أثار الهجوم على كنيسة نوتردام في مدينة نيس الفرنسية، والذي أودى بحياة 3 أشخاص، الذي يعتقد أنه نُفذ من قبل شاب تونسي تساؤلات حول سبب تورط أعداد من شباب من تونس في مثل هذه العمليات الإرهابية، رغم أن البلاد تعد التجربة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي، وقد نجت من مصير الحرب الأهلية كليبيا وسوريا، ومصير الاستبداد كمصر.
ولوحظ تنفيذ عدد من الشبان التونسيين لعمليات إرهابية كما هو الحال مع أنيس العامري الذي هاجم بشاحنة مشاة في برلين في عيد الميلاد مما أدى إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة 56 شخصاً، كما أن تونسياً فرنسياً قاد شاحنة عبر حشد في نيس في 14 يوليو/تموز 2016، مما أسفر عن مقتل 86 شخصاً وإصابة 458، والأخطر هو انضمام أعداد كبيرة من التونسيين، كمقاتلين إلى داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى.
وأشار تقرير للأمم المتحدة في عام 2015 إلى هذه الظاهرة منذ نشأتها، حيث خلص فريق عمل من خبراء الأمم المتحدة إلى أن التونسيين هم الأكثر انضماماً إلى التنظيمات الإرهابية في ليبيا وسوريا والعراق، حيث تجاوز عددهم 5500 شاب آنذاك.
وطالب المسؤولون الدوليون تونس بمنع المزيد من مواطنيها من الانضمام إلى هذه المنظمات. وأكد التقرير أن فريق العمل الخاص به علم بـ"وجود 4000 تونسي في سوريا، بين 1000 و1500 في ليبيا، و200 في العراق، و60 في مالي، و50 في اليمن" وأن "625 عائداً من العراق". إلى تونس موضوع ملاحقات جنائية ".
كما أشارت دراسة أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في ديسمبر 2018 إلى أن المقاتلين التونسيين هم أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب المتورطين في سوريا والعراق، كما أشار التقرير إلى وجود مقاتلين تونسيين في ليبيا ووصفه بأنه مقلق.
الديمقراطية العربية الوحيدة
من الخارج يُنظر إلى تونس على أنها النجاح الوحيد للانتفاضات العربية وساحة معركة رئيسية في "الحرب على الإرهاب" المدعومة دولياً. إنه مكان مزدحم بالجهات الفاعلة الدولية ومنظمات المجتمع المدني (CSOs). في حين وصل معظمهم بعد انتفاضات 2011 لدعم انتقالها إلى الديمقراطية.
وبينما انزلقت ليبيا واليمن وسوريا إلى الفوضى والحرب الأهلية، وعادت مصر إلى الاستبداد بعد انتفاضات 2011، تمكنت تونس من إجراء انتخابات متتالية وصياغة دستور جديد والابتعاد عن النموذج الديكتاتوري الذي هيمن على البلاد لعقود..
تُظهر تونس في نظر الدول الغربية إمكانات دول العالم العربي لاتخاذ مسار ديمقراطي. ومع ذلك فإن انعدام الأمن المتزايد الذي تسببه الجماعات العنيفة قد حوله إلى تهديد أمني محتمل للديمقراطيات الأوروبية، مما أدى إلى إزعاج كبير لكل من العملية الانتقالية في تونس وكيفية تعامل الغرب معها.
أسباب تورط أعداد من شباب من تونس بالإرهاب.. تهميش وظلم
يقول تقرير لموقع Saferworld عندما تسأل الناس في تونس عن مخاوفهم الرئيسية، يتضح بسرعة أن استقرار البلاد يعتمد في المقام الأول على معالجة عدم المساواة والظلم. ومع ذلك فإن فشل الحكومة التونسية في التعامل مع التهميش الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المزمن وعدم المساواة والظلم الذي أشعل انتفاضة 2011 يهدد بتأجيج المزيد من العنف، ويمكّن الجماعات المسلحة العنيفة من استغلال مظالم الناس مع الدولة.
وجاء تقرير الموقع الذي نشر قبل عدة سنوات بالاعتماد على الروايات المباشرة لمنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية والمسؤولين التونسيين والدبلوماسيين الأجانب والأشخاص الذين يعيشون في مدنين وسيدي بوزيد وسيدي حسين.
هجوم متحف باردو نقطة فارقة غزت الإرهاب
كان الاقتصاد التونسي يعتمد على السياحة بشكل كبير.
ولقد تراجعت السياحة بالفعل منذ انتفاضات 2011، لكن هجوم متحف باردو وهجمات سوسة كانت بمثابة ضربة قاصمة: في عام 2014 وسط البطالة الحادة التي كانت موجود أصلاً، فلقد سافر 440 ألف سائح بريطاني إلى تونس كل عام قبل هجوم سوسة؛ 90% توقفوا بعد ذلك.
وأدى ضعف قطاع السياحة بعد الهجوم إلى تعريض العديد من الوظائف للخطر، حيث كان هذا القطاع يوفر ما يقرب من 14% من الوظائف التونسية في عام 2014.
واستفادت الجماعات المسلحة العنيفة من زعزعة الاستقرار الناتج عن هذه الهجمات، مما أدى بشكل ملحوظ إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يمكنهم التجنيد من المنضمين لطابور البطالة.
ينقل موقع Saferworld عن مصادر محلية قولها إن بعض الذين فقدوا وظائفهم عقب هجوم سوسة انضموا إلى الجماعات العنيفة بحثاً عن دخل.
فتش عن الوضع في ليبيا
بحلول ذلك الوقت كان من الواضح أن هذه الهجمات العنيفة مرتبطة بالوضع في ليبيا. تماماً مثل 70% من المتهمين التونسيين في قضايا الإرهاب التي راجعها المركز التونسي للأبحاث والدراسات حول الإرهاب، وتبين أن المسلحين في متحف باردو وهجمات سوسة تلقوا تدريبات في ليبيا كما تم اقتفاء أثر المتفجرات التي استخدمت في الهجوم على الحرس الرئاسي التونسي في ليبيا.
كما تسلل الأعضاء إلى شبكات التهريب التي تدعم اقتصاد الحدود لنقل الأسلحة والمقاتلين بين البلدين. كما استغلوا التنافس بين الميليشيات وشبكات التهريب، التي تتنافس على الوصول إلى الموارد من أجل إقامة قواعد على طول الحدود في ليبيا.
تم تقديم هذه الهجمات ضد الأجانب في عام 2014 من قبل الجماعات الإرهابية على أنها انتقام لأعمال الغرب في الشرق الأوسط، أما الهجمات ضد الدولة فكان يخشى من تأثيرها الضار في إضعاف عملية التحول الديمقراطي وتعزيز شعور الناس بما ينظر له على أنه مظالم الناس ضد الحكومة، والاستفادة من التحديات التي يواجهها الناس في حياتهم- مما يؤدي في النهاية إلى ترسيخ الانقسامات وجذب المجندين للجماعات المتطرفة.
ويلاحظ وجود تأثير لجماعة أنصار الشريعة التي ولدت داخل نظام السجون التونسي، حيث بدأ السجناء التخطيط لإنشائها في عام 2006. وبعد الإفراج عنهم كجزء من عفو عام عقب انتفاضة 2011، وضعوا خطتهم موضع التنفيذ.
كانت الجماعة قادرة على العمل بحرية نسبية في السنوات الأولى من وجودها وتزعم أنها جندت 70 ألف عضو بين إبريل/نيسان 2011 ويناير/كانون الثاني 2014، بفضل عملها الخيري وقدرتها على الاستفادة من إحباطات الناس من الحكومة التونسية. أبرز العديد من الأشخاص الذين التقاهم معدو التقرير المهارات التنظيمية لمثل هذه المجموعات: قال أحدهم إنهم يعملون "مثل دولة داخل الدولة"؛ وزعم آخرون أنهم كانوا أفضل تنظيماً من الدولة وأثاروا تساؤلات حول مصدر تمويلهم.
وبالإضافة إلى الفقر والاضطرابات السياسية لا يمكن استبعاد تأثير ضعف المؤسسات الدينية في البلاد بعد سنوات من العلمانية المتطرفة، حيث أدى ذلك إلى فراغ ديني حاولت ملأه الجماعات المتطرفة، خاصة في ظل انشغال حركة النهضة بالعمل السياسي، والاستقطاب الذي يتم به السجال العلماني الإسلامي في البلاد.
وفي هذا السياق، يلاحظ أنه كان هناك وجود سلفي لافت في القيروان، رغم أنها العاصمة الروحية لتونس التي لعبت دوراً جوهرياً في التأسيس للمذهب المالكي ونشره في شمال إفريقيا.
كما أن المدينة يوجد بها المسجد الكبير الذي أسسه الفاتح المسلم عقبة بن نافع، أي يفترض أنها معقل للمذهب المالكي الذي يعد المذهب التاريخي للبلاد.
لكن في السنوات الأخيرة تحولت المدينة إلى مركز للسلفيين المتشددين في تونس. واندلعت اشتباكات عام 2013 بين الشرطة وأنصار جماعة "أنصار الشريعة" المتشددة في القيروان، بعد أن منعت السلطات التونسية تجمعاً سنوياً للجماعة في المدينة حضره الآلاف منهم.
الظاهرة تتراجع ولكن هذه هي أسبابها المعقدة
ظاهرة الإرهاب في تونس تتفاقم منذ عام 2011، خاصة مع غياب الإرادة السياسية في ذلك الوقت، لمحاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة بشكل كافٍ وتدفق الأموال الخارجية دون رقابة كبيرة على تونس، حسب الخبيرة في شؤون الإرهاب علياء العاني، التي أكدت في مقابلة مع DW العربية.
إضافة إلى ذلك هناك تراجع في الاقتصاد التونسي، وزيادة في معدل البطالة بين الشباب، مما أدى إلى زيادة هذه الظاهرة بين التونسيين. لكن العاني ترى أن هذه الظاهرة شهدت تراجعاً في تونس في السنوات الأخيرة لكنها ما زالت قائمة.
ويشعر الأشخاص الذين تحدث إليهم معدو تقرير موقع Saferworld. في سيدي بوزيد ومدنين وسيدي حسين وتونس عموماً أن الأمن قد تحسن.
ويعتقد الكاتب والمحلل التونسي عبداللطيف الحناشي في مقابلة مع DW العربية أن سبب انضمام التونسيين إلى بؤر الصراع يعود إلى عدة عوامل، منها رد الفعل على بعض الإجراءات التي اعتبرت مسيئة للمسلمين، مثل: منع الحجاب في بعض المدارس أو السماح بتوزيع أفلام مسيئة للإسلام. أو نشر صور مسيئة للنبي محمد، الأمر الذي دفع بعض الشباب لاتخاذ مواقف متطرفة في المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها.
كما أن الشعور بالتهميش لدى بعض المهاجرين بسبب الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية التي تعيش مع مخاوف ومشاعر الإسلاموفوبيا، خاصة مع زيادة مستوى العنصرية الأوروبية ضد الأجانب، هي عوامل تجعلهم أكثر عرضة للانقلاب على المجتمعات التي تدعمهم.
سمات الشخصية التونسية
ويؤكد الحناشي أن التاريخ التونسي يشير إلى أن الشخصية الثقافية التونسية تميل إلى نوع من الاندفاع في العمل، وهو ما تلعب به بعض الجماعات المتطرفة من أجل تنظيم البعض وغسل أدمغتهم.
ويرى الحناشي أن هذه العمليات المتطرفة التي ينفذها متطرفون من تونس لن تؤثر بشكل كبير على صورة تونس كدولة ديمقراطية يجب الاقتداء بها في العالم العربي، وذلك لأن العديد من الدول الأوروبية الديمقراطية مثل فرنسا وألمانيا وغيرهما انضم العديد من أبنائهم إلى المنظمات المتطرفة مثل داعش، إلا أن ذلك قد يعيق تكرار التجربة التونسية في العالم العربي.
وشددت علياء العاني على ضرورة التدخل الدولي في مكافحة هذه الظاهرة وعدم إهمالها، مؤكدة أن "تونس لا تستطيع وحدها القضاء على ظاهرة الإرهاب، خاصة أن الظروف الدولية المحيطة ونقص الأموال والتجهيزات كلها أمور تساعد في إعاقة فرض الدولة لنفوذها وملاحقة المنظمات المتطرفة".
اتفاق مع الأمريكيين وتراجع للظاهرة داخلياً
وكانت تونس قد أبرمت اتفاقاً عسكرياً مع الولايات المتحدة نهاية سبتمبر الماضي. وتطور الدور الأمريكي في دعم الجيش التونسي، بعد توقيع تونس والولايات المتحدة على وثيقة خريطة التعاون العسكري بين البلدين على مدى عشر سنوات.
لكن الحناشي يرى أن هذا الاتفاق ما زال غير مكتمل ولا يرغب في تكراره مع أوروبا.
ويوضح أنه على الرغم من أهمية هذه الاتفاقيات إلا أنها أغفلت العديد من العوامل. وبحسب الحناشي فإنه في مكافحة الإرهاب، فإنه ليس من الضروري التركيز على الجانب الأمني فقط، بل معالجة أسبابه أيضاً.
ويقول: بدون مساعدة دولية في جهود التنمية ودفع الاقتصاد في تونس، ستبقى أرضية الإرهاب خصبة. يقول: "يمكن لأوروبا أن تساعد في الجانب الأمني، لكن يجب عليها دعم جهود التنمية، وتوفير فرص العمل للشباب والقضاء على البطالة، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير جذري في المنطقة".
الأجهزة الأمنية التونسية لم تقصر
لا يتفق الحناشي مع من يعتقد أن هناك نقصاً في جهود المخابرات التونسية للقبض على المتطرفين.
ويقول: "رغم أن وسائل الإعلام الدولية أفادت بأن تونسيين في الخارج متورطون في مراكز الصراع والحرب ونفذوا عمليات متطرفة، فإن الإرهاب لم ينجح في ضرب تونس إلا مرات قليلة فقط".
ويرى أن الانخفاض في عدد هذه العمليات يؤكد قدرة الأمن التونسي على مكافحة الإرهاب والتطرف، بينما لا يملك القدرة على ملاحقة التونسيين بالخارج، الأمر الذي يدعو إلى مزيد من التنسيق في الجهود الأمنية بين أوروبا وتونس.
تداعيات الحرب على الإرهاب قد تكون سبباً للأزمات
في أعقاب هجمات باردو وسوسة في عام 2015 أعلنت الحكومة "الحرب على الإرهاب" واعتمدت على إجراءات قاسية وقمعية في بعض الأحيان رداً على التهديدات الأمنية. وقد عزز هذا السخط وقوض شرعية الدولة حيث استنكر الناس ردود الفعل قصيرة المدى وعدم وجود استراتيجية طويلة المدى، حسب تقرير موقع Saferworld.
ولكن لم تشهد تونس هجمات واسعة النطاق منذ أوائل عام 2016. لكن التقرير أشار أيضاً إلى أن ردود الحكومة التونسية المدعومة من الغرب قد تطرح إشكالية على التحديات الهيكلية الأكثر أهمية في البلاد.
تشكل هذه التحديات تهديداً فورياً وطويل الأمد لسلام البلد ولأولئك الذين لهم مصلحة فيه، ويخلص تقرير لموقع Saferworld إلى أن التصدي لظاهرة الإرهاب يتطلب نهجاً مختلفاً وأكثر استراتيجية لتحقيق السلام والاستقرار المستدامين، بشكل يوازن بين الضرورات الأمنية قصيرة الأجل مع تركيز أكبر على الانتقال السلمي طويل الأجل.