي، في أعقاب منع حكومة إقليم تيغراي لجنرال معين من قبل رئيس الوزراء من الوصول إلى قيادة القيادة الشمالية في تيغراي.
وقال جيتاشو رد المسؤول الرفيع في تيغراي بأن إبعاد الجنرال المذكور لم يكن بدوافع عرقية، ولكن بسبب حالة عدم التواصل بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم تيغراي، وإن تعيين الجنرال لم يتم بالتشاور مع حكومة إقليم تيغراي، التي توجد القيادة الشمالية على أراضيها.
لماذا يحظى هذا الإقليم بمكانة خاصة، ولماذا تمثل الأزمة خطورة شديدة على البلاد؟
كان محللون ودبلوماسيون يحذرون منذ أسابيع من أن النزاع بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي قد يتوسع وتشهد أعمال عنف.
هذه الحرب هي أسوأ نتيجة ممكنة للتوترات التي كانت تختمر في البلاد.
بالنظر إلى وضع الإقليم النافذ والذي كان ينحدر منه الحكام السابقون للبلاد، فقد يكون الصراع طويل الأمد وكارثياً، وفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية.
وقال وليام دافيسون، كبير محللي مجموعة الأزمات الدولية في إثيوبيا: "يمكن أن يؤدي ذلك إلى إجهاد الدولة الإثيوبية التي تعرضت بالفعل للعديد من التحديات السياسية الخطيرة، ويمكن أن ترسل أيضاً موجات صادمة إلى منطقة القرن الإفريقي وما وراءها".
سيطرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا لعقود من الزمن قبل أن يتولى آبي السلطة في 2018، ويعلن عن إصلاحات سياسية شاملة. ومع ذلك فقد سمحت تلك الإصلاحات بأن يظهر على السطح المظالم العرقية وغيرها من المظالم، وأدت إلى عدم الاستقرار.
في عهد آبي، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام العام الماضي لإنهاء حرب مع إريتريا المجاورة، اشتكى قادة من تيغراي من استهدافهم ظلماً في محاكمات فساد، وعزلهم من مناصب عليا وإلقاء اللوم عليهم في مشاكل البلاد.
أسباب أزمة إقليم تيغراي
أحد العوامل في الأزمة الجديدة هو تأجيل الانتخابات الوطنية بسبب جائحة كورونا، كان من المقرر إجراء انتخابات وطنية، في أغسطس/آب، لكن مسؤولي الانتخابات قرروا في مارس/آذار تأجيل جميع عمليات التصويت حتى يخف التهديد من الفيروس.
عندما صوّت البرلمانيون لتمديد تفويضات المسؤولين -التي كانت ستنتهي في أوائل أكتوبر/تشرين الأول- مضى زعماء تيغراي قدماً في الانتخابات الإقليمية، في سبتمبر/أيلول، التي اعتبرتها حكومة آبي غير شرعية.
والآن يرى كل جانب أن الآخر غير شرعي، وقد قرر المشرعون الفيدراليون أن حكومة آبي يجب أن تقطع الاتصال بقيادة تيغراي وتمويلها.
ومنطقة تيغراي هي موطن لجزء كبير من الأفراد العسكريين الفيدراليين، حيث توجد الكثير من معداتها، وهو إرث من الحرب الحدودية العنيفة بين إثيوبيا وإريتريا جارتها الشمالية بين عامي 1998-2000.
ويقدر بعض المحللين أن تيغراي يمكن أن تحشد أكثر من نصف إجمالي أفراد القوات المسلحة والآليات.
وفي الأسبوع الماضي، منع تيغراي الجنرال الذي عينه آبي من تولي منصب جديد، قائلاً إن آبي لم يعد يملك السلطة لاتخاذ مثل هذه التحركات.
قال مسؤولون في تيغراي في الأيام الأخيرة، إنهم لن يشرعوا في صراع عسكري، لكن خطر الحرب مرتفع.
مساء الثلاثاء، قبل ساعات من إعلان آبي قال وونديمو أسامنيو، مسؤول كبير آخر في تيغراي، لوكالة فرانس برس، إن الحكومة الفيدرالية تحشد القوات على الحدود الجنوبية لتيغراي، وهو ادعاء لا يمكن التحقق منه بشكل مستقل.
"أعتقد أنه عندما يتعلق الأمر بالتعبئة العسكرية فهي ليست لعبة أطفال، يمكن أن يشعل فتيل حرب شاملة… ما يفعلونه هو اللعب بالنار"، قال وونديمو.
"شرارة صغيرة يمكن أن تشعل المنطقة كلها، لذلك أعتقد أننا في حالة تأهب، ويمكنني أن أؤكد لكم أننا قادرون على الدفاع عن أنفسنا".
"يجب على كلا الجانبين الموافقة بشكل عاجل على وقف إطلاق النار والدخول في مناقشات غير مشروطة في مكان محايد، من أجل الحفاظ على الهدنة ومعالجة الخلاف الدستوري، الذي هو السبب المباشر للصراع. وقال دافيسون إن شركاء إثيوبيا الدوليين يجب أن يضغطوا على الفور من أجل هذا النهج.
وقال نيك تشيزمان، الخبير في السياسة الإفريقية في جامعة برمنغهام، إنه نظراً لأن قدراً كبيراً من القدرات العسكرية للبلاد كان تحت سيطرة جبهة تحرير شعب تيغراي، فإن المواجهة المفتوحة لن تؤدي بالضرورة إلى "انتصار" مباشر للقوات الإثيوبية.
هناك أيضاً خطر حقيقي من أن يؤدي الصراع المفتوح إلى تفاقم التوترات العرقية وإلهام المزيد من المشاعر الانفصالية في أجزاء أخرى من هذا البلد. إذا كان الأمر كذلك، فيمكن أن تتفكك إثيوبيا عند اللحامات. لذلك لا يمكن أن تضيع هذه التطورات في بحر تغطية الانتخابات الأمريكية، حسبما قال تشيزمان.
وتواجه البلاد مشكلة لا تقل خطورة في إقليم أوروما، الذي يمثل نسبة أكبر من سكان إثيوبيا، إذ تمثل نسبة شعب الأورومو نحو 34% من السكان.