كانت الصين إحدى دولتين، إلى جانب روسيا، ورد ذكرهما بالاسم في تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عام 2018 باعتبارهما تُشكِّلان أكبر تحدٍّ عسكري للولايات المتحدة. وبعد مرور عامين تنامى هذا التحدي تجاه بكين بشكل كبير كما تقول شبكة CNN الأمريكية.
وأدَّى برنامج بكين للتحديث السريع إلى تحويل جيشها إلى قوة عالمية حقيقية قادرة بسهولة على استعراض قوتها في أرجاء منطقة المحيط الهادي والهندي وخارجها.
أكبر تحدٍّ ينتظر الرئيس الأمريكي المقبل
وشهدت هذه السنة وحدها اشتباك الصين في صدامات حدودية مميتة مع القوات الهندية، واقتربت طائرات جيش التحرير الشعبي الصيني كثيراً ومراراً من الدفاعات الجوية التايوانية واليابانية، وتورطت السفن الصينية في العديد من الحوادث في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.
تفرض التحركات الصينية، لاسيما في بحر الصين الجنوبي، تحدياً لما يدعوه الجيش الأمريكي منطقة المحيط الهادي والهندي المفتوحة والحرة، وهي منطقة يقول الجيش إنَّ التجارة ينبغي أن تتدفق فيها دون ترهيب، وأن تُحتَرَم فيها حقوق الصيد والتعدين بموجب القوانين والمعاهدات الدولية.
وفيما يدلي الناخبون في عموم الولايات المتحدة بأصواتهم، في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الرئاسية، يمثل الصعود العسكري للصين واحداً من أكثر مباعث القلق تعقيداً وإلحاحاً في السياسة الخارجية التي تواجه الرئيس المقبل للبلاد. إليكم نظرة على النقاط الرئيسية:
تايوان
تلقَّت الجزيرة التي تحكم نفسها بنفسها مستويات متزايدة من الدعم العلني من واشنطن خلال إدارة ترامب. ويقول المحللون إنَّ حالة الأوضاع الحالية لا تترك الكثير من المجال أمام المنافس الديمقراطي ونائب الرئيس السابق جو بايدن، أو الرئيس دونالد ترامب لسحب الدعم عن تايوان.
قال تيموثي هيث، الباحث الأول بمركز أبحاث مؤسسة راند في واشنطن، إنَّ بايدن قد يُقدِّم تنازلات بسيطة لبكين، مثل وقف أي زيارات جديدة من المسؤولين على المستوى الوزاري، أو ضمان أن تتكون مبيعات الأسلحة المستقبلية من أسلحة أصغر وأقل قوة.
وأضاف هيث: "لكن بصرف النظر عمَّن سيفوز، من المرجح أن تحافظ الولايات المتحدة على علاقات ودية مع تايوان، وتنتقد المساعي الصينية لترهيب وزعزعة الجزيرة".
تواصل بكين النظر إلى تايوان باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ولو أنَّ الحزب الشيوعي الصيني لم يسبق وأن حكم الجزيرة الديمقراطية قط. وكان الزعيم الصيني، الرئيس شي جين بينغ، واضحاً في طموحاته لـ"إعادة توحيد" الجزيرة مع البر الرئيسي للصين، ورفض استبعاد استخدام القوة.
وفي حين يتوقع المحللون استمرار الدعم الأمريكي لتايوان، يتوقعون أيضاً عدم تراجع بكين عن زيادة الضغط العسكري الذي تفرضه على الجزيرة، بصرف النظر عمَّن يسكن البيت الأبيض.
وينشط الجيش الأمريكي حول تايوان أيضاً. ويقول الخبراء إنَّ هذا يطرح احتمال وقوع الحوادث أو سوء التفاهم بين الجيشين، وهو الأمر الذي يمكن أن يشعل صراعاً أوسع.
بحر الصين الجنوبي
تدَّعي بكين أنَّ كل بحر الصين الجنوبي الشاسع تقريباً مناطق سيادية لها، وكثَّفت جهودها لفرض هيمنتها على المياه الغنية بالموارد في السنوات الأخيرة، فحوَّلت سلسلة من الحواجز والجزر المرجانية الإشكالية إلى جزر شديدة التحصين من صنع الإنسان، وزادت نشاط بحريتها في المنطقة.
وكان الجيش الأمريكي صريحاً وواضحاً في جهوده لتحدي المطالب الصينية في بحر الصين الجنوبي.
وتتداخل المطالب الإقليمية لـ6 حكومات أخرى على الأقل في هذا المجرى المائي المتنازع عليه. ومع أنَّ الولايات المتحدة ليس لها أي مطالب في هذه المياه، تؤدي سفن البحرية الأمريكية ما تسمى بعمليات "حرية الملاحة"، وكانت وتيرة تلك العمليات قياسية العام الماضي، وتبحر قريباً من الجزر التي تسيطر عليها الصين.
وفي وقتٍ سابق من هذا العام، 2020، أرسلت البحرية الأمريكية مرتين حاملتي طائرات عملاقتين تابعتين لها إلى بحر الصين الجنوبي في نفس الوقت. وفي أجواء المجرى المائي، أرسلت قاذفات وطائرات استطلاع سلاح الجو الأمريكي، التي تقلع من اليابان أو جزيرة غوام أو حتى من البر الرئيسي للولايات المتحدة، إخطاراً لبكين بأنَّ أنشطتها مُراقَبة تماماً، وتُظهِر التزام الولايات المتحدة بحلفائها وشركائها في المنطقة.
ويرى هيث أنَّ عمليات نشر القوات الأمريكية ستتواصل بصرف النظر عمَّن يجلس في المكتب البيضاوي.
قال كارل شوستر، المدير السابق للعمليات بمركز الاستخبارات المشترك بالقيادة الأمريكية في المحيط الهادي، إنَّ حملة بايدن لم تقدم مؤشراً واضحاً بشأن وجهتها فيما يخص بحر الصين الجنوبي.
ويقول شوستر إنَّ سنوات بايدن الثماني كنائب للرئيس السابق باراك أوباما أيضاً قد تعيقه. وحكمت بلدان مطلة على بحر الصين الجنوبي مثل فيتنام والفلبين على سياسات أوباما في المنطقة بأنَّها "مجرد أحاديث لا يدعمها إلا القليل من الأفعال الحقيقية".
وقال شوستر إنَّه من الحكيم بالنسبة لأي إدارة تأتي أن تسارع بالوقوف إلى جانب أولئك الذين يلتزمون بوجهة نظر واشنطن. ففي حال تركت واشنطن شركاءها مُعلَّقين، "فإنَّهم سيُترَكون للتعامل مع الصين الغاضبة".
التعامل مع الحلفاء
كان طريق إدارة ترامب الحالية وعراً بعض الشيء في التعامل مع الحلفاء والشركاء العسكريين الأمريكيين في منطقة المحيط الهادي والهندي.
وضغطت دعوة ترامب من أجل دفع الدول الحليفة المزيد من أعبائها الدفاعية، بما في ذلك تكلفة استضافة القوات الأمريكية في القواعد في بلدانهم، على العلاقات مع كلٍّ من كوريا الجنوبية واليابان، اللتين يمكن القول إنَّهما أهم حليفين للولايات المتحدة في آسيا، إن لم يكن في العالم.
وسُرِّح آلاف الكوريين الجنوبيين العاملين في القواعد الأمريكية في ذلك البلد مؤقتاً في وقتٍ سابق من هذا العام، فيما كانت واشنطن وسول تتساومان حول القدر الذي ينبغي أن تدفعه كوريا الجنوبية لقاء الوجود العسكري الأمريكي بها. وجرى التوصل أخيراً إلى اتفاق، في يونيو/حزيران الماضي، للدفع من أجل تغطية نفقات ما تبقّى من العام مع التركيز على وضع خطط تمويل جديدة معاً في 2021.
كانت العلاقات مع اليابان أفضل، وأعلنت طوكيو زيادة بواقع 8.3% في ميزانيتها العسكرية، وهو الأمر الذي عزاه المحللون في جزءٍ منه إلى الضغط من جانب إدارة ترامب.
ويقول المحللون إنَّ جهود تقاسم هذا العبء قد تكون أكثر سلاسة في ظل إدارة بايدن، لأنَّ نائب الرئيس السابق لديه سمعة باعتباره محاوراً أكثر منه شخصاً يفرض مطالب أحادية مثلما يفعل ترامب.
لكنَّ شوستر قال إنَّ الضغوط الداخلية في كلا البلدين قد تجعل هذا مجالاً إشكالياً حتى بالنسبة لبايدن. وفي مجال آخر، قد توفر اليابان مساراً أكثر سلاسة لأيٍّ من بايدن أو ترامب عند بناء تحالف قوي من البلدان متشابهة التفكير في أنحاء منطقة المحيط الهادي والهندي.
إذ زار رئيس الوزراء الياباني الجديد، يوشيهيدي سوغا، فيتنام وإندونيسيا في الأسابيع القليلة الماضية، سعياً لتحسين العلاقات العسكرية والاقتصادية مع هذين البلدين اللذين لديهما مطالب في بحر الصين الجنوبي.
مواكبة الصين اقتصادياً
وجَّه فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) ضربة قوية للاقتصاد الأمريكي. وفي حين تلقَّت الصين ضربة أيضاً، فإنَّها تعافت بصورة أسرع بكثير ولا يُتوقَّع أن يتأثَّر توسعها العسكري كثيراً، إن تأثَّر من الأساس.
وترزح واشنطن تحت ضغوط من أجل مواكبة الصين، لاسيما مع تراجع ما نُظِر إليه لسنوات باعتباره أفضليتها النوعية في ظل انعكاس التقدمات التي تحرزها الصين في التكنولوجيا على قواتها المسلحة.
إذ تُعتَبَر المدمرات الصينية من طراز 55، على سبيل المثال، من بين الأفضل في العالم ضمن هذه الفئة من السفن الحربية. وقطعت القوات الصاروخية لبكين خطوات كبيرة في الأعداد والقدرة على النجاة من الدفاعات حتى إصابة الأهداف، وهو ما وضع القواعد الأمريكية في مناطق مثل غوام واليابان، وكذلك حاملات الطائرات الأمريكية في البحر، بشكل كبير، ضمن نطاق الضربات الصاروخية الصينية الدقيقة والساحقة.
أخطر من الاتحاد السوفييتي
قال شوستر إنَّ الإدارة الأمريكية الجديدة ستواجه تهديداً أكبر من ذلك الذي واجهته الإدارات الأمريكية إبَّان الحرب الباردة. وأضاف: "أصبحت الصين مشكلة أكثر خطورة مما كان الاتحاد السوفييتي في أي وقتٍ من الأوقات".
وأردف بأنَّ الرئيس الأمريكي المقبل لا بد أن يركز على التأكد من امتلاك البلاد للقاعدة الصناعية اللازمة لإبقاء الجيش على قدم المساواة مع الصين.
لكن وفقاً لمحللين، ستواجه الإدارة المقبلة ضغوطاً لإبقاء الإنفاق الدفاعي على مستوياته الحالية أو حتى تقليصه، بسبب استنزاف الجائحة للاقتصاد.
وقد يواجه بايدن الطريق الأصعب هنا. فقال هيث: "هناك ضغط قوي من الحزب الديمقراطي لتقليص الوجود العسكري الأمريكي والاستثمار في الحفاظ على القوة العسكرية الأمريكية بغية توفير الموارد من أجل المبادرات الداخلية".
لكن حتى ترامب قد يتعثر. فقال هيث: "ستواجه طموحات ترامب من أجل الجيش أيضاً القوى الدافعة في اتجاه تباطؤ النمو، وسيحد العجز الهائل أيضاً من قدرة ترامب على تعزيز الإنفاق الدفاعي".
الحفاظ على التركيز
على الرغم من استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، وتركيزها على آسيا، يقول محللون إنَّه يمكن للقصور الذاتي والتاريخ أن يبقيا تركيز المؤسسة الدفاعية الأمريكية مائلاً باتجاه أوروبا.
فقال شوستر: "لدى حلفاء أمريكا الأوروبيين الموارد المالية لزيادة قدرتهم على الدفاع عن أراضيهم ومجالهم الجوي. ما يفتقرون إليه هو الالتزام، لأنَّ الولايات المتحدة دائماً ما سدَّت الفجوة لهم لأنَّ التهديد لأوروبا تجاوز بكثير ما واجهناه في منطقة آسيا والمحيط الهادي، لكن توازن التهديدات هذا لم يعد صحيحاً". وسيواجه سواء ترامب أو بايدن تحديات من أجل إبقاء آسيا في صدارة عملية التخطيط الدفاعي.
فقال أنكيت باندا، الزميل البارز بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "نعلم من التجربة أنَّه بقدر ما قد يود الرؤساء تخفيض مكانة قضايا الشرق الأوسط والقضايا العابرة للمحيط الأطلسي لصالح آسيا، فإنَّ القيام بذلك أبعد ما يكون عن البساطة. مع ذلك فإنَّ الإلحاح المتزايد لآسيا سيظل قائماً".
ويحذر هيث من أنَّ الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة يمكن أن يوفر فرصة لأولئك الذين يعملون ضد المصالح الأمريكية.
ويحذر شوستر بدوره من أنَّ النفوذ الأمريكي عالمياً يتوقف على آسيا. وقال: "إذا رسَّخت الصين هيمنة هناك، ستتقلص قدرة أمريكا على الحفاظ على مصالحها في المناطق الأخرى".