استكمالاً للحراك أم عودة للنظام السابق.. كيف ينظر الجزائريون للتعديلات الدستورية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/10/30 الساعة 14:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/30 الساعة 14:12 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال حفل تنصيبه/ رويترز

انطلقت الحملة من أجل تعديل الدستور الجزائري في 7 أكتوبر/تشرين الأول تحت شعار: "نوفمبر/تشرين الثاني 1954: التحرير. نوفمبر/تشرين الثاني 2020: التغيير". وكان من المأمول أن تقنع العبارة الجذابة الجزائريين بالإقبال على التصويت في استفتاء 1 نوفمبر/تشرين الثاني على مشروع تعديل الدستور.

كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي يُضعف دخوله المستشفى حالياً من احتمالات إشرافه على الاستفتاء المقرر، قد تعهد خلال حفل تنصيبه رئيساً للبلاد في ديسمبر/كانون الأول 2019، بإجراء تعديلات على دستور البلاد.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أُعلن تكليف لجنة مختارة من الخبراء القانونيين بالإعداد لمقترحات تعديل الدستور في غضون ثلاثة أشهر. ومن ثم نُشرت المسود الأولى للمقترحات في 7 مايو/أيار، بعد أن تأجّل إتمامها على إثر ظهور جائحة كورونا.

وعلى الرغم من التأكيدات أن المقترحات الدستورية صِيغت على أسس إقامة "دولة حديثة تعمل في خدمة المواطنين"، ومن شأنها تشكيل "جزائر جديدة"، فقد منعت السلطات معارضي الاستفتاء من القيام بأي حملات او عقد اجتماعات في الأماكن العامة.

وتتناقض هذه الحملة القمعية مع التأكيدات السابقة لرئيس الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، أن أي شخص سيكون حراً في إطلاق حملاته، بغض النظر عن موقفه من التعديلات تأييداً أو رفضاً.

الجراك الجزائري توقف بسبب كورونا/رويترز

وبينما يفترض بالجيش التزام الحياد بموجب الدستور، أكد القائم بأعمال رئيس أركان الجيش الوطني بالنيابة، السعيد شنقريحة، الأسبوع الماضي دعمَ الجيش –الذي يحتل مركز السلطة في البلاد- للاستفتاء، واصفاً إياه بأنه "خطوة مهمة على طريق بناء جزائر جديدة".

وفي حين انطلقت المزاعم بأن الدستور الجديد سيُعزز ويوسع نطاق الاحتكام للديمقراطية في الجزائر، انتشرت دعوات لمقاطعة الاستفتاء من قبل أولئك الذين يرون أن العملية برمتها ليست أكثر من وسيلة للنظام لجبر الأزمة المتعلقة بشرعيته.

وتأتي الدعوات الحالية بمقاطعة الاستفتاء لتنتهجَ سبيل دعوات سابقة بمقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي أمّن فيها عبد المجيد تبون منصب الرئاسة، رغم ضعف الإقبال على التصويت.

هكذا، ومع استعداد الجزائريين للتصويت على التعديلات يوم الأحد 1 نوفمبر/تشرين الثاني، يلقى موقع Middle East Eye نظرةً على التعديلات المقترحة وحجم التشابهات والاختلافات بينها وبين التعديلات الدستورية السابقة في تاريخ البلاد.

ما التعديلات المقترحة للدستور؟

تحتوي وثيقة المسودة المقدمة على 73 توصية، مقسمة على ستة مجالات رئيسية. وتشمل هذه "تعزيز الفصل بين السلطات" فيما يتعلق بصلاحيات الرئيس، ورئاسة الحكومة والبرلمان، والمؤسسة القضائية، وسياسات مكافحة الفساد.

بموجب التعديلات المقترحة، ستبقى المادة الثانية من الدستور، التي تكرّس الإسلام ديناً للدولة، مع معظم "المبادئ العامة" للدستور بشأن قضايا مثل الديمقراطية والتعددية والعدالة الاجتماعية. ومن المتوقع إجراء تغييرات محدودة حول مسألة اللامركزية، حيث تعمل بعض البلديات في ظل "نظام خاص" مقتصر عليها. ومع ذلك، فإن كيفية تحقيق ذلك على وجه التحديد تظل أمراً غامضاً.

العنصر الأكثر إثارة للجدل في المسودة يتعلق بالتغييرات المقترحة للمادة رقم 29، والتي تتعلق بدور الجيش. إذ لأول مرة، تتيح التعديلات نشر الجيش خارج الأراضي الوطنية وإرساله لدعم بعثات حفظ السلام الدولية. ويُعتقد أن هذا السبب الأساسي لطرح هذا التعديل هو الوضع في ليبيا المجاورة. ومع ذلك، فقد أثار هذا التغيير المتعلق بدور الجيش مخاوف بشأن ماهية التداعيات وأثرها على كيفية تطور وضع الجيش في المجتمع.

المتظاهرون يغطون وجوههم بالأعلام الوطنية خلال مظاهرة مناهضة للحكومة في الجزائر العاصمة ، الجزائر ، 13 مارس 2020. رويترز
المتظاهرون يغطون وجوههم بالأعلام الوطنية خلال مظاهرة مناهضة للحكومة في الجزائر العاصمة ، الجزائر ، 13 مارس 2020. رويترز

وفيما يتعلق بالحقوق الأساسية، عجزت المسوّدة عن تقديم تصور يسهم في تطوير الحقوق المدنية والسياسية بدرجة كبيرة، على الرغم من أن ذلك كان أساس المطالب الديمقراطية الشعبية.

وفي حين أن تلك التعديلات قُدمت على أنها طريق يضمن أن تكون السلطة متوازنة على نحو أفضل، وفي إطار السعي لإبعاد البلاد عن طريق الاستبداد بالسلطة، فإن الدستور، حتى بعد التعديلات، سيظل يضمن سلطة رئاسية واسعة النطاق على التعيينات الحكومية، ومنها الحق في إقالة رئيس الوزراء، وتفويض السلطات لنائب الرئيس وسلطات أخرى على مختلف المؤسسات.

وعلى الرغم من التغييرات الطفيفة فيما يتعلق بالمحاكم والسلطات القضائية، لا يزال رئيس البلاد يحتفظ بسيطرة كبيرة عليها. وبصفته رئيس المجلس الأعلى للقضاء، لا يزال بإمكان الرئيس تعيين الأعضاء، وهو ما يتعارض مباشرة مع الادعاءات بأن مشروع القانون سيضمن الفصل بين السلطات.

ومن ثم، لا يرجح أن تخفف تلك التعديلات من حدة الانتقادات الموجهة إلى تأثير الجهاز التنفيذي للدولة في محاكمات النشطاء والصحفيين الذين اعتُقلوا خلال حملة قمع المعارضة. كما لا يُرجح أن تهدِّئ من القلق المتعلق بما يعتبره النشطاء حملة تصفية حسابات ضد أعضاء نافذين في دائرة سلطة الرئيس السابق، عبدالعزيز بوتفليقة.

تعديلات رئيسية شهدها الدستور الجزائري على مر السنين

كانت الجزائر قد أدخلت عدداً من التعديلات الدستورية على مر تاريخ الدولة الجزائرية. ومع ذلك، قوبلت عديد من تلك الإصلاحات بالنقد بسبب الهوة الواسعة بين ما يُقترح وما ينتهي الأمر بتنفيذه، خاصة فيما يتعلق بمواجهة الركود الاجتماعي والسياسي طويل الأمد في البلاد.

كان هناك إمكانية لإصلاح حقيقي ودائم في أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت فيما يُعرف بـ"أكتوبر/تشرين الأول الأسود" عام 1988، والتي غذتها المظالم الاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل رئاسة الشاذلي بن جديد ورئاسة الوزراء تحت قيادة مولود حمروش، كانت الإصلاحات المقترحة التي صاغها عبدالرحمن حاج ناصر ستتيح للجزائريين فرصة نادرة لتشكيل مستقبل بلادهم.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون – رويترز

ومع ذلك، أدى إجراء أول انتخابات جزائرية متعددة الأحزاب كجزء من الإصلاحات الدستورية، إلى سحب الجيش لدعمه وإلغاء الانتخابات بعد أن أصبح واضحاً أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ ستفوز بالأغلبية.

بعد ذلك، فرض الانقلاب العسكري حالة الطوارئ التي علقت أجزاء من الدستور، وأشعل حرباً أهلية وحشية استخدمتها النخبة الحاكمة لتمرير أن أي بديل لنظامهم سيعني عودة البلاد إلى العنف، وهو حاجز الخوف الذي يقول المحللون إن انتفاضة عام 2019 كسرته.

في عام 2008، ألغى بوتفليقة المادة 74، التي تقصر فترة الرئاسة بمدّتين رئاسيتين، للسماح له بالترشح لولاية ثالثة في عام 2009. وأُعيد إقرارها في التعديلات الدستورية لعام 2016، لكنها لم تفعل شيئاً لتغيير نظام الحكم ولا منعته من السعي لفترة رئاسية خامسة.

كانت الإصلاحات الدستورية لعام 2016 قد وعدت بأدوار متزايدة للنساء والشباب في المجالين الحكومي والمدني وإدخال تحسينات على الحقوق المتعلقة بحرية التجمع وقوانين الصحافة. لكن مع إحراز تقدم ضئيل منذ عام 2016، وبالنظر إلى أن مسودة الإصلاحات الدستورية لعام 2020 تعتبر صدى لعديد من الإصلاحات السابقة، يبدو من غير المرجح أن تثمر خارطة طريق النظام الخاصة بالتعديلات الدستورية تحديثاً حقيقياً للنظام السياسي الذي عفا عليه الزمن، رغم أن ذلك هو عين ما طالب به الجزائريون.

الحراك

في اليوم التالي لانتخاب تبون في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، أعرب الرئيس عن رغبته في الاستجابة لمطالب الحراك، ووعد بمراجعة "عميقة" للدستور، و"جمهورية جزائرية جديدة".

ومع ذلك، فإن الأوضاع الحالية تشهد برفض المعارضين لخطة تبون، وانتقادهم لنهجها، لما يرونه من افتقارها إلى الاستعانة بأولئك الذين يمثلون رؤاهم السياسية والاجتماعية على الحقيقة. كما شجبت "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، المعنية بتوثيق الاعتقالات التعسفية وأحكام السجن للجزائريين المعارضين، استفتاء يوم الأحد 1 نوفمبر/تشرين الثاني، ووصفته بأنه "استفتاء الأمر الواقع".

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون/رويترز

وبحسب النقاد، فإن مقترحات المسودة ليست معتبرة بما يكفي لتلبية المطالب الواسعة بإجراء إصلاحات عميقة. ومن ثم، اختار كثير من الجزائريين مقاطعة الاستفتاء، مشيرين إلى أن الغرض منه هو السعي لتأمين استمرارية النظام واسترضاء المعارضة المدنية مع الحفاظ على توازن القوى القائم في الحكم.

كما يذهب عديد من المحللين إلى أنه، ورغم الرغبات التي أعرب عنها تبون ورفاقه حيال "جزائر جديدة"، فإن الافتقار إلى الشفافية خلال عملية صياغة التعديلات والاستفتاء عليها وقمع المعارضة وأي محاولة للانتقاد يعني نبذ الأهداف التي سعى الحراك لبلوغها، وأن نتيجة الاستفتاء محسومة مسبقاً إلى حد كبير. ومن ثم، لن يؤدي ذلك إلا إلى تعزيز الشعور الشعبي العام بأن الركود السياسي والظلم وسيطرة النخبة الحاكمة على السلطة السياسية لا تزال قائمة ومتجذرة في الواقع الجزائري.

تحميل المزيد