أعلن السفير السعودي في الأردن، نايف بن بندر السديري، الأحد 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020، عما وصفه بـ"أضخم مشروع بتاريخ العلاقات بين البلدين" يتمثل بسكة حديد تربط السعودية بالأردن عبر مدينة العقبة جنوباً سيمتد إلى العاصمة عمّان، فماذا وراء هذا المشروع؟ وهل هو البداية لربط دول الخليج بإسرائيل عبر المشروع الذي كانت قد أعلنت عنه تل أبيب مراراً تحت اسم "سكة حديد السلام"؟
ما هو مشروع "سكة حديد السلام"؟
قبل نحو 3 أعوام، وتحديداً في أبريل/نيسان 2017، كشف وزير النقل الإسرائيلي يسرائيل كاتس لأول مرة عن خطة لإنشاء ما سماه "سكك حديدية للسلام الإقليمي"، لربط إسرائيل مع ما وصفها بـ"الدول العربية المعتدلة" في الخليج العربي.
ويتمثل المشروع، بحسب الوزير الإسرائيلي، في تأسيس شبكة سكك حديدية إقليمية عابرة لمنطقة الشرق الأوسط، تربط إسرائيل بدول الخليج مروراً بكل من الأردن والسعودية.
وقال كاتس في تصريحات لاحقة من العام نفسه إن "القطار العابر لمنطقة الشرق الأوسط سيسمح بربط إسرائيل بطريقة أكثر فاعلية بالدول العربية"، موضحاً أن "الخطة التي تعمل عليها إسرائيل وتدفع من أجل تنفيذها، هي إعادة إحياء خط قطار كان موجوداً بالفعل (في إشارة لسكة حديد الحجاز العثمانية)، ويربط مدينة حيفا بالحدود الأردنية عبر الضفة الغربية، ومنها إلى السعودية ودول الخليج".
تنسيق إسرائيلي خليجي مبكّر "عبر قنوات خلفية"
وفي ذلك الحين، لم تكن ترتبط إسرائيل بعد باتفاقيات تطبيع مع أي دولة خليجية، ورغم أن إسرائيل لا تربطها "علاقات رسمية" مع السعودية حتى الآن، فإن الوزير كاتس كان يتحدث عن أن التعاون مع الرياض سيتم "عبر قنوات خلفية" (في إشارة منه إلى الولايات المتحدة الأمريكية)، لافتاً إلى أن "إدارة ترامب -الإدارة الجديدة في واشنطن في ذلك الحين- نشطة جداً في سبيل تطبيع العلاقات بالمنطقة بين إسرائيل ودول الخليج".
ووقتها، أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إلى أن كاتس عرض مشروع القطار الجديد على إدارة ترامب، وأوضح لمستشار الرئيس الأمريكي للمفاوضات الدولية السابق جيسون غرينبلات، أنه "لا يطلب دعماً مالياً أمريكياً للمشروع، وإنما يطلب فقط تشجيع الأردن والسعودية ودول الخليج على قبوله"، مضيفاً أن "السكك الحديدية التي ستمر في الدول العربية ستموّلها شركات خاصة بهدف الربح المالي".
وأضافت الصحيفة أن السكة الحديدية ستنطلق من مدينة حيفا، مروراً بمدينة بيسان التي يطلق عليها الإسرائيليون اسم "بيت شآن"، ومنها إلى جسر الملك حسين، الذي يربط الضفة الغربية بالأردن فوق نهر الأردن، إلى عمان، قبل أن تصل إلى مدينة الدمام السعودية.
وفي عام 2018، وخلال زيارة قام بها نتنياهو إلى سلطنة عُمان اصطحب فيها وزيره كاتس لدراسة المشروع مع السلطان الراحل قابوس، قال كاتس إنه "في غضون عقد من الزمن، ستبدأ عوائد الخط بالظهور". ففي عام 2030، قال إنه يتوقع أن تبلغ قيمة النمو المتوقع للاقتصاد الإقليمي 15 مليار دولار للأردن، و80 مليار دولار للسعودية، و85 مليار دولار للإمارات، و45 مليار دولار للكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان. أما حجم التجارة المتوقعة عبر المسار، سيصل في العام 2030 إلى 250 مليار دولار.
بديل للممر البحري العربي نحو أوروبا
ترى إسرائيل في مشروع السكة الحديد بديلاً لطريق التجارة البحري العربي الأوروبي الذي يطوق شبه الجزيرة العربية، وتشجع تل أبيب السعودية ودول الخليج الأخرى على استبدال المسار البحري الحالي بسكة الحديد التي ستنتهي بميناء حيفها وتحقق أرباحاً اقتصادية هائلة لتل أبيب، من باب أن المسار البحري سيظل مهدداً من قِبَل إيران وأذرعها في المنطقة، إذ إن مضيق باب المندب يقف عليه الحوثيون قبالة سواحل اليمن، ومضيق هرمز تقف عليه إيران وقد تكون المصالح التجارية الخليجية مهددة في أي لحظة. وبالتالي فإن سكة الحديد "ستسمح بوصول بري اقتصادي آمِن برية من الدول العربية إلى البحر الأبيض المتوسط".
الإعلان السعودي.. لماذا الآن؟
يبدو أن كلاً من إسرائيل والدول الخليجية الأخرى -وعلى رأسها السعودية- باتوا يرون أن الوقت قد حان لهذا المشروع الضخم، ففي الآونة الأخيرة وبعد توقيع اتفاقيات تطبيع رسمية بين إسرائيل من جهة، وكل من الإمارات والبحرين من جهة أخرى، برزت المملكة العربية السعودية كواحدة من أهم الدول التي تقف في "طابور طويل"، لتوقيع اتفاقات تطبيع مع إسرائيل كما تقول الإدارة الأمريكية.
وقبل يومين من الإعلان السعودي عن هذا المشروع لأول مرة من عمّان، كانت صحيفة The Jerusalem Post العبرية قد قالت إن رئيس الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، كشف في محادثات مغلقة أن إعلان السعودية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بات وشيكاً، وأن هناك تطورات كبيرة قد يشهدها هذا الموضوع بعد حسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اعتماداً على الفائز بها.
وتقول الصحيفة إن كوهين قال لدائرة خاصة من محيطه إن السعوديين ينتظرون إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، ومع ذلك فمن المحتمل أن يعلنوا التطبيع مع إسرائيل ويقدّموه على أنه "هدية" للفائز، وهو ما انتظرته تل أبيب طويلاً، مشيرة إلى أن كوهين قال لمن حوله إنه إذا فاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة انتخاب له فقد يكون هناك إعلان "شبه فوري" لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
الأردن الخاسر الأكبر
لكن المريب في هذه الخطة وهو ما يجب عدم إهماله، هو موافقة الأردن على أن يكون جزءاً من هذا المشروع الذي وبكل تأكيد سيكبده خسائر اقتصادية وتجارية، وسيلحق أضراراً كبيرة بصناعة السياحة الأردنية.
إذ إن آثار تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإسرائيل على وجه التحديد ستعرض الأردن لخسائر كبيرة، بعد أن ستستبدل السعودية ودول الخليج الكثير من وارداتها التي كانت تأتيها من الأردن بتلك الإسرائيلية. كما أن صناعة النقل والسياحة الأردنية ستتعرض لضربة قاتلة، بعد أن كانت تقدم خدماتها لعرب 48 والفلسطينيين الذين كانوا يمرون عبر الأردن ويقيمون في فنادقها، في طريقهم لأداء فريضتي العمرة والحج في السعودية. وبالتالي لن يكون الأردن سوى محطة عبور لهذا القطار الذي سيحقق بالدرجة الأولى فوائد اقتصادية ضخمة لإسرائيل -التي ستصبح بوابة الجزيرة العربية نحو أوروبا- ومن ثم بقية الدول الخليجية.
وإلى جانب الأردن فسيحلق الضرر بمصر أيضاً، إذ إن قناة السويس ستتعرض لخسائر كبيرة، فبدلاً من الطريق البحري الطويل والمتعرج حول شبه الجزيرة العربية، عبر البحر الأحمر وقناة السويس، سيتم نقل البضائع من الموانئ الخليجية كدبي وأبوظبي وغيرهما بالقطارات إلى موانئ حيفا وأشدود في يوم واحد فقط بدلاً من عشرة أيام عن طريق قناة السويس.