يبقى السؤال حول مدى أمان السفر جواً مصدر قلق خلال الجائحة. إذ اصطدمت آمال شركات الطيران بحدوث انتعاشة في السفر، بعودة ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا المستجد في أنحاء العالم بنهاية 2020. ولا يزال القلق يساور المسافرين المرتقبين من بقائهم داخل مقصورة لفترة طويلة مع راكبين آخرين قد يكون أي منهم حاملاً للفيروس. وتُظهِر الأدلة أنه لا يجب الاستهانة بالمخاطر، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
كم عدد المسافرين جواً الذين التقطوا الفيروس؟
من المستحيل معرفة ذلك. وسجَّل اتحاد النقل الجوي الدولي 44 إصابة مؤكدة أو مشتبهة خلال رحلات جوية، هذا العام، حتى 8 أكتوبر/تشرين الأول. ومع وصول عدد المسافرين في تلك الفترة إلى 1.2 مليار راكب، يقول الاتحاد إنَّ المخاطر تبدو "ضئيلة جداً". غير أنَّ هذا الرقم ليس شاملاً، ويحذّر باحثون مستقلون من أنَّ أية إحصائية لإصابات معروفة تعكس مدى صعوبة إثبات تفشي الفيروس على الطائرة.
لماذا يصعب إثبات ذلك؟
لأن ذلك يتطلب معرفة أنَّ أحد الركاب مصاب، وإجراء مقابلات وفحوصات لما يصل إلى مئات ممن سافروا معه، وحبذا لو أُجرِي بعدها تحليل جينومات لأية فيروسات إضافية تظهر؛ للتحقق من وجود صلات بينها وبين انتقال العدوى من أول راكب. وفي الولايات المتحدة وحدها، يعرف مسؤولو الصحة 1600 رحلة جوية في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، حملت شخصاً ربما يكون مصاباً بالفيروس. ووفقاً لتقديراتهم، يُحتمَل أنَّ 10900 شخص كانوا في نطاق 6 أقدام (1.8 متر) من هؤلاء الأشخاص، لكن ليس تلديهم بيانات تواصُل كاملة لعديد منهم.
ما الذي يجعل السفر جواً خطيراً؟
كما هو الحال مع أشكال النقل العام الأخرى، تنشأ المخاطر من القرب من الآخرين ومن الأسطح التي يلمسها كثير من الناس. وينثر المصابون بفيروس كورونا المستجد من أنوفهم وأفواههم قطرات محمَّلة بالفيروسات يمكن انتقالها مباشرةً إلى شخص على مسافة قريبة أو تُلتَقَط من سطح ملوث ثم تنتقل إلى الفم أو الأنف أو العين. ووجدت الدراسات التي أُجرِيَت على فيروسات أخرى تنتشر بالطريقة نفسها، أنَّ الخطر الأكبر في الرحلات الجوية ينشأ من الجلوس في أي مقعد بالصفين الملاصقين لشخصٍ مُعدٍ لمدة تزيد على 8 ساعات. ويمكن أن يكون المطار أيضاً خطراً حيث ينتظر المسافرون في طوابير، ويُسجِّلون الوصول للرحلات، ويترددون على بائعي الطعام ويستخدمون الحمامات.
ماذا عن انتقال الفيروس عبر الهواء؟
يمكن أن ينتقل فيروس كورونا المستجد أيضاً عبر جزيئات أصغر تنبعث من أنوف الناس وأفواههم. وتُعرَف هذه الجزئيات باسم الهباء الجوي، ويمكن أن تطفو في الهواء ويستنشقها الآخرون. وتقول شركات صناعة الطيران، إنَّ نظام التهوية في الطائرات الحديثة قادر بالضرورة على تخفيف مخاطر طريقة الانتشار هذه. وعادةً ما يكون الهواء على متن الطائرة مزيجاً بنسبة 50 إلى 50 من الهواء الخارجي المُعقَّم وهواء المقصورة المُعَاد تدويره والمُنقَّى.
وأشارت شركتا "إيرباص" و"بوينغ"- أكبر شركتين لصناعة الطائرات في العالم- إلى أنهما منذ الثمانينيات يزوّدان طائراتهما بمُرشحات هواء عالية الكفاءة، تلتقط حتى الجزيئات الصغيرة للفيروس. ومع ذلك، هناك بعض الطائرات القديمة التي تستخدم مُرشحات أقل كفاءة.
وينتقل تيار الهواء في المقصورة من السقف إلى الأرض بدلاً من الأمام إلى الخلف ويُقسَّم إلى أقسام؛ مما يحدُّ من انتقال الجزيئات على طول الطائرة. ومع ذلك، تشير نماذج محاكاة حاسوبية إلى أنَّ تدفق الهواء هذا يمكن أن يتأثر بعوامل مثل تصميم المقعد والمقصورة ومدى امتلاء الطائرة. وقد لا تعمل أنظمة التهوية هذه بطاقتها كاملةً عندما تكون الطائرات متوقفة عند البوابة؛ إذ نتج تفشي الإنفلونزا في عام 1979 عن بقاء الركاب على متن طائرة مُؤرَضة مع إيقاف تشغيل التهوية. وتقول بعض شركات الطيران، إنها تُبقي الآن أنظمة التهوية مُشغَّلة حتى خروج الجميع من الطائرة.
ما الإجراءات الأخرى التي يمكنها تقويض مخاطر التفشي؟
تطالب شركات الطيران الآن عملاءها بارتداء أقنعة الوجه طوال رحلاتهم؛ مما قد يقلل من المخاطر. ويلفت اتحاد النقل الجوي إلى أنَّ معظم الإصابات المقترنة بالسفر الجوي المُعلَنة حدثت قبل فرض هذا الشرط. ومع ذلك، لا تُطبَّق القاعدة بصرامة في كثير من الحالات، وقد أُصِيب مرتدو الأقنعة بالعدوى. على سبيل المثال، خلص باحثون إلى أنَّ رجلاً على متن رحلة جوية من سنغافورة إلى الصين، في 21 يناير/كانون الثاني 2020، ترك قناعه ينزلق أثناء الدردشة مع زوجته وابنه، مما يعني أنه من المحتمل التقط العدوى من أحد ركاب الطائرة. وتحرص شركات الطيران أيضاً على تنظيف الطائرات تنظيفاً متكرراً وشاملاً، والصعود على متنها دون نقود ورقية، وتسمح بتسجيل الوصول عبر الإنترنت وتستخدم نظام تسليم حقائب آلياً.
ولم يعُد بعضها يقدم الطعام والمشروبات، ويُطلَب من الركاب عدم الاصطفاف في طابور للوصول إلى المرحاض. وفي الولايات المتحدة، تعهدت شركة Delta Air Lines بترك مسافة دائماً بين الركاب، على الرغم من أنَّ شركات النقل الأخرى تضع عدداً محدوداً من الركاب في كل رحلة، إن أمكن. بينما عارضت شركات الطيران الأوروبية إلى حد كبير، الالتزام بترك المقاعد المتوسطة فارغة، قائلة إنَّ الأدلة العلمية على مدى فاعلية هذه الممارسة محدودة، إلى جانب أنها ستجعل الرحلات الجوية مُكلِّفَة للغاية.